أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون
قوله : ( أفتطمعون ) هذا الاستفهام فيه معنى الإنكار ، كأنه آيسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود .
والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو له ولهم .
و ( يؤمنوا لكم ) أي لأجلكم ، أو على تضمين آمن معنى استجاب ، أي : أتطمعون أن يستجيبوا لكم .
والفريق ، اسم جمع لا واحد له من لفظه .
و ( كلام الله ) أي التوراة ، وقيل : إنهم سمعوا خطاب الله
لموسى حين كلمه ، وعلى هذا فيكون الفريق هم السبعون الذين اختارهم
موسى ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش " كلم الله " .
والمراد من التحريف أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة ، فجعلوا حلاله حراما أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم كتحريفهم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسقاط الحدود عن أشرافهم ، أو سمعوا كلام الله
لموسى فزادوا فيه ونقصوا ، وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر وإنكار على من طمع في إيمانهم ، وحالهم هذه الحال ، أي ولهم سلف حرفوا كلام الله وغيروا شرائعه وهم مقتدون بهم متبعون سبيلهم .
ومعنى قوله :
من بعد ما عقلوه أي من بعد ما فهموه بعقولهم مع كونهم يعلمون أن ذلك الذي فعلوه تحريف مخالف لما أمرهم الله به من تبليغ شرائعه كما هي ، فهم وقعوا في المعصية عالمين بها ، وذلك أشد لعقوبتهم وأبين لضلالهم .
وإذا لقوا الذين آمنوا يعني أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا
قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض أي إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم أي حكم عليكم من العذاب ، وذلك أن أناسا من اليهود أسلموا ثم نافقوا ، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم ، وقيل : إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة
محمد ، وقد تقدم معنى ( خلا ) .
والفتح عند العرب : القضاء والحكم ، والفتاح : القاضي بلغة
اليمن ، والفتح : النصر ، ومن ذلك قوله تعالى :
يستفتحون على الذين كفروا وقوله :
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ومن الأول :
ثم يفتح بيننا بالحق أي خير الحاكمين ، أي الحاكمين ، ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين ، والمحاجة إبراز الحجة ، أي لا تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب فيكون ذلك حجة لهم عليكم فيقولون : نحن أكرم على الله منكم وأحق بالخير منه .
والحجة ، الكلام المستقيم ، وحاججت فلانا فحججته أي غلبته بالحجة .
أفلا تعقلون ما فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم .
ثم وبخهم الله سبحانه
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون من جميع أنواع الإسرار وأنواع الإعلان ، ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم :
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله وليس قوله : يسمعون التوراة ، كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا
موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة في قوله :
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم الآية : قال : هم
اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما سمعوه ووعوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
مجاهد في قوله :
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم الآية ، قال : الذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم ، والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم
يهود .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله :
يسمعون كلام الله قال : هي التوراة حرفوها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا أي بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه إليكم خاصة
وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : لا تحدثوا العرب بهذا فقد كنتم تستفتحون به عليهم ، وكان منهم
ليحاجوكم به عند ربكم أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق باتباعه وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر ونجد في كتابنا . اجحدوه ولا تقروا به .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عنه أن هذه الآية في المنافقين من
اليهود وقوله :
بما فتح الله عليكم يعني بما أكرمكم به .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : نزلت هذه الآية في ناس من
اليهود آمنوا ثم نافقوا ، وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقال بعضهم لبعض : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب لتقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
ابن زيد أن سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن ، فكان
اليهود يظهرون الإيمان فيدخلون ويرجعون إلى قومهم بالأخبار ، وكان المؤمنون يقولون لهم : أليس قد قال الله في التوراة كذا وكذا ؟ فيقولون : نعم ، فإذا رجعوا إلى قومهم
قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم الآية
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد أن سبب نزول الآية : أن النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 70 ] قام لقوم
قريظة تحت حصونهم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003482يا إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغوت ، فقالوا : من أخبر هذا الأمر
محمدا ؟ ما خرج هذا الأمر إلا منكم
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم أي بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
عكرمة أن السبب في نزول الآية :
أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عالمهم وهو ابن صوريا فقال له : احكم ، قال : فجبوه ، والتجبية : يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبحكم الله حكمت ؟ قال : لا ، ولكن نساءنا كن حسانا فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم ، وفيه نزل وإذا خلا بعضهم إلى بعض الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
قتادة في قوله :
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا قال : هم
اليهود وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم
وإذا خلا بعضهم إلى بعض نهى بعضهم بعضا أن يحدثوا بما فتح الله عليهم وبين لهم في كتابه من أمر
محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ونبوته وقالوا : إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم أفلا تعقلون
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون قال : ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين آمنوا ، وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
أبي العالية في قوله :
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون يعني من كفرهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم ولكذبهم ، وما يعلنون حين قالوا للمؤمنين آمنا ، وقد قال بمثل هذا جماعة من السلف .