وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب .
وإما نرينك " ما " زائدة ، وأصله : وإن نرك
بعض الذي نعدهم من العذاب كما وعدناهم بذلك بقولنا :
لهم عذاب في الحياة الدنيا [ الرعد : 34 ] ، وبقولنا
ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة [ الرعد : 31 ] ، والمراد أريناك بعض ما نعدهم قبل موتك ، أو توفيناك قبل إراءتك لذلك ،
فإنما عليك البلاغ أي فليس عليك إلا تبليغ أحكام الرسالة ، ولا يلزمك حصول الإجابة منهم لما بلغته إليهم
وعلينا الحساب أي محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم عليها ، وليس ذلك عليك ، وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به ، وليس عليه غيره ، وأن من لم يجب دعوته ، ويصدق نبوته فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك .
أولم يروا يعني أهل
مكة ، والاستفهام للإنكار ، أي : أولم ينظروا
أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أي نأتي أرض الكفر
كمكة ننقصها من أطرافها بالفتوح على المسلمين منها شيئا فشيئا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أعلم الله أن بيان ما وعد المشركين من قهرهم قد ظهر ، يقول : أولم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم ، فكيف لا يعتبرون ؟ وقيل : إن معنى الآية : موت العلماء والصلحاء .
قال
القشيري : وعلى هذا فالأطراف الأشراف ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : الطرف الرجل الكريم .
قال
القرطبي : وهذا القول بعيد ، لأن مقصود الآية : أنا أريناهم النقصان في أمرهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز إلا أن يحمل على موت أحبار اليهود والنصارى وقيل : المراد من الآية : خراب الأرض المعمورة حتى يكون العمران في ناحية منها ، وقيل : المراد بالآية : هلاك من هلك من الأمم ، وقيل : المراد : نقص ثمرات الأرض ، وقيل : المراد : جور ولاتها حتى تنقص
والله يحكم لا معقب لحكمه أي يحكم ما يشاء في خلقه ، فيرفع هذا ويضع هذا ، ويحيي هذا ويميت هذا ، ويغني هذا ويفقر هذا ، وقد حكم بعزة الإسلام وعلوه على الأديان ، وجملة
لا معقب لحكمه في محل نصب على الحال ، وقيل : معترضة : والمعقب : الذي يكر على الشيء فيبطله ، وحقيقته الذي يقفيه بالرد والإبطال .
قال
الفراء : معناه لا راد لحكمه : قال : والمعقب الذي يتبع الشيء فيستدركه ، ولا يستدرك أحد عليه ، والمراد من الآية أنه لا يتعقب أحد حكم الله سبحانه بنقص ولا تغيير
وهو سريع الحساب فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته على السرعة .
وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا أي قد مكر الكفار الذين من قبل كفار
مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل فكادوهم وكفروا بهم ، وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ، ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم ، وأن المكر كله لله ، فقال
فلله المكر جميعا لا اعتداد بمكر غيره ، ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره ، فقال :
يعلم ما تكسب كل نفس من خير وشر فيجازيها على ذلك ، ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها كان المكر كله له ، لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون .
وقال
الواحدي : إن مكر الماكرين مخلوق فلا يضر إلا بإرادته ، وقيل : فالمعنى : فلله جزاء مكر الماكرين " وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار " قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو " الكافر " بالإفراد ، وقرأ الباقون الكفار بالجمع ، أي : سيعلم جنس الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين في دار الدنيا ، أو في الدار الآخرة ، أو فيهما ، وقيل : المراد بالكافر : أبو جهل .
ويقول الذين كفروا لست مرسلا أي يقول المشركون أو جميع الكفار : لست يا
محمد مرسلا إلى الناس من الله ، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم ، فقال :
قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم فهو يعلم صحة رسالتي ، وصدق دعواتي ، ويعلم كذبكم
ومن عنده علم الكتاب أي علم جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل ، فإن أهلهما العالمين بهما يعلمون صحة رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أخبر بذلك من أسلم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي nindex.php?page=showalam&ids=155وتميم الداري ونحوهم ، وقد كان المشركون من العرب يسألون أهل الكتاب ويرجعون إليهم ، فأرشدهم الله سبحانه في هذه الآية إلى أن أهل الكتاب يعلمون ذلك ، وقيل : المراد بالكتاب القرآن ومن عنده علم منه هم المسلمون ، وقيل : المراد من عنده علم اللوح المحفوظ ، وهو الله سبحانه
[ ص: 737 ] واختار هذا
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وقال : لأن الأشبه أن الله لا يستشهد على خلقه بغيره .
وقد أخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020532قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : ننقصها من أطرافها قال : ذهاب العلماء .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=17211ونعيم بن حماد في الفتن
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ننقصها من أطرافها قال : موت علمائها وفقهائها وذهاب خيار أهلها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
مجاهد في تفسير الآية قال : موت العلماء .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الآية قال : أولم يروا أنا نفتح
لمحمد الأرض بعد الأرض .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
الضحاك في الآية قال : يعني أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتقص له ما حوله من الأرضين ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون .
وقال الله في سورة الأنبياء
نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون [ الأنبياء : 44 ] .
بل نبي الله وأصحابه هم الغالبون .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الآية قال : نقصان أهلها وبركتها .
وأخرج
ابن المنذر عنه قال : إنما تنقص الأنفس والثمرات وأما الأرض فلا تنقص .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : أولم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية منها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر عن
مجاهد نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
ابن زيد والله يحكم لا معقب لحكمه ليس أحد يتعقب حكمه فيرده كما يتعقب أهل الدنيا بعضهم حكم بعض فيرده .
وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسقف من اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل تجدني في الإنجيل ؟ قال : لا ، فأنزل الله قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب .
يقول
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، وأخرج
ابن مردويه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عن
جندب قال : جاء
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام حتى أخذ بعضادتي باب المسجد ، ثم قال : أنشدكم بالله أتعلمون أني الذي أنزلت في
ومن عنده علم الكتاب ؟ قالوا : اللهم نعم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16574العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومن عنده علم الكتاب قال : هم أهل الكتاب من
اليهود والنصارى .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم في الآية قال : كان قوم من أهل الكتاب يشهدون بالحق ويعرفونه ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام والجارود nindex.php?page=showalam&ids=155وتميم الداري nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي .
وأخرج
أبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي بسند ضعيف عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ ومن عنده علم الكتاب قال : ومن عند الله علم الكتاب .
وأخرج
أبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يقرأ
ومن عنده علم الكتاب يقول : ومن عند الله علم الكتاب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله :
ومن عنده علم الكتاب أهو
عبد الله بن سلام ؟ قال : كيف وهذه السورة مكية ؟ وأخرج
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال ما نزل في
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام شيء من القرآن .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في قوله :
ومن عنده علم الكتاب قال :
جبريل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد قال : هو الله .