مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون [ ص: 1121 ] قوله : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء يوالونهم ويتكلون عليهم في حاجاتهم من دون الله ، سواء كانوا من الجماد أو الحيوان ، ومن الأحياء أو من الأموات
كمثل العنكبوت اتخذت بيتا فإن بيتها لا يغني عنها شيئا لا في حر ولا قر ولا مطر ، كذلك ما اتخذوه وليا من دون الله ، فإنه لا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ولا يغني عنهم شيئا .
قال
الفراء : هو مثل ضربه الله لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره ، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا .
قال : ولا يحسن الوقف على العنكبوت لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء شبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضر به ، وقد جوز الوقف على العنكبوت
الأخفش ، وغلطه
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري قال : لأن اتخذت صلة للعنكبوت كأنه قال : كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتا ، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول ، والعنكبوت تقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، وتجمع على عناكب وعنكبوتات ، وهي الدويبة الصغيرة التي تنسج نسجا رقيقا . وقد يقال : لها عكنبات ، ومنه قول الشاعر :
كأنما يسقط من لغامها بيت عكنبات على زمامها
وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لا بيت أضعف منه مما يتخذه الهوام بيتا ولا يدانيه في الوهي والوهن شيء من ذلك لو كانوا يعلمون أن اتخاذهم الأولياء من دون الله كاتخاذ العنكبوت بيتا ، أو لو كانوا يعلمون شيئا من العلم لعلموا بهذا .
إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ما استفهامية ، أو نافية أو موصولة ، ومن للتبعيض أو مزيدة للتوكيد .
وقيل : إن هذه الجملة على إضمار القول أي : قل للكافرين إن الله يعلم أي شيء يدعون من دونه .
وجزم
أبو علي الفارسي بأنها استفهامية ، وعلى تقدير النفي كأنه قيل : إن الله يعلم أنكم لا تدعون من دونه من شيء : يعني ما تدعونه ليس بشيء ، وعلى تقدير الموصولة : إن الله يعلم الذين تدعونهم من دونه ، ويجوز أن تكون ما مصدرية ، ومن شيء عبارة عن المصدر .
قرأ
عاصم وأبو عمرو ويعقوب " يدعون " بالتحتية .
واختار هذه القراءة
أبو عبيد لذكر الأمم قبل هذه الآية .
وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب وهو العزيز الحكيم الغالب المصدر أفعاله على غاية الإحكام والإتقان .
وتلك الأمثال نضربها للناس أي : هذا المثل وغيره من الأمثال التي في القرآن نضربها للناس تنبيها لهم وتقريبا لما بعد من أفهامهم وما يعقلها أي : يفهمها ويتعقل الأمر الذي ضربناها لأجله إلا العالمون بالله الراسخون في العلم المتدبرون المتفكرون لما يتلى عليهم وما يشاهدونه .
خلق الله السماوات والأرض بالحق أي : بالعدل والقسط مراعيا في خلقها مصالح عباده .
وقيل : المراد بالحق كلامه وقدرته ، ومحل بالحق النصب على الحال ، إن في ذلك لآية للمؤمنين أي : لدلالة عظيمة وعلامة ظاهرة على قدرته وتفرده بالإلهية ، وخص المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بذلك .
اتل ما أوحي إليك من الكتاب أي : القرآن ، وفيه الأمر بالتلاوة للقرآن والمحافظة على قراءته مع التدبر لآياته والتفكر في معانيه
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أي : دم على إقامتها واستمر على أدائها كما أمرت بذلك ، وجملة
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر تعليل لما قبلها ، والفحشاء ما قبح من العمل ، والمنكر ما لا يعرف في الشريعة أي : تمنعه من معاصي الله وتبعده منها ، ومعنى نهيها عن ذلك أن فعلها يكون سببا للانتهاء ، والمراد هنا الصلوات المفروضة
ولذكر الله أكبر أي : أكبر من كل شيء أي : أفضل من العبادات كلها بغير ذكر .
قال
ابن عطية : وعندي أن المعنى ولذكر الله أكبر على الإطلاق أي : هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك وكذلك يفعل ما لم يكن منه في الصلاة لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر لله مراقب له .
وقيل : ذكر الله أكبر من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر مع المداومة عليه . قال
الفراء ،
وابن قتيبة : المراد بالذكر في الآية التسبيح والتهليل ، يقول هو أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر .
وقيل : المراد بالذكر هنا الصلاة أي : والصلاة أكبر من سائر الطاعات ، وعبر عنها بالذكر كما في قوله :
فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة : 9 ] للدلالة على أن ما فيها من الذكر هو العمدة في تفضيلها على سائر الطاعات ، وقيل : المعنى : ولذكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم منه أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم ، واختار هذا
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، ويؤيده حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021050من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " والله يعلم ما تصنعون لا تخفى عليه من ذلك خافية فهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا .
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن أي : إلا بالخصلة التي هي أحسن ، وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله - عز وجل - والتنبيه لهم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام ، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة
إلا الذين ظلموا منهم بأن أفرطوا في المجادلة ولم يتأدبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم والتخشين في مجادلتهم ، هكذا فسر الآية أكثر المفسرين بأن المراد بأهل الكتاب
اليهود والنصارى .
وقيل : معنى الآية : لا تجادلوا من آمن
بمحمد من
أهل الكتاب nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام وسائر من آمن منهم إلا بالتي هي أحسن : يعني بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار
أهل الكتاب ، ويكون المراد بالذين ظلموا على هذا القول هم الباقون على كفرهم .
وقيل : هذه الآية منسوخة بآيات القتال ، وبذلك قال
قتادة ومقاتل .
قال
النحاس : من قال هذه منسوخة احتج بأن الآية مكية ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ولا طلب جزية ولا غير ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ومجاهد : إن المراد بالذين ظلموا منهم الذين نصبوا القتال للمسلمين فجدالهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ،
وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا من القرآن
[ ص: 1122 ] وأنزل إليكم من التوراة والإنجيل أي : آمنا بأنهما منزلان من عند الله وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية والبعثة المحمدية ، ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه ، وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له ، ولا ضد ولا ند ، ونحن له مسلمون أي : ونحن معاشر أمة
محمد مطيعون له خاصة ، لم نقل
عزير ابن الله ولا
المسيح ابن الله ، ولا اتخذنا أحبارنا ورهباننا أربابا من دون الله ، ويحتمل أن يراد ونحن جميعا منقادون له ، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتم من انقياد أهل الكتاب وطاعتهم أبلغ من طاعتهم .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء الآية قال : ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره أن مثله كمثل بيت العنكبوت .
وأخرج
أبو داود في مراسيله عن
يزيد بن مرثد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
العنكبوت شيطان مسخها الله فمن وجدها فليقتلها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
مزيد بن ميسرة قال : العنكبوت شيطان .
وأخرج
الخطيب عن
علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
دخلت أنا ، وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن .
وروى
القرطبي في تفسيره عن
علي أيضا أنه قال : طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيت يورث الفقر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني قال : نسجت العنكبوت مرتين مرة على
داود ، والثانية على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في
قوله : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال : في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين قال سئل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قول الله
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فقال :
من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021052من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
والبيهقي في الشعب عن
الحسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له .
وفي لفظ
لم يزد بها من الله إلا بعدا .
وأخرج
الخطيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا نحوه . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مرفوعا نحوه . قال
السيوطي : وسنده ضعيف .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور وأحمد في الزهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الشعب عنه نحوه موقوفا .
قال
ابن كثير في تفسيره : والأصح في هذا كله الموقوفات عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
والحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وغيرهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ولذكر الله أكبر يقول : ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم إياه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي وسعد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والحاكم وصححه ،
والبيهقي في الشعب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16431عبد الله بن ربيعة قال : سألني
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن قول الله
ولذكر الله أكبر فقلت : ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير قال : لذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ، ثم قال : اذكروني أذكركم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ولذكر الله أكبر قال : ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12769ابن السني وابن مردويه والديلمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الآية قال : لها وجهان : ذكر الله أكبر مما سواه .
وفي لفظ : ذكر الله عند ما حرمه وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه .
وأخرج
أحمد في الزهد ،
وابن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل قال :
ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله ، قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا أن يضرب بسيفه حتى يتقطع ، لأن الله يقول في كتابه العزيز
ولذكر الله أكبر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
وابن المنذر ،
والحاكم في الكنى ،
والبيهقي في الشعب عن
عنترة قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس أي العمل أفضل ؟ قال : ذكر الله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عنه في قوله :
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن قال : بلا إله إلا الله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في الشعب عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021054كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون .
وأخرج
البيهقي في الشعب
والديلمي nindex.php?page=showalam&ids=12176وأبو نصر السجزي في الإبانة عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021055لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، إما أن تصدقوا بباطل ، أو تكذبوا بحق ، والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني .
وأخرج ،
عبد الرزاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : لا تسألوا أهل الكتاب ، وذكر نحو حديث
جابر ، ثم قال : فإن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه .