فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين .

حتى هي الابتدائية دخلت على الجملة الشرطية ، وهي مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بقوله لكاذبون وقيل : بيصفون ، والمراد بمجيء الموت مجيء علاماته قال رب ارجعون أي قال ذلك الأحد الذي حضره الموت تحسرا وتحزنا على ما فرط منه ( رب ارجعون ) أي : ردوني إلى الدنيا ، وإنما قال ارجعون بضمير الجماعة لتعظيم المخاطب .

وقيل : هو على معنى تكرير الفعل أي : ارجعني ارجعني ارجعني ، ومثله قوله ألقيا في جهنم [ ق : 24 ] قال المازني : معناه ألق ألق ، وهكذا قيل في قول امرئ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

ومنه قول الحجاج :

يا حرسي اضربا عنقه

ومنه قول الشاعر :

ولو شئت حرمت النساء سواكم

وقول الآخر :

ألا فارحموني يا إله محمد

وقيل : إنهم لما استغاثوا بالله قال قائلهم رب . ثم رجع إلى [ ص: 993 ] مخاطبة الملائكة فقال : ارجعون لعلي أعمل صالحا أي أعمل عملا صالحا في الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير ، ولما تمنى أن يرجع ليعمل رد الله عليه ذلك بقوله : كلا إنها كلمة هو قائلها فجاء بكلمة الردع والزجر ، والضمير في إنها يرجع إلى قوله : رب ارجعون أي إن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة ، وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا ، أو المعنى : أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء كما في قوله : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [ الأنعام : 28 ] وقيل : إن الضمير في قائلها يرجع إلى الله أي : لا خلف في خبره ، وقد أخبرنا بأنه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها ومن ورائهم برزخ أي من أمامهم وبين أيديهم : والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين . قاله الجوهري .

واختلف في معنى الآية ، فقال الضحاك ومجاهد وابن زيد : حاجز بين الموت والبعث .

وقال الكلبي : هو الأجل ما بين النفختين ، وبينهما أربعون سنة .

وقال السدي : هو الأجل ، و إلى يوم يبعثون هو يوم القيامة .

فإذا نفخ في الصور قيل هذه هي النفخة الأولى ، وقيل : الثانية ، وهذا أولى ، وهي النفخة التي تقع بين البعث والنشور ، وقيل : المعنى فإذا نفخ في الأجساد أرواحها ، على أن الصور جمع صورة ، لا القرن ويدل على هذا قراءة ابن عباس والحسن الصور بفتح الواو مع ضم الصاد جمع صورة . وقرأ أبو رزين بفتح الصاد والواو .

وقرأ الباقون بضم الصاد وسكون الواو ، وهو القرن الذي ينفخ فيه فلا أنساب بينهم يومئذ أي لا يتفاخرون بالأنساب ويذكرونها لما هم فيه من الحيرة والدهشة ولا يتساءلون أي لا يسأل بعضهم بعضا ، فإن لهم إذ ذاك شغلا شاغلا ، ومنه قوله تعالى : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه [ عبس : 34 - 36 ] ، وقوله : ولا يسأل حميم حميما [ المعارج : 10 ] ، ولا ينافي هذا ما في الآية الأخرى من قوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ الصافات : 27 ] فإن ذلك محمول على اختلاف المواقف يوم القيامة ، فالإثبات باعتبار بعضها ، والنفي باعتبار بعض آخر كما قررناه في نظائر هذا ، مما أثبت تارة ونفي أخرى .

فمن ثقلت موازينه أي موزوناته من أعماله الصالحة فأولئك هم المفلحون أي الفائزون بمطالبهم المحبوبة ، الناجون من الأمور التي يخافونها .

ومن خفت موازينه وهي أعماله الصالحة فأولئك الذين خسروا أنفسهم أي ضيعوا وتركوا ما ينفعها في جهنم خالدون هذا بدل من صلة الموصول ، أو خبر ثان لاسم الإشارة ، وقد تقدم الكلام على هذه الآية مستوفى فلا نعيده .

وجملة تلفح وجوههم النار مستأنفة ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال ، أو تكون خبرا آخر لأولئك ، واللفح الإحراق ، يقال لفحته النار ، إذا أحرقته ، ولفحته بالسيف : إذا ضربته ، وخص الوجوه ؛ لأنها أشرف الأعضاء وهم فيها كالحون هذه الجملة في محل نصب على الحال ، والكالح الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه ، قاله الزجاج . ودهر كالح أي : شديد .

قال أهل اللغة : الكلوح تكنيز في عبوس .

وجملة ألم تكن آياتي تتلى عليكم هي على إضمار القول أي : يقال لهم ذلك توبيخا وتقريعا أي : ألم تكن آياتي تتلى عليكم في الدنيا فكنتم بها تكذبون .

وجملة قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا مستأنفة جواب سؤال مقدر أي : غلبت علينا لذاتنا وشهواتنا ، فسمى ذلك شقوة ؛ لأنه يؤول إلى الشقاء .

قرأ أهل المدينة أبو عمرو وعاصم شقوتنا وقرأ الباقون ( شقاوتنا ) وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن وكنا قوما ضالين أي بسبب ذلك فإنهم ضلوا عن الحق بتلك الشقوة .

ثم طلبوا ما لا يجابون إليه فقالوا : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون أي فإن عدنا إلى ما كنا عليه من الكفر وعدم الإيمان فإنا ظالمون لأنفسنا بالعود إلى ذلك . فأجاب الله عليهم بقوله : قال اخسئوا فيها ولا تكلمون أي اسكنوا في جهنم . قال المبرد : الخسء إبعاد بمكروه ، وقال الزجاج : تباعدوا تباعد سخط وأبعدوا بعد الكلب .

فالمعنى على هذا : أبعدوا في جهنم ، كما يقال للكلب اخسأ أي : ابعد ، خسأت الكلب خسأ طردته ، ولا تكلمون في إخراجكم من النار ورجوعكم إلى الدنيا ، أو في رفع العذاب عنكم ، وقيل : المعنى : لا تكلمون رأسا .

ثم علل ذلك بقوله : إنه كان فريق من عبادي يقولون وهم المؤمنون ، وقيل : الصحابة ، يقولون : ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين قرأ الجمهور إنه كان فريق بكسر إن استئنافا تعليليا ، وقرأ أبي بفتحها .

فاتخذتموهم سخريا قرأ نافع وحمزة والكسائي بضم السين . وقرأ الباقون بكسرها . وفرق بينهما أبو عمرو فجعل الكسر من جهة الهزو ، والضم من جهة السخرية .

قال النحاس ولا يعرف هذا الفرق الخليل ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفراء ، وحكى الثعلبي عن الكسائي : أن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول ، والضم بمعنى التسخير والاستبعاد بالفعل حتى أنسوكم ذكري أي اتخذتموهم سخريا إلى هذه الغاية فإنهم نسوا ذكر الله لشدة اشتغالهم بالاستهزاء وكنتم منهم تضحكون في الدنيا ، والمعنى : حتى نسيتم ذكري باشتغالكم بالسخرية والضحك ، فنسب ذلك إلى عباده المؤمنين لكونهم السبب .

وجملة إني جزيتهم اليوم بما صبروا مستأنفة لتقرير ما سبق ، والباء في بما صبروا للسببية أنهم هم الفائزون قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقرأ الباقون بالفتح أي ؛ لأنهم الفائزون ، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه المفعول الثاني للفعل .

قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين القائل هو الله - عز وجل - وتذكيرا لهم كم لبثوا ؟ لما سألوا الرجوع إلى [ ص: 994 ] الدنيا بعد أن أخبرهم بأن ذلك غير كائن كما في قوله : اخسئوا فيها ، والمراد بالأرض هي الأرض التي طلبوا الرجوع إليها ، ويحتمل أن يكون السؤال عن جميع ما لبثوه في الحياة وفي القبور ، وقيل : هو سؤال عن مدة لبثهم في القبور لقوله : في الأرض ، ولم يقل على الأرض ، ورد بمثل قوله تعالى : ولا تفسدوا في الأرض [ الأعراف : 56 و 85 ] وانتصاب ( عدد سنين ) على التمييز ، لما في كم من الإبهام ، وسنين بفتح النون على أنها نون الجمع ، ومن العرب من يخفضها وينونها .

قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم استقصروا مدة لبثهم لما هم فيه من العذاب الشديد .

وقيل : إن العذاب رفع عنهم بين النفختين ، فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم ، وقيل : أنساهم الله ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى النفخة الثانية .

ثم لما عرفوا ما أصابهم من النسيان لشدة ما هم فيه من الهول العظيم أحالوا على غيرهم فقالوا : فاسأل العادين أي المتمكنين من معرفة العدد ، وهم الملائكة ؛ لأنهم الحفظة العارفون بأعمال العباد وأعمارهم ، وقيل : المعنى : فاسأل الحاسبين العارفين بالحساب من الناس .

وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ( قل كم لبثتم في الأرض ) على الأمر ، والمعنى : قل يا محمد للكفار ، أو يكون أمرا للملك بسؤالهم ، أو التقدير : قولوا كم لبثتم ، فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد ، والمراد الجماعة .

وقرأ الباقون قال كم لبثتم على أن القائل هو الله - عز وجل - أو الملك .

قال إن لبثتم إلا قليلا قرأ حمزة والكسائي ( قل إن لبثتم ) كما في الآية الأولى ، وقرأ الباقون قال على الخبر ، وقد تقدم توجيه القراءتين أي : ما لبثتم في الأرض إلا لبثا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون شيئا من العلم ، والجواب محذوف أي : لو كنتم تعلمون لعلمتم اليوم قلة لبثكم في الأرض أو في القبور أو فيهما ، فكل ذلك قليل بالنسبة إلى لبثهم .

ثم زاد سبحانه في توبيخهم فقال : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا الهمزة للتوبيخ والتقرير ، والفاء للعطف على مقدر كما تقدم بيانه في مواضع أي : ألم تعلموا شيئا فحسبتم ، وانتصاب عبثا على الحال أي : عابثين ، أو على العلة أي : للعبث .

قال بالأول سيبويه وقطرب ، وبالثاني أبو عبيدة .

وقال أيضا : يجوز أن يكون منتصبا على المصدرية ، وجملة وأنكم إلينا لا ترجعون معطوفة على أنما خلقناكم عبثا ، والعبث في اللغة : اللعب ، يقال عبث يعبث عبثا فهو عابث أي : لاعب ، وأصله من قوله عبثت الأقط أي : خلطته ، والمعنى : أفحسبتم أن خلقنا لكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب ، وأنكم إلينا لا ترجعون بالبعث والنشور فنجازيكم بأعمالكم .

قرأ حمزة والكسائي ( ترجعون ) بفتح الفوقية وكسر الجيم مبنيا للفاعل ، وقرأ الباقون على البناء للمفعول .

وقيل : إنه يجوز عطف وأنكم إلينا لا ترجعون على عبثا على معنى : أنما خلقناكم للعبث ولعدم الرجوع .

ثم نزه سبحانه نفسه فقال : فتعالى الله أي تنزه عن الأولاد والشركاء أو عن أن يخلق شيئا عبثا ، أو عن جميع ذلك ، وهو الملك الذي يحق له الملك على الإطلاق الحق في جميع أفعاله وأقواله لا إله إلا هو رب العرش الكريم فكيف لا يكون إلها وربا لما هو دون العرش الكريم من المخلوقات ، ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه ، أو باعتبار من استوى عليه ، كما يقال بيت كريم : إذا كان ساكنوه كراما .

قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب الكريم بالرفع على أنه نعت لرب ، وقرأ الباقون بالجر على أنه نعت للعرش .

ثم زيف ما عليه أهل الشرك توبيخا لهم وتقريعا فقال : ومن يدع مع الله إلها آخر يعبده مع الله أو يعبده وحده ، وجملة لا برهان له به في محل نصب صفة لقوله إلها ، وهي صفة لازمة جيء بها للتأكيد ، كقوله يطير بجناحيه والبرهان : الحجة الواضحة والدليل الواضح ، وجواب الشرط قوله : فإنما حسابه عند ربه وجملة لا برهان له به معترضة بين الشرط والجزاء ، كقولك : من أحسن إلى زيد لا أحق منه بالإحسان ، فالله مثيبه ، وقيل : إن جواب الشرط قوله : لا برهان له به على حذف فاء الجزاء كقول الشاعر :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

إنه لا يفلح الكافرون قرأ الحسن وقتادة بفتح أن على التعليل ، وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف ، وقرأ الحسن ( لا يفلح ) بفتح الياء واللام مضارع فلح بمعنى أفلح .

ثم ختم هذه السورة بتعليم رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يدعوه بالمغفرة والرحمة فقال : وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين أمره سبحانه بالاستغفار لتقتدي به أمته ، وقيل : أمره بالاستغفار لأمته . وقد تقدم بيان كونه أرحم الراحمين ، ووجه اتصال هذا بما قبله أنه سبحانه لما شرح أحوال الكفار أمر بالانقطاع إليه والالتجاء إلى غفرانه ورحمته .

وقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إذا أدخل الكافر في قبره فيرى مقعده من النار قال رب ارجعون أتوب وأعمل صالحا ، فيقال له : قد عمرت ما كنت معمرا ، فيضيق عليه قبره ، فهو كالمنهوش ينازع ويفزع تهوي إليه حيات الأرض وعقاربها .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : زعموا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعائشة : إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا ، فيقول : إلى دار الهموم والأحزان ، بل قدما إلى الله ، وأما الكفار فيقولون له : نرجعك ، فيقول : رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت وهو مرسل .

وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحق فيجعل بين عينيه ، فعند ذلك يقول : رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت .

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : أعمل صالحا قال : أقول لا إله إلا الله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة [ ص: 995 ] قالت : ويل لأهل المعاصي من أهل القبور ، يدخل عليهم في قبورهم حيات سود ، حية عند رأسه وحية عند رجليه ، يقرصانه حتى تلتقيا في وسطه ، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون قال : حين نفخ في الصور ، فلا يبقى حي إلا الله .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه سئل عن قوله : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وقوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ الصافات : 27 - الطور : 25 ] فقال : إنها مواقف ، فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى لا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا ، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون .

وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عنه أيضا أنه سئل عن الآيتين فقال : أما قوله : ولا يتساءلون فهذا في النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شيء ، وأما قوله : فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ الصافات : 50 ] فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون .

وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين الآخرين . وفي لفظ : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رءوس الأولين والآخرين ، ثم ينادي مناد : ألا إن هذا فلان بن فلان ، فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه .

وفي لفظ : من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه ، فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا ، ومصداق ذلك في كتاب الله فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون .

وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري .

وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم والحاكم والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي .

وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري .

وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول على المنبر : ما بال رجال يقولون : إن رحم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا ينفع قومه ، بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرط لكم .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس تلفح وجوههم النار قال : تنفخ .

وأخرج ابن مردويه والضياء في صفة النار عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : تلفح وجوههم النار قال : تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعقابهم .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود في الآية قال : لفحتهم لفحة فما أبقت لحما على عظم إلا ألقته على أعقابهم .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه في قوله : وهم فيها كالحون قال : تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته .

وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم ، وصححه عن ابن مسعود في الآية قال : كلوح الرأس النضيج بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس كالحون قال : عابسون .

وقد ورد في صفة أهل النار وما يقولونه وما يقال لهم أحاديث كثيرة معروفة .

وأخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني في عمل اليوم والليلة ، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قرأ في أذن مصاب أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا حتى ختم السورة فبرئ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : بماذا قرأت في أذنه ؟ فأخبره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأ بها على جبل لزال .

وأخرج ابن السني وابن منده وأبو نعيم في المعرفة ، قال السيوطي بسند حسن من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ، فقرأناها فغنمنا وسلمنا اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية