وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا
قوله :
وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب أي : عاضدوهم وعاونوهم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم
بنو قريظة ، فإنهم عاونوا الأحزاب ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاروا يدا واحدة مع الأحزاب .
والصياصي جمع صيصية : وهي الحصون ، وكل شيء يتحصن به يقال : له صيصية ، ومنه صيصية الديك ، وهي الشوكة التي في رجله ، وصياصي البقر قرونها لأنها تمتنع
[ ص: 1165 ] بها ، ويقال : لشوكة الحائك التي يسوي بها السداة واللحمة صيصية ، ومنه قول
دريد بن الصمة :
فجئت إليه والرماح تنوشه كوقع الصياصي في النسيج الممدد
ومن إطلاقها على الحصون قول الشاعر :
فأصبحت الثيران صرعى وأصبحت نساء تميم يبتدرن الصياصيا
وقذف في قلوبهم الرعب أي : الخوف الشديد حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبي وهي معنى قوله :
فريقا تقتلون وتأسرون فريقا فالفريق الأول هم الرجال ، والفريق الثاني هم النساء والذرية ، وهذه الجملة مبينة ومقررة لقذف الرعب في قلوبهم .
قرأ الجمهور تقتلون بالفوقية على الخطاب ، وكذلك قرءوا تأسرون وقرأ
ابن ذكوان في رواية عنه بالتحتية فيهما ، وقرأ
اليماني بالفوقية في الأول والتحتية في الثاني ، وقرأ
أبو حيوة تأسرون بضم السين .
وقد حكى
الفراء كسر السين وضمها فهما لغتان ، ووجه تقديم مفعول الفعل الأول وتأخير مفعول الفعل الثاني أن الرجال لما كانوا أهل الشوكة ، وكان الوارد عليهم أشد الأمرين وهو القتل ، كان الاهتمام بتقديم ذكرهم أنسب بالمقام .
وقد اختلف في عدد المقتولين والمأسورين ، فقيل : كان المقتولون من ستمائة إلى سبعمائة .
وقيل : ستمائة ، وقيل : سبعمائة ، وقيل : ثمانمائة ، وقيل : تسعمائة ، وكان المأسورون سبعمائة ، وقيل : سبعمائة وخمسين ، وقيل : تسعمائة .
وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم المراد بالأرض العقار والنخيل ، وبالديار المنازل والحصون ، وبالأموال : الحلي ، والأثاث ، والمواشي ، والسلاح ، والدراهم ، والدنانير
وأرضا لم تطئوها أي : وأورثكم أرضا لم تطئوها ، وجملة لم تطئوها صفة ل أرضا .
قرأ الجمهور
لم تطئوها بهمزة مضمومة ثم واو ساكنة ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي " تطوها " بفتح الطاء وواو ساكنة .
واختلف المفسرون في تعيين هذه الأرض المذكورة ، فقال
يزيد بن رومان وابن زيد ومقاتل : إنها
خيبر ولم يكونوا إذ ذاك قد نالوها ، فوعدهم الله بها .
وقال
قتادة : كنا نتحدث أنها
مكة .
وقال
الحسن :
فارس والروم .
وقال
عكرمة : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة
وكان الله على كل شيء قديرا أي : هو - سبحانه - قدير على كل ما أراده من خير وشر ونعمة ونقمة ، وعلى إنجاز ما وعد به من الفتح للمسلمين .
وقد أخرج
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
من صياصيهم قال : حصونهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن
عائشة قالت "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021137خرجت يوم الخندق أقفو للناس ، فإذا أنا nindex.php?page=showalam&ids=307بسعد بن معاذ ورماه رجل من قريش يقال : له ابن الفرقدة بسهم فأصاب أكحله فقطعه ، فدعا الله سعد فقال : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة ، فبعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال ولحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ، ورجع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى المدينة وأمر بقبة من أدم ، فضربت على سعد في المسجد ، قالت : فجاء جبريل ، وإن على ثناياه لوقع الغبار ، فقال : أوقد وضعت السلاح ؟ لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح : اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم ، فلبس رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأمته ، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم ، قيل : لهم انزلوا على حكم رسول الله ، قالوا ننزل على حكم nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ، فنزلوا وبعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ فأتي به على حمار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : احكم فيهم ، قال : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم ، فقال : لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله " .