وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون
قال جمهور المفسرين : القرية هي
بيت المقدس ، وقيل : إنها
أريحاء قرية من قرى بيت المقدس ، وقيل : من قرى
الشام .
وقوله : كلوا أمر إباحة ، رغدا كثيرا واسعا ، وهو نعت لمصدر محذوف : أي أكلا رغدا ، ويجوز أن يكون
[ ص: 61 ] في موضع الحال ، وقد تقدم تفسيره .
والباب الذي أمروا بدخوله هو باب في
بيت المقدس يعرف اليوم بباب حطة ، وقيل : هو باب القبة التي كان يصلي إليها
موسى وبنو إسرائيل .
والسجود قد تقدم تفسيره وقيل : هو هنا الانحناء ، وقيل : التواضع والخضوع ، واستدلوا على ذلك بأنه لو كان المراد بالسجود الحقيقي الذي هو وضع الجبهة على الأرض لامتنع الدخول المأمور به ؛ لأنه لا يمكن الدخول حال السجود الحقيقي .
وقال في الكشاف : إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا .
واعترضه
أبو حيان في النهر الماد فقال : لم يؤمروا بالسجود ، بل هو قيد في وقوع المأمور به وهو الدخول ، والأحوال نسب تقييدية ، والأوامر نسب إسنادية انتهى .
ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد ، فمن قال اخرج مسرعا فهو آمر بالخروج على هذه الهيئة ، فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفا للأمر .
ولا ينافي هذا كون الأحوال نسبا تقييدية ، فإن اتصافها بكونها قيودا مأمورا بها هو شيء زائد على مجرد التقييد ، وقوله : حطة بالرفع في قراءة الجمهور على إضمار مبتدأ ، قال
الأخفش : وقرئت " حطة " نصبا على معنى احطط عنا ذنوبنا حطة ، وقيل : معناها الاستغفار ، ومنه قول الشاعر :
فاز بالحطة التي أمر الل ه بها ذنب عبده مغفورا
وقال
ابن فارس في المجمل : حطة كلمة أمروا بها ولو قالوها لحطت أوزارهم .
قال
الرازي في تفسيره : أمرهم بأن يقولوا ما يدل على التوبة ، وذلك لأن التوبة صفة القلب فلا يطلع الغير عليها ، وإذا اشتهر وأخذ بالذنب ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب ، لأن التوبة لا تتم إلا به . انتهى .
وكون التوبة لا تتم إلا بذلك لا دليل عليه ، بل مجرد عقد القلب عليها يكفي سواء اطلع الناس على ذنبه أم لا ، وربما كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله عز وجل أحب إلى الله وأقرب إلى مغفرته .
وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية فذلك باب آخر .
وقوله : ( يغفر لكم ) قرأه نافع بالياء التحتية المضمومة ، وقرأه
ابن عامر بالتاء الفوقية المضمومة وقرأه الباقون بالنون وهي أولى .
والخطايا جمع خطيئة بالهمز ، وقد تكلم علماء العربية في ذلك بما هو معروف في كتب الصرف .
وقوله : وسنزيد المحسنين أي نزيدهم إحسانا على إحسانهم المتقدم ، وهو اسم فاعل من أحسن .
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الإحسان فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019409أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
وقوله :
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم قيل إنهم قالوا : حنطة ، وقيل غير ذلك .
والصواب أنهم قالوا : حبة في شعرة ، كما سيأتي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقوله :
فأنزلنا على الذين ظلموا هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة كما تقرر في علم البيان ، وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16559عدي بن زيد :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فكرر الموت في البيت ثلاثا تهويلا لأمره وتعظيما لشأنه .
وقوله : رجزا بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن محيصن فإنه قرأ بضم الراء .
والرجز : العذاب .
والفسق قد تقدم تفسيره .
وقد أخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
قتادة في قوله :
ادخلوا هذه القرية قال :
بيت المقدس .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
ابن زيد قال : هي
أريحاء قرية من
بيت المقدس .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ادخلوا الباب قال : باب ضيق سجدا قال : ركعا .
وقوله : حطة قال : مغفرة ، فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا : حنطة استهزاء ، قال : فذلك قوله تعالى :
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : الباب هو أحد أبواب
بيت المقدس ، وهو يدعى باب حطة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير
وأبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : قيل لهم : ادخلوا الباب سجدا فدخلوا مقنعي رءوسهم وقالوا : حنطة : حبة حمراء فيها شعيرة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
عكرمة في قوله :
ادخلوا الباب سجدا قال : طأطئوا رءوسكم ، وقولوا : حطة قال : قولوا : لا إله إلا الله .
وأخرج
البيهقي في الأسماء والصفات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : قولوا حطة قال : لا إله إلا الله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عنه قال : كان الباب قبل القبلة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019410قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجدا وقولوا : حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا : حبة في شعرة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019411دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على أستاههم وهم يقولون : حنطة في شعيرة والأول أرجح لكونه في الصحيحين .
وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر : أعني
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
علي قال : إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة
نوح وكباب حطة في
بني إسرائيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب .
وأخرج
مسلم وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=44وسعد بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=2546وخزيمة بن ثابت قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1019412وإن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم ، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها .