ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( 23 )
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( 24 )
إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 25 )
أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( 26 )
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ( 27 )
ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 )
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 )
فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ( 30 )
قوله :
ولقد آتينا موسى الكتاب أي : التوراة فلا تكن يا
محمد في مرية أي : شك وريبة
[ ص: 1154 ] من لقائه ، قال
الواحدي : قال المفسرون : وعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه سيلقى
موسى قبل أن يموت ، ثم لقيه في السماء أو في
بيت المقدس حين أسري به .
وهذا قول
مجاهد والكلبي والسدي .
وقيل : فلا تكن في شك من لقاء
موسى في القيامة وستلقاه فيها .
وقيل : فلا تكن في شك من لقاء
موسى للكتاب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وقال
الحسن : إن معناه : ولقد آتينا
موسى الكتاب فكذب وأوذي ، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى فيكون الضمير في لقائه على هذا عائدا على محذوف ، والمعنى : من لقاء ما لاقى
موسى .
قال
النحاس : وهذا قول غريب .
وقيل : في الكلام تقدير وتأخير ، والمعنى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، فلا تكن في مرية من لقائه ، فجاء معترضا بين
ولقد آتينا موسى الكتاب وبين
وجعلناه هدى لبني إسرائيل وقيل : الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان كقوله :
وإنك لتلقى القرآن [ النمل : 6 ] والمعنى : إنا آتينا
موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره ، وما أبعد هذا ، ولعل الحامل لقائله عليه قوله :
وجعلناه هدى لبني إسرائيل فإن الضمير راجع إلى الكتاب ، وقيل : إن الضمير في لقائه عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله :
ثم إلى ربكم ترجعون [ السجدة : 11 ] أي : لا تكن في مرية من لقاء الرجوع وهذا بعيد أيضا .
واختلف في الضمير في قوله وجعلناه فقيل : هو راجع إلى الكتاب أي : جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل ، قاله
الحسن وغيره .
وقال
قتادة : إنه راجع إلى
موسى أي : وجعلنا
موسى هدى لبني إسرائيل .
وجعلنا منهم أئمة أي : قادة يقتدون به في دينهم ، وقرأ
الكوفيون " أئمة " قال
النحاس : وهو لحن عند جميع النحويين ، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة ، ومعنى
يهدون بأمرنا أي : يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا أي : بأمرنا لهم بذلك ، أو لأجل أمرنا .
وقال
قتادة : المراد بالأئمة الأنبياء منهم .
وقيل : العلماء ، لما صبروا قرأ الجمهور " لما " بفتح اللام وتشديد الميم أي : حين صبروا ، والضمير للأئمة ، وفي لما معنى : الجزاء ، والتقدير : لما صبروا جعلناهم أئمة ، وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وخلف ،
nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش عن
يعقوب ،
nindex.php?page=showalam&ids=17340ويحيى بن وثاب بكسر اللام ، وتخفيف الميم أي : جعلناهم أئمة لصبرهم ، واختار هذه القراءة
أبو عبيد مستدلا بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود " بما صبروا " بالباء ، وهذا الصبر هو صبرهم على مشاق التكليف والهداية للناس ، وقيل : صبروا عن الدنيا وكانوا بآياتنا التنزيلية يوقنون أي : يصدقونها ويعلمون أنها حق ، وأنها من عند الله لمزيد تفكرهم وكثرة تدبرهم .
إن ربك هو يفصل بينهم أي : يقضي بينهم ويحكم بين المؤمنين والكفار
يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون وقيل : يقضي بين الأنبياء وأممهم ، حكاه
النقاش .
أولم يهد لهم أي : أولم يبين لهم ، والهمزة للإنكار ، والفاعل ما دل عليه
كم أهلكنا من قبلهم من القرون أي : أولم نبين لهم كثرة إهلاكنا من قبلهم .
قال
الفراء : كم في موضع رفع بيهد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : إن الفاعل الهدى المدلول عليه بيهد أي : أولم يهد لهم الهدى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : كم في موضع نصب بأهلكنا ، قرأ الجمهور " أولم يهد " بالتحتية ، وقرأ
السلمي ،
وقتادة وأبو زيد عن
يعقوب بالنون ، وهذه القراءة واضحة .
قال
النحاس : والقراءة بالياء التحتية فيها إشكال ; لأنه يقال : الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ليهد ؟ ويجاب عنه بأن الفاعل هو ما قدمنا ذكره ، والمراد بالقرون :
عاد وثمود ونحوهم ، وجملة
يمشون في مساكنهم في محل نصب على الحال من ضمير لهم أي : والحال أنهم يمشون في مساكن المهلكين ويشاهدونها ، وينظرون ما فيها من العبر ، وآثار العذاب ، ولا يعتبرون بذلك ، وقيل : يعود إلى المهلكين ، والمعنى : أهلكناهم حال كونهم ماشين في مساكنهم ، والأول أولى : إن في ذلك المذكور لآيات عظيمات أفلا يسمعونها ويتعظون بها .
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز أي : أولم يعلموا بسوقنا الماء إلى الأرض التي لا تنبت إلا بسوق الماء إليها ، وقيل : هي اليابسة ، وأصله من الجرز وهو القطع : أي : التي قطع نباتها لعدم الماء ، ولا يقال للتي لا تنبت أصلا كالسباخ جرز لقوله :
فنخرج به زرعا قيل : هي أرض
اليمن ، وقيل : أرض
عدن .
وقال
الضحاك : هي الأرض العطشى .
وقال
الفراء : هي الأرض التي لا نبات فيها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هي الأرض التي لا تنبت شيئا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : يبعد أن تكون الأرض بعينها لدخول الألف واللام ، وقيل : هي مشتقة من قولهم رجل جروز : إذا كان لا يبقي شيئا إلا أكله ، ومنه قول الراجز :
خب جروز وإذا جاع بكى ويأكل التمر ولا يلقي النوى
وكذلك ناقة جروز : إذا كانت تأكل كل شيء تجده .
وقال
مجاهد : إنها أرض النيل ، لأن الماء إنما يأتيها في كل عام
فنخرج به أي : بالماء
زرعا تأكل منه أنعامهم أي : من الزرع كالتبن والورق ونحوهما مما لا يأكله الناس وأنفسهم أي : يأكلون الحبوب الخارجة في الزرع مما يقتاتونه ، وجملة
تأكل منه أنعامهم في محل نصب على الحال .
أفلا يبصرون هذه النعم ويشكرون المنعم ويوحدونه لكونه المنفرد بإيجاد ذلك .
ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين القائلون هم الكفار على العموم ، أو كفار
مكة على الخصوص أي : متى الفتح الذي تعدوننا به ، يعنون بالفتح : القضاء والفصل بين العباد ، وهو يوم البعث الذي يقضي الله فيه بين عباده ، قاله
مجاهد وغيره .
وقال
الفراء والقتيبي : هو فتح
مكة . قال
قتادة : قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للكفار : إن لنا يوما ننعم فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم : يعنون يوم القيامة ، فقال الكفار : متى هذا الفتح ؟ وقال السدي : هو يوم
بدر ، لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا
[ ص: 1155 ] يقولون للكفار : إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ، ومتى في قوله :
متى هذا الفتح في موضع رفع ، أو في موضع نصب على الظرفية .
ثم أمر الله - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يجيب عليهم ، فقال :
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون وفي هذا دليل على أن يوم الفتح هو يوم القيامة ، لأن يوم فتح
مكة ويوم
بدر هما مما ينفع فيه الإيمان ، وقد أسلم أهل
مكة يوم الفتح وقبل ذلك منهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ومعنى
ولا هم ينظرون لا يمهلون ولا يؤخرون ، ويوم في يوم الفتح منصوب على الظرفية ، وأجاز
الفراء الرفع .
فأعرض عنهم أي : عن سفههم وتكذيبهم ولا تجبهم إلا بما أمرت به
وانتظر إنهم منتظرون أي : وانتظر يوم الفتح ، وهو يوم القيامة ، أو يوم إهلاكهم بالقتل إنهم منتظرون بك حوادث الزمان من موت أو قتل أو غلبة كقوله :
فتربصوا إنا معكم متربصون [ التوبة : 52 ] ويجوز أن يراد إنهم منتظرون لإهلاكهم ، والآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : غير منسوخة ، إذ قد يقع الإعراض مع الأمر بالقتال .
وقرأ
ابن السميفع " إنهم منتظرون " بفتح الظاء مبنيا للمفعول ، ورويت هذه القراءة عن
مجاهد وابن
محيصن .
قال
الفراء : لا يصح هذا إلا بإضمار ، أي : إنهم منتظر بهم .
قال
أبو حاتم : الصحيح الكسر أي : انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلاكك .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021116رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا طويلا جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن جهنم والدجال في آيات أراهن الله إياه قال
فلا تكن في مرية من لقائه فكان
قتادة يفسرها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد لقي
موسى وجعلناه هدى لبني إسرائيل قال : جعل الله
موسى هدى لبني إسرائيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند قال
السيوطي : صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
فلا تكن في مرية من لقائه قال من لقاء
موسى ، قيل : أو لقي
موسى ؟ قال نعم ، ألا ترى إلى قوله :
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا [ الزخرف : 45 ] .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز قال : الجرز التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا إلا ما يأتيها من السيول .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عنه في قوله :
إلى الأرض الجرز قال : أرض
باليمن .
قال
القرطبي في تفسيره : والإسناد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس صحيح لا مطعن فيه .
وأخرج
الحاكم وصححه ،
والبيهقي في الدلائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قال : يوم
بدر فتح للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت .