يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون .
لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء ، فربما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين ، و أيضا إن الإنسان يكون في بيته ومكان خلوته
[ ص: 1006 ] على حالة قد لا يحب أن يراه عليها غيره ، فنهى الله سبحانه عن
دخول بيوت الغير إلى غاية ، هي قوله :
حتى تستأنسوا والاستئناس الاستعلام والاستخبار أي : حتى تستعلموا من في البيت ، والمعنى : حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم ، فإذا علمتم ذلك دخلتم ، ومنه قوله :
فإن آنستم منهم رشدا [ النساء : 6 ] أي علمتم .
قال
الخليل : الاستئناس الاستكشاف ، من أنس الشيء إذا أبصره كقوله :
إني آنست نارا [ طه : 10 ، النمل : 7 ] أي أبصرت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : إنه بمعنى وتؤنسوا أنفسكم .
قال
ابن عطية : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس .
ومعنى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير هذا أنه من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش ؛ لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش حتى يؤذن له ، فإذا أذن له استأنس ، فنهى سبحانه عن دخول تلك البيوت حتى يؤذن للداخل .
وقيل : هو من الإنس ، وهو أن يتعرف هل ثم إنسان أم لا ؟ وقيل : معنى الاستئناس الاستئذان أي : لا تدخلوها حتى تستأذنوا .
قال
الواحدي قال جماعة المفسرين : حتى تستأذنوا ، ويؤيده ما حكاه
القرطبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأبي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير أنهم قرءوا ( حتى تستأذنوا ) قال
مالك فيما حكاه عنه
ابن وهب : الاستئناس فيما يرى والله أعلم الاستئذان ، وقوله :
وتسلموا على أهلها قد بينه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما سيأتي بأن يقول : السلام عليكم أدخل ؟ مرة أو ثلاثا كما سيأتي .
واختلفوا
هل يقدم الاستئذان على السلام أو العكس ، فقيل يقدم الاستئذان ، فيقول : أدخل سلام عليكم ، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام .
وقال الأكثرون : إنه يقدم السلام على الاستئذان فيقول : السلام عليكم أدخل ، وهو الحق ؛ لأن البيان منه - صلى الله عليه وآله وسلم - للآية كان هكذا .
وقيل : إن وقع بصره على إنسان قدم السلام ، وإلا قدم الاستئذان
ذلكم خير لكم الإشارة إلى الاستئناس والتسليم أي : دخولكم مع الاستئذان والسلام خير لكم من الدخول بغتة
لعلكم تذكرون أن الاستئذان خير لكم ، وهذه الجملة متعلقة بمقدر أي : أمرتم بالاستئذان ، والمراد بالتذكر الاتعاظ ، والعمل بما أمروا به .
فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم أي فإن لم تجدوا في البيوت التي لغيركم أحدا ممن يستأذن عليه فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم بدخولها من جهة من يملك الإذن .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
مجاهد أنه قال : معنى الآية فإن لم تجدوا فيها أحدا أي : لم يكن لكم فيها متاع ، وضعفه وهو حقيق بالضعف ، فإن المراد بالأحد المذكور أهل البيوت الذين يأذنون للغير بدخولها ، لا متاع الداخلين إليها
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا أي إن قال لكم أهل البيت ارجعوا فارجعوا ، ولا تعاودوهم بالاستئذان مرة أخرى ، ولا تنتظروا بعد ذلك أن يأذنوا لكم بعد أمرهم لكم بالرجوع .
ثم بين سبحانه أن الرجوع أفضل من الإلحاح وتكرار الاستئذان والقعود على الباب فقال :
هو أزكى لكم أي أفضل وأطهر من التدنس بالمشاحة على الدخول لما في ذلك من سلامة الصدر ، والبعد من الريبة ، والفرار من الدناءة
والله بما تعملون عليم لا تخفى عليه من أعمالكم خافية .
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم أي لا جناح عليكم في
الدخول بغير استئذان إلى البيوت التي ليست بمسكونة .
وقد اختلف الناس في المراد بهذه البيوت ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد : هي الفنادق التي في الطرق السابلة الموضوعة لابن السبيل يأوي إليها .
وقال
ابن زيد nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : هي حوانيت القيساريات ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : لأنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها ، وقالوا للناس هلم .
وقال
عطاء : المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط ، ففي هذا أيضا متاع .
وقيل : هي بيوت
مكة . روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد بن الحنفية أيضا ، وهو موافق لقول من قال : إن الناس شركاء فيها ، ولكن قد قيد سبحانه هذه البيوت المذكورة هنا بأنها غير مسكونة .
والمتاع : المنفعة عند أهل اللغة ، فيكون معنى الآية : فيها منفعة لكم ، ومنه قوله :
ومتعوهن [ البقرة : 236 ] وقولهم : أمتع الله بك ، وقد فسر
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي المتاع في كلامه المتقدم بالأعيان التي تباع .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد : وليس المراد بالمتاع الجهاز ، ولكن ما سواه من الحاجة .
قال
النحاس : وهو حسن موافق للغة
والله يعلم ما تبدون وما تكتمون أي ما تظهرون وما تخفون ، وفيه وعيد لمن لم يتأدب بآداب الله في دخول بيوت الغير .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت عن رجل من
الأنصار قال :
قالت امرأة : يا رسول الله إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد ولد ولا والد ، فيأتيني الأب فيدخل علي فكيف أصنع ؟ ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير :
وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحالة ، فنزلت : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري في المصاحف
وابن منده في غرائب شعبة
والحاكم وصححه ،
وابن مردويه والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من طرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
حتى تستأنسوا قال : أخطأ الكاتب حتى تستأذنوا
وتسلموا على أهلها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال في مصحف
عبد الله ( حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا ) . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد وابن المنذر عن
عكرمة مثله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : الاستئناس : الاستئذان .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة والحكيم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=hadith&LINKID=1020917عن أبي أيوب قال : قلت يا رسول الله : أرأيت قول الله تعالى حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها [ ص: 1007 ] هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس ؟ قال : يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت .
قال
ابن كثير : هذا حديث غريب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020918الاستئناس أن يدعو الخادم حتى يستأنس أهل البيت الذين يسلم عليهم .
وأخرج
ابن سعد وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في الأدب
وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي والبيهقي في الشعب من طريق
كلدة nindex.php?page=hadith&LINKID=1020919أن nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وضغابيس والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأعلى الوادي ، قال : فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن ، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ارجع فقل : السلام عليكم أأدخل ؟ قال
الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في الأدب
وأبو داود والبيهقي في السنن من طريق
ربعي ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020920حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو في بيت ، فقال : أألج ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لخادمه : اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان ، فقل له : قل السلام عليكم أأدخل ؟ .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
عمر بن سعيد الثقفي نحوه مرفوعا ، ولكنه قال :
إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لأمة له يقال لها روضة : قومي إلى هذا فعلميه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020921كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبو موسى فزعا ، فقلنا له : ما أفزعك قال : أمرني عمر أن آتيه فأتيته ، فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ فقلت : قد جئت فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع .
قال : لتأتيني على هذا بالبينة ، فقالوا : لا يقوم إلا أصغر القوم ، فقام أبو سعيد معه ليشهد له ، فقال عمر لأبي موسى : إني لم أتهمك ، ولكن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شديد .
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020922اطلع رجل من جحر في حجرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه مدرى يحك بها رأسه ، قال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر .
وفي لفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1020923إنما جعل الإذن من أجل البصر .
وأخرج
أبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن مردويه عن
أنس قال : قال رجل من
المهاجرين : لقد طلبت عمري كله في هذه الآية ، فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني ، فيقول لي ارجع ، فأرجع وأنا مغتبط لقوله :
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب
وأبو داود في الناسخ والمنسوخ
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها فنسخ ، من ذلك فقال :
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم .