ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ( 27 )
ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ( 28 )
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ( 29 )
ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ( 30 )
والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ( 31 )
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ( 32 )
جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( 33 )
وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ( 34 )
الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ( 35 )
ثم
ذكر - سبحانه - نوعا من أنواع قدرته الباهرة وخلقا من مخلوقاته البديعة فقال : ألم تر والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو لكل من يصلح له أن الله أنزل من السماء ماء وهذه الرؤية هي القلبية أي : ألم تعلم ، وأن واسمها وخبرها سدت مسد المفعولين فأخرجنا به أي : بالماء ، والنكتة في هذا الالتفات إظهار كمال العناية بالفعل لما فيه من الصنع البديع ، وانتصاب مختلفا ألوانها على الوصف لثمرات ، والمراد بالألوان الأجناس والأصناف أي : بعضها أبيض ، وبعضها أحمر ، وبعضها أصفر ، وبعضها أخضر ، وبعضها أسود ومن الجبال جدد الجدد جمع جدة ، وهي الطريق .
قال
الأخفش : ولو كان جمع جديد لقال جدد بضم الجيم والدال ، نحو سرير وسرر . قال
زهير :
كأنه أسفع الخدين ذو جدد طار ويرتع بعد الصيف أحيانا
وقيل : الجدد القطع ، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته ، حكاه
ابن بحر .
قال
الجوهري : الجدة : الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه ، والجدة الطريقة ، والجمع جدد وجدائد ، ومن ذلك قول
أبي ذؤيب :
جون السراة له جدائد أربع
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : جدد : طرائق وخطوط .
قال
الواحدي : ونحو هذا قال المفسرون في تفسير الجدد .
وقال
الفراء : هي الطرق تكون في الجبال كالعروق بيض وسود وحمر واحدها جدة .
والمعنى : أن الله - سبحانه - أخبر عن جدد الجبال ، وهي طرائقها ، أو الخطوط التي فيها بأن لون بعضها البياض ولون بعضها الحمرة ، وهو معنى قوله : بيض وحمر مختلف ألوانها قرأ الجمهور جدد بضم الجيم وفتح الدال .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بضمهما جمع جديدة وروي عنه أنه قرأ بفتحهما وردها أبو حاتم وصححها غيره وقال : الجدد الطريق الواضح البين وغرابيب سود الغربيب الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب .
قال
الجوهري : تقول هذا أسود غربيب أي : شديد السواد ، وإذا قلت غرابيب سود جعلت السود بدلا من غرابيب .
قال
الفراء : في الكلام تقديم وتأخير تقديره وسود غرابيب ، لأنه يقال : أسود غربيب ، وقل ما يقال : غربيب أسود ، وقوله : مختلف ألوانها صفة ل جدد ، وقوله : وغرابيب معطوف على جدد على معنى : ومن الجبال جدد بيض وحمر ، ومن الجبال
[ ص: 1211 ] غرابيب على لون واحد ، وهو السواد ، أو على حمر على معنى ، ومن الجبال جدد بيض وحمر وسود .
وقيل : معطوف على بيض ، ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل جدد أي : ومن الجبال ذو جدد ، لأن الجدد إنما هي في ألوان بعضها .
ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه قوله مختلف صفة لموصوف محذوف أي : ومنهم صنف ، أو نوع أو بعض مختلف ألوانه بالحمرة والسواد والبياض والخضرة والصفرة .
قال
الفراء أي : خلق
مختلف ألوانه كاختلاف الثمرات والجبال ، وإنما ذكر - سبحانه - اختلاف الألوان في هذه الأشياء ، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله وبديع صنعه ، ومعنى كذلك أي : مختلفا مثل ذلك الاختلاف ، وهو صفة لمصدر محذوف ، والتقدير مختلف ألوانه اختلافا كائنا كذلك أي : كاختلاف الجبال والثمار .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري " والدواب " بتخفيف الباء .
وقرأ
ابن السميفع " ألوانها " .
وقيل : إن قوله كذلك متعلق بما بعده أي : مثل ذلك المطر
والاعتبار في مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله من عباده العلماء ، وهذا اختاره
ابن عطية ، وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها .
والراجح الوجه الأول ، والوقف على كذلك تام .
ثم استؤنف الكلام وأخبر - سبحانه - بقوله :
إنما يخشى الله من عباده العلماء أو هو من تتمة قوله :
إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب [ فاطر : 18 ] على معنى إنما يخشاه - سبحانه - بالغيب العالمون به ، وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة ، وعلى كل تقدير فهو - سبحانه - قد عين في هذه الآية أهل خشيته وهم العلماء به وتعظيم قدرته .
قال
مجاهد : إنما العالم من خشي الله - عز وجل - وقال
مسروق : كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار جهلا ، فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس : من لم يخش الله فليس بعالم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : العالم من خاف الله ، ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز برفع الاسم الشريف ونصب العلماء ، ورويت هذه القراءة عن
أبي حنيفة قال في الكشاف : الخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى : أنه يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس ، وجملة
إن الله عزيز غفور تعليل لوجوب الخشية للدلالة على أنه معاقب على معصيته غافر لمن تاب من عباده .
إن الذين يتلون كتاب الله أي : يستمرون على تلاوته ويداومونها .
والكتاب هو القرآن الكريم ، ولا وجه لما قيل : إن المراد به جنس كتب الله
وأقاموا الصلاة أي : فعلوها في أوقاتها مع كمال أركانها وأذكارها
وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية فيه حث على الإنفاق كيف ما تهيأ ، فإن تهيأ سرا فهو أفضل وإلا فعلانية ، ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء ، ويمكن أن يراد بالسر صدقة النفل ، وبالعلانية صدقة الفرض وجملة
يرجون تجارة لن تبور في محل رفع على خبرية إن كما قال
ثعلب وغيره ، والمراد بالتجارة ثواب الطاعة ومعنى
لن تبور لن تكسد ولن تهلك ، وهي صفة للتجارة ، والإخبار برجائهم لثواب ما عملوا بمنزلة الوعد بحصول مرجوهم .
واللام في ليوفيهم أجورهم متعلق بـ لن تبور ، على معنى : أنها لن تكسد لأجل أن يوفيهم أجور أعمالهم الصالحة ، ومثل هذه الآية قوله - سبحانه - :
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله [ النساء : 173 ] وقيل : إن اللام متعلقة بمحذوف دل عليه السياق أي : فعلوا ذلك ليوفيهم ، ومعنى ويزيدهم من فضله أنه يتفضل عليهم بزيادة على أجورهم التي هي جزاء أعمالهم ، وجملة
إنه غفور شكور تعليل لما ذكر من التوفية والزيادة أي : غفور لذنوبهم شكور لطاعتهم ، وقيل : إن هذه الجملة هي خبر إن ، وتكون جملة يرجون في محل نصب على الحال ، والأول أولى .
والذي أوحينا إليك من الكتاب يعني القرآن ، وقيل : اللوح المحفوظ على أن من تبعيضية أو ابتدائية ، وجملة هو الحق خبر الموصول ومصدقا لما بين يديه منتصب على الحال أي : موافقا لما تقدمه من الكتب
إن الله بعباده لخبير بصير أي : محيط بجميع أمورهم .
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا المفعول الأول ل أورثنا الموصول ، والمفعول الثاني الكتاب ، وإنما قدم المفعول الثاني لقصد التشريف والتعظيم للكتاب ، والمعنى : ثم أورثنا الذين اصطفيناهم من عبادنا الكتاب ، وهو القرآن أي : قضينا وقدرنا بأن نورث العلماء من أمتك يا
محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك ، ومعنى اصطفائهم اختيارهم واستخلاصهم ، ولا شك أن علماء هذه الأمة من الصحابة فمن بعدهم قد شرفهم الله على سائر العباد وجعلهم أمة وسطا ; ليكونوا شهداء على الناس ، وأكرمهم بكونهم
أمة خير الأنبياء وسيد ولد آدم .
قال
مقاتل : يعني قرآن
محمد جعلناه ينتهي إلى الذي اصطفينا من عبادنا .
وقيل : إن المعنى : أورثناه من الأمم السالفة أي : أخرناه عنهم وأعطيناه الذين اصطفينا ، والأول أولى .
ثم قسم - سبحانه - هؤلاء الذي أورثهم كتابه واصطفاهم من عباده إلى ثلاثة أقسام فقال : فمنهم ظالم لنفسه قد استشكل كثير من أهل العلم معنى هذه الآية ، لأنه - سبحانه - جعل هذا القسم الظالم لنفسه من ذلك المقسم ، وهو من اصطفاهم من العباد ، فكيف يكون من اصطفاه الله ظالما لنفسه ؟ فقيل : إن التقسيم هو راجع إلى العباد أي : فمن عبادنا ظالم لنفسه ، وهو الكافر ، ويكون ضمير يدخلونها عائدا إلى المقتصد والسابق .
وقيل : المراد بالظالم لنفسه هو المقصر في العمل به ، وهو المرجأ لأمر الله ، وليس من ضرورة ورثة الكتاب مراعاته حق رعايته ، لقوله :
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب [ الأعراف : 169 ] وهذا فيه نظر ، لأن ظلم النفس لا يناسب الاصطفاء .
وقيل : الظالم لنفسه : هو الذي عمل الصغائر ، وقد روي هذا القول عن
عمر ،
وعثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء ،
وعائشة ، وهذا هو الراجح ، لأن عمل الصغائر لا ينافي الاصطفاء ولا يمنع
[ ص: 1212 ] من دخول صاحبه مع الذين يدخلون الجنة
يحلون فيها من أساور من ذهب إلى آخر ما سيأتي .
ووجه كونه ظالما لنفسه أنه نقصها من الثواب بما فعل من الصغائر المغفورة له ، فإنه لو عمل مكان تلك الصغائر طاعات لكان لنفسه فيها من الثواب حظا عظيما ، وقيل : الظالم لنفسه هو صاحب الكبائر .
وقد اختلف السلف في تفسير السابق والمقتصد ، فقال
عكرمة ،
وقتادة ،
والضحاك : إن المقتصد المؤمن العاصي ، والسابق التقي على الإطلاق ، وبه قال
الفراء ، وقال
مجاهد في تفسير الآية : فمنهم ظالم لنفسه أصحاب المشأمة ومنهم مقتصد أصحاب الميمنة ومنهم سابق بالخيرات السابقون من الناس كلهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : إن المقتصد هو الذي يعطي الدنيا حقها والآخرة حقها .
وقال
الحسن : الظالم الذي ترجح سيئاته على حسناته ، والمقتصد الذي استوت حسناته وسيئاته ، والسابق من رجحت حسناته على سيئاته .
وقال
مقاتل : الظالم لنفسه أصحاب الكبائر من أهل التوحيد ، والمقتصد الذي لم يصب كبيرة ، والسابق الذي سبق إلى الأعمال الصالحة .
وحكى
النحاس أن الظالم صاحب الكبائر ، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته ، فتكون جنات عدن يدخلونها للذين سبقوا بالخيرات لا غير ، قال : وهذا قول جماعة من أهل النظر ، لأن الضمير في حقيقة النظر لما يليه أولى .
وقال
الضحاك : فيهم ظالم لنفسه أي : من ذريتهم ظالم لنفسه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله : السابق العالم ، والمقتصد المتعلم والظالم لنفسه الجاهل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون المصري : الظالم لنفسه الذاكر لله بلسانه فقط ، والمقتصد الذاكر بقلبه ، والسابق الذي لا ينساه .
وقال
الأنطاكي : الظالم صاحب الأقوال ، والمقتصد صاحب الأفعال ، والسابق صاحب الأحوال .
وقال
ابن عطاء : الظالم الذي يحب الله من أجل الدنيا ، والمقتصد الذي يحب الله من أجل العقبى ، والسابق الذي أسقط مراده بمراد الحق .
وقيل : الظالم الذي يعبد الله خوفا من النار ، والمقتصد الذي يعبده طمعا في الجنة ، والسابق الذي يعبده لا لسبب .
وقيل : الظالم الذي يحب نفسه ، والمقتصد الذي يحب دينه ، والسابق الذي يحب ربه .
وقيل : الظالم الذي ينتصف ولا ينصف ، والمقتصد الذي ينتصف وينصف ، والسابق الذي ينصف ولا ينتصف .
وقد ذكر
الثعلبي وغيره أقوالا كثيرة ، ولا شك أن المعاني اللغوية للظالم والمقتصد والسابق معروفة ، وهو يصدق على الظلم للنفس بمجرد إحرامها للحظ وتفويت ما هو خير لها ، فتارك الاستكثار من الطاعات قد ظلم نفسه باعتبار ما فوتها من الثواب ، وإن كان قائما بما أوجب الله عليه تاركا لما نهاه الله عنه ، فهو من هذه الحيثية ممن اصطفاه الله ومن أهل الجنة فلا إشكال في الآية ، ومن هذا قول
آدم ربنا ظلمنا أنفسنا [ الأعراف : 23 ] وقول
يونس إني كنت من الظالمين [ الأنبياء : 87 ] ومعنى المقتصد هو من يتوسط في أمر الدين ولا يميل إلى جانب الإفراط ولا إلى جانب التفريط وهذا من أهل الجنة ، وأما السابق فهو الذي سبق غيره في أمور الدين ، وهو خير الثلاثة .
وقد استشكل تقديم الظالم على المقتصد وتقديمهما على السابق مع كون المقتصد أفضل من الظالم لنفسه والسابق أفضل منهما ، فقيل : إن التقديم لا يقتضي التشريف كما في قوله :
لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة [ الحشر : 20 ] ونحوها من الآيات القرآنية التي فيها تقديم أهل الشر على أهل الخير وتقديم المفضولين على الفاضلين .
وقيل : وجه التقديم هنا أن المقتصدين بالنسبة إلى أهل المعاصي قليل والسابقين بالنسبة إلى الفريقين أقل قليل ، فقدم الأكثر على الأقل ، والأول أولى ، فإن الكثرة بمجردها لا تقتضي تقديم الذكر ، وقد قيل في وجه التقديم غير ما ذكرنا مما لا حاجة إلى التطويل به ، والإشارة بقوله : ذلك إلى توريث الكتاب والاصطفاء ، وقيل : إلى السبق بالخيرات ، والأول أولى ، وهو مبتدأ وخبره هو الفضل الكبير أي : الفضل الذي لا يقادر قدره .
وارتفاع جنات عدن على أنها مبتدأ وما بعدها خبرها ، أو على البدل من الفضل لأنه لما كان هو السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب ، وعلى هذا فتكون جملة يدخلونها مستأنفة وقد قدمنا أن الضمير في يدخلونها يعود إلى الأصناف الثلاثة ، فلا وجه لقصره على الصنف الأخير ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بن حبيش ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي " جنة " بالإفراد ، وقرأ
الجحدري " جنات " بالنصب على الاشتغال ، وجوز
أبو البقاء أن تكون جنات خبرا ثانيا لاسم الإشارة ، وقرأ
أبو عمرو " يدخلونها " على البناء للمفعول ، وقوله : يحلون خبر ثان ل جنات عدن ، أو حال مقدرة ، وهو من حليت المرأة فهي : حال ، وفيه إشارة إلى سرعة الدخول ، فإن في تحليتهم خارج الجنة تأخيرا للدخول ، فلما قال يحلون فيها أشار أن دخولهم على وجه السرعة من أساور من ذهب من الأولى تبعيضية ، والثانية بيانية أي : يحلون بعض أساور كائنة من ذهب ، والأساور جمع أسورة جمع سوار ، وانتصاب لؤلؤا بالعطف على محل من أساور وقرئ بالجر عطفا على ذهب ولباسهم فيها حرير قد تقدم تفسير الآية مستوفى في سورة الحج .
وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن قرأ الجمهور الحزن بفتحتين . وقرأ
جناح بن حبيش بضم الحاء وسكون الزاي .
والمعنى : أنهم يقولون هذه المقالة إذا دخلوا الجنة . قال
قتادة : حزن الموت . وقال
عكرمة : حزن السيئات والذنوب وخوف رد الطاعات . وقال
القاسم : حزن زوال النعم وخوف العاقبة . وقيل : حزن أهوال يوم القيامة . وقال
الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : هم الخبز في الدنيا ، وقيل : هم المعيشة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد .
وهذا أرجح الأقوال ، فإن الدنيا وإن بلغ نعيمها أي مبلغ لا تخلو من شوائب ونوائب تكثر لأجلها الأحزان ، وخصوصا أهل الإيمان ، فإنهم لا يزالون وجلين من
[ ص: 1213 ] عذاب الله خائفين من عقابه ، مضطربي القلوب في كل حين ، هل تقبل أعمالهم أو ترد ؟ حذرين من عاقبة السوء وخاتمة الشر ، ثم لا تزال همومهم وأحزانهم حتى يدخلوا الجنة .
وأما أهل العصيان : فهم وإن نفس عن خناقهم قليلا في حياة الدنيا التي هي دار الغرور ، وتناسوا دار القرار يوما من دهرهم فلا بد أن يشتد وجلهم وتعظم مصيبتهم ، وتغلي مراجل أحزانهم إذا شارفوا الموت وقربوا من منازل الآخرة ، ثم إذا قبضت أرواحهم ولاح لهم ما يسوؤهم من جزاء أعمالهم ازدادوا غما وحزنا ، فإن تفضل الله عليهم بالمغفرة وأدخلهم الجنة فقد أذهب عنهم أحزانهم وأزال غمومهم وهمومهم
إن ربنا لغفور شكور أي : غفور لمن عصاه . شكور لمن أطاعه .
الذي أحلنا دار المقامة من فضله أي : دار الإقامة التي يقام فيها أبدا ولا ينتقل عنها تفضلا منه ورحمة لا يمسنا فيها نصب أي : لا يصيبنا في الجنة عناء ولا تعب ولا مشقة ولا يمسنا فيها لغوب وهو الإعياء من التعب ، والكلال من النصب .
وقد أخرج
ابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ثمرات مختلفا ألوانها قال : الأبيض والأحمر والأسود ، وفي قوله :
ومن الجبال جدد قال : طرائق بيض يعني الألوان .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عنه قال : الغربيب الأسود الشديد السواد .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
أبي مالك في قوله :
ومن الجبال جدد قال : طرائق تكون في الجبل بيض وحمر فتلك الجدد
وغرابيب سود قال : جبال سود ومن الناس والدواب والأنعام قال : كذلك اختلاف الناس والدواب والأنعام كاختلاف الجبال ، ثم قال :
إنما يخشى الله من عباده العلماء قال : فصل لما قبلها .
وأخرج
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
إنما يخشى الله من عباده العلماء قال : العلماء بالله الذين يخافونه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : ليس العلم من كثرة الحديث ، ولكن العلم من الخشية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
وأحمد في الزهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عنه قال : كفى بخشية الله علما ، وكفى باغترار بالله جهلا .
وأخرج
أحمد في الزهد عنه أيضا قال : ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
حذيفة قال : بحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله .
وأخرج
عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا قال : هم أمة
محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ورثهم الله كل كتاب أنزل ، فظالمهم مغفور له ، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا ، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14724الطيالسي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021221قال في هذه الآية ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات قال : هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة ، وكلهم يدخلون الجنة وفي إسناده رجلان مجهولان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده ، قال : حدثنا
شعبة عن
الوليد بن العيزار ، أنه سمع رجلا من
ثقيف يحدث عن رجل من
كنانة عن
أبي سعيد .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
والحاكم ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021222قال الله ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله فأما الذين سبقوا فأولئك الذي يدخلون الجنة بغير حساب ، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا ، وأما الذين ظلموا أنفسهم ، فأولئك يحبسون في طول المحشر ، ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته ، فهم الذين يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور إلى آخر الآية .
قال
البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا . اهـ ، وفي إسناد
أحمد محمد بن إسحاق ، وفي إسناد
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم رجل مجهول ، لأنه رواه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن رجل عن
أبي ثابت عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش قال : ذكر
أبو ثابت .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021223أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة ، وثلث يمحصون ويكشفون ثم تأتي الملائكة فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلا الله وحده ، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب ، وهي التي قال الله : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [ العنكبوت : 13 ] وتصديقها في التي ذكر في الملائكة .
قال الله - تعالى - :
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فجعلهم ثلاثة أفواج .
فمنهم ظالم لنفسه ، فهذا الذي يكشف ويمحص ،
ومنهم مقتصد ، وهو الذي يحاسب حسابا يسيرا ،
ومنهم سابق بالخيرات ، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بإذن الله يدخلونها جميعا .
قال
ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدا اهـ .
وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ويجب المصير إليها ، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر ، ويؤيدها ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد :
فمنهم ظالم لنفسه الآية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021224كلهم من هذه الأمة ، وكلهم في الجنة وما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14724الطيالسي ،
وعبد بن [ ص: 1214 ] حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الأوسط ،
والحاكم ،
وابن مردويه عن
عقبة بن صهبان قال : قلت
لعائشة أرأيت قول الله
ثم أورثنا الكتاب الآية ، قالت : أما السابق ، فمن مضى في حياة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فشهد له بالجنة ، وأما المقتصد فمن تبع آثارهم ، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم ، وأما الظالم لنفسه ، فمثلي ومثلك ومن اتبعنا ، وكل في الجنة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلا أنهم لا يشركون ، فيقول الرب : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي ، ثم قرأ
ثم أورثنا الكتاب الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
وابن المنذر ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية
ثم أورثنا الكتاب قال : ألا إن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له .
وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعا .
وأخرجه
ابن النجار من حديث
أنس مرفوعا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله ، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة
محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية ، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا ، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا ، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب في قوله :
فمنهم ظالم لنفسه الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعا الجنة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن مردويه عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021225قرأ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الآية ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا قال : كلهم ناج وهي هذه الأمة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة . والسابقون : صنفان ناجيان ، وصنف هالك .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والبيهقي عنه في قوله :
فمنهم ظالم لنفسه قال : هو الكافر ، والمقتصد أصحاب اليمين .
وهذا المروي عنه - رضي الله عنه - لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني ، ولا يوافق ما قدمنا من الروايات عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن جماعة من الصحابة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر عن
عبد الله بن الحارث أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس سأل
كعبا عن هذه الآية ، فقال نجوا كلهم ، ثم قال : تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم ، وقد قدمنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين ، فتعارضت الأقوال عنه .
وأخرج
الترمذي والحاكم وصححه ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021226تلا قول الله : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا فقال : إن عليهم التيجان ، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وقالوا الحمد لله الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله ويجتهدون له في العبادة سرا وعلانية ، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم ، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت ، فعندها قالوا
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور غفر لنا العظيم ، وشكر لنا القليل من أعمالنا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار .