ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ( 75 )
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ( 76 )
وجعلنا ذريته هم الباقين ( 77 )
وتركنا عليه في الآخرين ( 78 )
سلام على نوح في العالمين ( 79 )
إنا كذلك نجزي المحسنين ( 80 )
إنه من عبادنا المؤمنين ( 81 )
ثم أغرقنا الآخرين ( 82 )
وإن من شيعته لإبراهيم ( 83 )
إذ جاء ربه بقلب سليم ( 84 )
إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ( 85 )
أئفكا آلهة دون الله تريدون ( 86 )
فما ظنكم برب العالمين ( 87 )
فنظر نظرة في النجوم ( 88 )
فقال إني سقيم ( 89 )
فتولوا عنه مدبرين ( 90 )
فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ( 91 )
ما لكم لا تنطقون ( 92 )
فراغ عليهم ضربا باليمين ( 93 )
فأقبلوا إليه يزفون ( 94 )
قال أتعبدون ما تنحتون ( 95 )
والله خلقكم وما تعملون ( 96 )
قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ( 97 )
فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ( 98 )
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ( 99 )
رب هب لي من الصالحين ( 100 )
فبشرناه بغلام حليم ( 101 )
فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( 102 )
فلما أسلما وتله للجبين ( 103 )
وناديناه أن ياإبراهيم ( 104 )
قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ( 105 )
إن هذا لهو البلاء المبين ( 106 )
وفديناه بذبح عظيم ( 107 )
وتركنا عليه في الآخرين ( 108 )
سلام على إبراهيم ( 109 )
كذلك نجزي المحسنين ( 110 )
إنه من عبادنا المؤمنين ( 111 )
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( 112 )
وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ( 113 )
لما ذكر - سبحانه - أنه أرسل في الأمم الماضية منذرين ذكر تفصيل بعض ما أجمله فقال :
ولقد نادانا نوح واللام هي الموطئة للقسم ، وكذا اللام في قوله :
فلنعم المجيبون أي : نحن ، والمراد أن
نوحا دعا ربه على قومه لما عصوه ، فأجاب الله دعاءه وأهلك قومه بالطوفان .
فالنداء هنا هو نداء الدعاء لله والاستغاثة به ، كقوله :
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [ نوح : 26 ] وقوله :
أني مغلوب فانتصر [ القمر : 10 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أي : فلنعم المجيبون له كنا .
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم المراد بأهله أهل دينه ، وهم من آمن معه وكانوا ثمانين ، والكرب العظيم هو الغرق ، وقيل : تكذيب قومه له وما يصدر منهم إليه من أنواع الأذايا .
وجعلنا ذريته هم الباقين وحدهم دون غيرهم كما يشعر به ضمير الفصل ، وذلك لأن الله أهلك الكفرة بدعائه ولم يبق منهم باقية ، ومن كان معه في السفينة من المؤمنين ماتوا كما قيل ولم يبق إلا أولاده .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : كان ولد
نوح ثلاثة
والناس كلهم من ولد نوح ،
فسام أبو العرب
وفارس والروم واليهود والنصارى .
وحام أبو
السودان من المشرق إلى المغرب :
السند ،
والهند ،
والنوب ،
والزنج ،
والحبشة ،
والقبط ،
والبربر وغيرهم .
ويافث أبو الصقالب والترك والخزر ويأجوج ومأجوج وغيرهم .
وقيل : إنه كان لمن مع
نوح ذرية كما يدل عليه قوله
ذرية من حملنا مع نوح [ الإسراء : 3 ] وقوله
قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم [ هود : 48 ] فيكون على هذا معنى
وجعلنا ذريته هم الباقين وذريته وذرية من معه دون ذرية من كفر ، فإن الله أغرقهم فلم يبق لهم ذرية .
وتركنا عليه في الآخرين يعني في الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة من الأمم .
والمتروك هذا هو قوله :
سلام على نوح أي : تركنا هذا الكلام بعينه وارتفاعه على الحكاية ، والسلام هو الثناء
الحسن أي : يثنون عليه ثناء حسنا ويدعون له ويترحمون عليه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة ، وذلك الذكر هو قوله :
سلام على نوح .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : في ارتفاع ( سلام ) وجهان : أحدهما وتركنا عليه في الآخرين يقال : سلام على
نوح . والوجه الثاني أن يكون المعنى : وأبقينا عليه ، وتم الكلام ، ثم ابتدأ فقال : سلام على
نوح أي : وسلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد أي : تركنا عليه هذه الكلمة باقية : يعني يسلمون عليه تسليما ويدعون له ، وهو من الكلام المحكي كقوله :
سورة أنزلناها [ النور : 1 ] وقيل : إنه ضمن تركنا معنى قلنا .
قال الكوفيون : جملة ( سلام على
نوح في العالمين ) في محل نصب مفعول " تركنا " ، لأنه
[ ص: 1244 ] ضمن معنى قلنا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود " سلاما " منصوب بـ " تركنا " أي : تركنا عليه ثناء حسنا ، وقيل : المراد بالآخرين أمة
محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، و " في العالمين " متعلق بما تعلق به الجار والمجرور الواقع خبرا ، وهو على
نوح أي : سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على
نوح في العالمين من الملائكة والجن والإنس ، وهذا يدل على عدم اختصاص ذلك بأمة
محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قيل .
إنا كذلك نجزي المحسنين هذه الجملة تعليل لما قبلها من التكرمة
لنوح بإجابة دعائه وبقاء الثناء من الله عليه وبقاء ذريته أي : إنا كذلك نجزي من كان محسنا في أقواله وأفعاله راسخا في الإحسان معروفا به ، والكاف في كذلك نعت مصدر محذوف أي : جزاء كذلك الجزاء .
إنه من عبادنا المؤمنين هذا بيان لكونه من المحسنين وتعليل له بأنه كان عبدا مؤمنا مخلصا لله .
ثم أغرقنا الآخرين أي : الكفرة الذين لم يؤمنوا بالله ولا صدقوا
نوحا .
ثم ذكر - سبحانه -
قصة إبراهيم وبين أنه ممن شايع
نوحا فقال :
وإن من شيعته لإبراهيم أي : من أهل دينه وممن شايعه ووافقه على الدعاء إلى الله ، وإلى توحيده ، والإيمان به . قال
مجاهد : أي : على منهاجه وسنته . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : الشيعة الأعوان وهو مأخوذ من الشياع ، وهو الحطب الصغار الذي يوقد مع الكبار حتى يستوقد ، وقال
الفراء : المعنى وإن من شيعة
محمد لإبراهيم ، فالهاء في شيعته على هذا
لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وكذا قال
الكلبي . ولا يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق .
والظرف في قوله :
إذ جاء ربه بقلب سليم منصوب بفعل محذوف أي : اذكر ، وقيل : بما في الشيعة من معنى المتابعة .
قال
أبو حيان : لا يجوز ; لأن فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي ، وهو
إبراهيم ، والأولى أن يقال : إن لام الابتداء تمنع ما بعدها من العمل فيما قبلها ، والقلب السليم المخلص من الشرك والشك .
وقيل : هو الناصح لله في خلقه ، وقيل : الذي يعلم أن الله حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن الله يبعث من في القبور .
ومعنى مجيئه إلى ربه يحتمل وجهين : أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته . الثاني عند إلقائه في النار .
وقوله :
إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون بدل من الجملة الأولى ، أو ظرف ل " سليم " ، أو ظرف ل " جاء " ، والمعنى : وقت قال لأبيه آزر وقومه من الكفار : أي شيء تعبدون .
أئفكا آلهة دون الله تريدون انتصاب " إفكا " على أنه مفعول لأجله ، وانتصاب ( آلهة ) على أنه مفعول ( تريدون ) ، والتقدير أتريدون آلهة من دون الله للإفك ، و " دون " ظرف ل " تريدون " ، وتقديم هذه المعمولات للفعل عليه للاهتمام .
وقيل : انتصاب " إفكا " على أنه مفعول به ل ( تريدون ) ، و ( آلهة ) بدل منه ، جعلها نفس الإفك مبالغة ، وهذا أولى من الوجه الأول .
وقيل : انتصابه على الحال من فاعل ( تريدون ) أي : أتريدون آلهة آفكين أو ذوي إفك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : الإفك أسوأ الكذب ، وهو الذي لا يثبت ويضطرب ومنه ائتفكت بهم الأرض .
فما ظنكم برب العالمين أي : ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره وما ترونه يصنع بكم ؟ وهو تحذير مثل قوله
ما غرك بربك الكريم [ الانفطار : 6 ] وقيل : المعنى : أي شيء توهمتموه بالله حتى أشركتم به غيره .
فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم قال
الواحدي : قال المفسرون : كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم بذلك لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم لتلزمهم الحجة في أنها غير معبودة ، وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه ، وأراد أن يتخلف عنهم فاعتل بالسقم : وذلك أنهم كلفوه أن يخرج معهم إلى عيدهم فنظر إلى النجوم يريهم أنه مستدل بهم على حاله ، فلما نظر إليها قال : إني سقيم أي : سأسقم .
وقال
الحسن : إنهم لما كلفوه أن يخرج معهم تفكر فيما يعمل ، فالمعنى على هذا أنه نظر فيما نجم له من الرأي أي : فيما طلع له منه ، فعلم أن كل شيء يسقم .
فقال إني سقيم قال
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد : يقال للرجل إذا فكر في الشيء يدبره : نظر في النجوم وقيل : كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تعتاده فيها الحمى .
وقال
الضحاك : معنى إني سقيم : سأسقم سقم الموت ، لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب ثم يموت ، وهذا تورية وتعريض كما قال للملك لما سأله عن سارة هي أختي : يعني أخوة الدين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : أشار لهم إلى مرض يسقم ويعدي وهو الطاعون وكانوا يهربون من ذلك .
ولهذا قال :
فتولوا عنه مدبرين أي : تركوه وذهبوا مخافة العدوى .
فراغ إلى آلهتهم يقال : راغ يروغ روغا وروغانا : إذا مال ، ومنه طريق رائغ ، أي : مائل .
ومنه قول الشاعر :
فيريك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ذهب إليهم ، وقال
أبو مالك : جاء إليهم ، وقال
الكلبي : أقبل عليهم ، والمعنى متقارب
فقال ألا تأكلون أي : فقال
إبراهيم للأصنام التي راغ إليها استهزاء وسخرية : ألا تأكلون من الطعام الذي كانوا يصنعونه لها ، وخاطبها كما يخاطب من يعقل ، لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة .
وكذا قوله :
ما لكم لا تنطقون فإنه خاطبهم خطاب من يعقل ، والاستفهام للتهكم بهم لأنه قد علم أنها جمادات لا تنطق .
قيل : إنهم تركوا عند أصنامهم طعامهم للتبرك بها وليأكلوه إذا رجعوا من عيدهم .
وقيل : تركوه للسدنة ، وقيل : إن
إبراهيم هو الذي قرب إليهم الطعام مستهزئا بها .
فراغ عليهم ضربا باليمين أي : فمال عليهم يضربهم ضربا باليمين فانتصابه على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف ، أو هو مصدر ل : راغ ، لأنه بمعنى ضرب .
قال
الواحدي : قال المفسرون : يعني بيده اليمنى يضربهم بها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : بالقوة والقدرة لأن اليمين أقوى اليدين . قال
الفراء وثعلب : ضربا بالقوة ، واليمين القوة .
وقال
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس : المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال :
وتالله لأكيدن أصنامكم [ الأنبياء : 57 ] وقيل : المراد باليمين هنا العدل كما في قوله :
ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين [ الحاقة : 44 ، 45 ] أي : بالعدل ، واليمين كناية عن
[ ص: 1245 ] العدل كما أن الشمال كناية عن الجور ، وأول هذه الأقوال أولاها .
فأقبلوا إليه يزفون أي : أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون لما علموا بما صنعه بها ، و ( يزفون ) في محل نصب على الحال من فاعل أقبلوا .
قرأ الجمهور يزفون بفتح الياء من زف الظليم يزف إذا عدا بسرعة ، وقرأ
حمزة بضم الياء من أزف يزف أي : دخل في الزفيف ، أو يحملون غيرهم على الزفيف .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : أزففت الإبل أي : حملتها على أن تزف ، وقيل : هما لغتان ، يقال : زف القوم وأزفوا ، وزفت العروس وأزففتها ، حكي ذلك عن
الخليل .
قال
النحاس : زعم
أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة : يعني يزفون بضم الياء ، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم
الفراء ، وشبهها بقولهم أطردت الرحل أي : صيرته إلى ذلك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : الزفيف الإسراع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : الزفيف أول عدو النعام . وقال
قتادة والسدي : ومعنى ( يزفون ) يمشون . وقال
الضحاك : يسعون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17317يحيى بن سلام : يرعدون غضبا . وقال
مجاهد : يختالون أي : يمشون مشي الخيلاء ، وقيل : يتسللون تسللا بين المشي والعدو ، والأولى تفسير ( يزفون ) بـ : يسرعون ، وقرئ " يزفون " على البناء للمفعول ، وقرئ " يزفون " ك : يرمون .
وحكى
الثعلبي عن
الحسن ومجاهد ،
وابن السميفع أنهم قرءوا " يرفون " بالراء المهملة ، وهي ركض بين المشي والعدو .
قال أتعبدون ما تنحتون لما أنكروا على
إبراهيم ما فعله بالأصنام ، ذكر لهم الدليل الدال على فساد عبادتها فقال مبكتا لهم ومنكرا عليهم
أتعبدون ما تنحتون أي : أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها ، والنحت النجر والبري ، نحته ينحته بالكسر نحتا أي : براه ، والنحاتة البراية .
وجملة
والله خلقكم وما تعملون في محل نصب على الحال من فاعل " تعبدون " ، و " ما " في
وما تعملون موصولة أي : وخلق الذي تصنعونه على العموم ويدخل فيها الأصنام التي ينحتونها دخولا أوليا ، ويكون معنى العمل هنا التصوير والنحت ونحوهما ، ويجوز أن تكون مصدرية أي : خلقكم وخلق عملكم ، ويجوز أن تكون استفهامية ، ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقريع أي : وأي شيء تعملون ، ويجوز أن تكون نافية ، أي : إن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئا ، وقد طول صاحب الكشاف الكلام في رد قول من قال إنها مصدرية ، ولكن بما لا طائل تحته ، وجعلها موصولة أولى بالمقام وأوفق بسياق الكلام .
قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم مستأنفة جواب سؤال مقدر كالجملة التي قبلها ، قالوا هذه المقالة لما عجزوا عن جواب ما أورده عليهم من الحجة الواضحة ، فتشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له حائطا من حجارة ويملئوه حطبا ويضرموه ، ثم يلقوه فيه ، والجحيم النار الشديدة الاتقاد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وكل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم ، واللام في ( الجحيم ) عوض عن المضاف إليه أي : في جحيم ذلك البنيان .
ثم لما ألقوه فيها نجاه الله منها وجعلها عليه : بردا وسلاما ، وهو معنى قوله :
فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين الكيد : المكر والحيلة أي : احتالوا لإهلاكه فجعلناهم الأسفلين المقهورين المغلوبين ، لأنها قامت له بذلك عليهم الحجة التي لا يقدرون على دفعها ولا يمكنهم جحدها ، فإن النار الشديدة الاتقاد العظيمة الاضطرام المتراكمة الجمار إذا صارت بعد إلقائه عليها بردا وسلاما ، ولم تؤثر فيه أقل تأثير كان ذلك من الحجة بمكان يفهمه كل من له عقل ، وصار المنكر له سافلا ساقط الحجة ظاهر التعصب واضح التعسف وسبحان من يجعل المحن لمن يدعو إلى دينه منحا ، ويسوق إليهم الخير بما هو من صور الضير .
ولما انقضت هذه الوقعة وأسفر الصبح لذي عينين ، وظهرت حجة الله
لإبراهيم ، وقامت براهين نبوته ، وسطعت أنوار معجزته .
وقال إني ذاهب إلى ربي أي : مهاجر من بلد قومي الذين فعلوا ما فعلوا تعصبا للأصنام وكفرا بالله وتكذيبا لرسله إلى حيث أمرني بالمهاجرة إليه .
أو إلى حيث أتمكن من عبادته
سيهدين أي : سيهديني إلى المكان الذي أمرني بالذهاب إليه ، أو إلى مقصدي .
وقيل : إن الله - سبحانه - أمره بالمسير إلى
الشام ، وقد سبق بيان هذا في سورة الكهف مستوفى .
قال
مقاتل : فلما قدم
الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال :
رب هب لي من الصالحين أي : ولدا صالحا من الصالحين يعينني على طاعتك ويؤنسني في الغربة هكذا قال المفسرون ، وعللوا ذلك بأن الهبة قد غلب معناها في الولد ، فتحمل عند الإطلاق عليه ، وإذا وردت مقيدة حملت على ما قيدت به كما في قوله :
ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا [ مريم : 53 ] .
وعلى فرض أنها لم تغلب في طلب الولد .
فقوله :
فبشرناه بغلام حليم يدل على أنه ما أراد بقوله :
رب هب لي من الصالحين إلا الولد ، ومعنى " حليم " : أن يكون حليما عند كبره ، فكأنه بشر ببقاء ذلك الغلام حتى يكبر ويصير حليما ، لأن الصغير لا يوصف بالحلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر ، وأنه يبقى حتى ينتهي في السن ويوصف بالحلم .
فلما بلغ معه السعي في الكلام حذف كما تشعر به هذه الفاء الفصيحة والتقدير : فوهبنا له الغلام فنشأ حتى صار إلى السن التي يسعى فيها مع أبيه في أمور دنياه .
قال
مجاهد :
فلما بلغ معه السعي أي : شب وأدرك سعيه سعي
إبراهيم . وقال
مقاتل : لما مشى معه . قال
الفراء كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة . وقال
الحسن : هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة .
وقال
ابن زيد : هو السعي في العبادة ، وقيل : هو الاحتلام
قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك قال
إبراهيم لابنه لما بلغ معه ذلك المبلغ : إني رأيت في المنام هذه الرؤيا .
قال
مقاتل : رأى
إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات . قال
قتادة : رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه . وقد اختلف أهل العلم في الذبيح ؟ هل هو
إسحاق أو
إسماعيل . قال
القرطبي : فقال أكثرهم : الذبيح
إسحاق وممن قال بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب وابن عبد الله ، وهو
[ ص: 1246 ] الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، ورواه أيضا عن
جابر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب ، قال : فهؤلاء سبعة من الصحابة .
قال : ومن التابعين وغيرهم
علقمة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار ،
وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن أبي بزة وعطاء ومقاتل وعبد الرحمن بن سابط nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري والسدي nindex.php?page=showalam&ids=16401وعبد الله بن أبي الهذيل nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس كلهم قالوا الذبيح
إسحاق ، وعليه أهل الكتابين
اليهود والنصارى ، واختاره غير واحد ، منهم
النحاس nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير الطبري وغيرهما .
قال : وقال آخرون : هو
إسماعيل ، وممن قال بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11871وأبو الطفيل عامر بن واثلة ، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أيضا ، ومن التابعين
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وعلقمة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا
nindex.php?page=showalam&ids=13721أصمعي أين عزب عنك عقلك ، ومتى كان
إسحاق بمكة ؟ وإنما كان
إسماعيل بمكة .
قال
ابن كثير في تفسيره : وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو
إسحاق ، وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى يقال : عن بعض الصحابة وليس في ذلك كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أخبار أهل الكتاب ، وأخذ مسلما من غير حجة ، وكتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه
إسماعيل ، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم ، وذكر أنه الذبيح ، وقال بعد ذلك
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين اهـ .
واحتج القائلون بأنه
إسحاق بأن الله - عز وجل - قد أخبرهم عن
إبراهيم حين فارق قومه ، فهاجر إلى
الشام مع امرأته
سارة وابن أخيه
لوط فقال :
إني ذاهب إلى ربي سيهدين أنه دعا فقال :
رب هب لي من الصالحين فقال - تعالى -
فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب [ مريم : 49 ] ولأن الله قال :
وفديناه بذبح عظيم فذكر أنه في الغلام الحليم الذي بشر به
إبراهيم ، وإنما بشر
بإسحاق ، لأنه قال :
وبشرناه بإسحاق وقال هنا
بغلام حليم وذلك قبل أن يعرف هاجر ، وقبل أن يصير له
إسماعيل ، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا
إسحاق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج الله أعلم أيهما الذبيح . اهـ ، وما استدل به الفريقان يمكن الجواب عنه والمناقشة له .
ومن جملة ما احتج به من قال إنه
إسماعيل بأن الله وصفه بالصبر دون
إسحاق كما في قوله :
وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين [ الأنبياء : 85 ] وهو صبره على الذبح ، ووصفه بصدق الوعد في قوله :
إنه كان صادق الوعد [ مريم : 54 ] لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح ، فوفى به ، ولأن الله - سبحانه - قال :
وبشرناه بإسحاق نبيا فكيف يأمره بذبحه ، وقد وعده أن يكون نبيا ، وأيضا فإن الله قال :
فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [ هود : 71 ] فكيف يؤمر بذبح
إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب ، وأيضا ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في
الكعبة ، فدل على أن الذبيح
إسماعيل ، ولو كان
إسحاق لكان الذبح واقعا
ببيت المقدس وكل هذا أيضا يحتمل المناقشة
فانظر ماذا ترى قرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " تري " بضم الفوقية وكسر الراء ، والمفعولان محذوفان أي : انظر ماذا تريني إياه من صبرك واحتمالك .
وقرأ الباقون من السبعة بفتح التاء والراء من الرأي ، وهو مضارع رأيت ، وقرأ
الضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ، " ترى " بضم التاء وفتح الراء مبنيا للمفعول أي : ماذا يخيل إليك ويسنح لخاطرك .
قال
الفراء في بيان معنى القراءة الأولى : انظر ماذا ترى من صبرك وجزعك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : لم يقل هذا أحد غيره ، وإنما قال العلماء ماذا تشير أي : ما تريك نفسك من الرأي ، وقال
أبو عبيد : إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة وكذا قال
أبو حاتم ، وغلطهما
النحاس وقال : هذا يكون من رؤية العين وغيرها ، ومعنى القراءة الثانية ظاهر واضح ، وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله ، وإلا فرؤيا الأنبياء وحي ، وامتثالها لازم لهم متحتم عليهم
قال ياأبت افعل ما تؤمر أي : ما تؤمر به مما أوحي إليك من ذبحي ، و " ما " موصولة ، وقيل : مصدرية على معنى افعل أمرك ، والمصدر مضاف إلى المفعول ، وتسمية المأمور به أمرا ، والأول أولى
ستجدني إن شاء الله من الصابرين على ما ابتلاني به من الذبح ، والتعليق بمشيئة الله - سبحانه - تبركا بها منه .
فلما أسلما أي : استسلما لأمر الله وأطاعاه وانقادا له .
قرأ الجمهور " أسلمنا " وقرأ
علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس " فلما سلما " أي : فوضا أمرهما إلى الله ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قرأ " استسلما " قال
قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله ، وأسلم الآخر ابنه ، يقال : سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد .
وقد اختلف في جواب " لما " ماذا هو ؟ فقيل : هو محذوف ، وتقديره : ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما أو فديناه بكبش هكذا قال البصريون .
وقال الكوفيون : الجواب هو ناديناه ، والواو زائدة مقحمة ، واعترض عليهم
النحاس بأن الواو من حروف المعاني ولا يجوز أن تزداد ، وقال
الأخفش الجواب
وتله للجبين والواو زائدة ، وروي هذا أيضا عن الكوفيين ، واعتراض
النحاس يرد عليه كما ورد على الأول
وتله للجبين التل : الصرع والدفع ، يقال : تللت الرجل : إذا ألقيته ، والمراد أنه أضجعه على جبينه على الأرض ، والجبين أحد جانبي الجبهة ، فللوجه جبينان والجبهة بينهما ، وقيل : كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرقة لقلبه .
واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه ، فقيل : هو
مكة في المقام ، وقيل : في المنحر
بمنى عند الجمار ، وقيل : على الصخرة التي بأصل
جبل ثبير ، وقيل :
بالشام .
وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا أي : عزمت على الإتيان بما رأيته .
قال المفسرون : لما أضجعه للذبح نودي من الجبل يا
إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، وجعله مصدقا بمجرد العزم ،
[ ص: 1247 ] وإن لم يذبحه لأنه قد أتى بما أمكنه ، والمطلوب استسلامهما لأمر الله وقد فعلا .
قال
القرطبي : قال أهل السنة إن نفس الذبح لم يقع ، ولو وقع لم يتصور رفعه ، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل ، لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء . قال : ومعنى
صدقت الرؤيا فعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك ، هذا أصح ما قيل في هذا الباب .
وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه ، لأن معنى ذبحت الشيء قطعته ، وقد كان
إبراهيم يأخذ السكين فيمر بها على حلقه فتنقلب كما قال
مجاهد .
وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم وقالت طائفة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ضرب الله على عنقه صفيحة نحاس ، فجعل
إبراهيم يحز ولا يقطع شيئا .
وقال بعضهم إن
إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج وإنهار الدم ، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح ، فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي فلما أتى بما به من الإضجاع قيل : له قد
صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين أي : نجزيهم بالخلاص من الشدائد والسلامة من المحن ، فالجملة كالتعليل لما قبلها .
قال
مقاتل : جزاه الله - سبحانه - بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه .
إن هذا لهو البلاء المبين البلاء والابتلاء : الاختبار ، والمعنى : إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث اختبره الله في طاعته بذبح ولده .
وقيل : المعنى : إن هذا لهو النعمة الظاهرة حيث سلم الله ولده من الذبح وفداه بالكبش ، يقال : أبلاه الله إبلاء وبلاء : إذا أنعم عليه : والأول أولى ، وإن كان الابتلاء يستعمل في الاختبار بالخير والشر ، ومنه
ونبلوكم بالشر والخير فتنة [ الأنبياء : 35 ] ولكن المناسب للمقام المعنى الأول .
قال
أبو زيد : هذا في البلاء الذي نزل به في أن يذبح ولده . قال : وهذا من البلاء المكروه .
وفديناه بذبح عظيم الذبح : اسم المذبوح وجمعه ذبوح كالطحن اسم للمطحون ، وبالفتح المصدر ، ومعنى ( عظيم ) : عظيم القدر ، ولم يرد عظم الجثة وإنما عظم قدره لأنه فدي به الذبيح ، أو لأنه متقبل .
قال
النحاس : العظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف ، وأهل التفسير على أنه هاهنا للشريف أي : المتقبل .
قال
الواحدي : قال أكثر المفسرين : أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا .
وقال
الحسن : ما فدي إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير فذبحه
إبراهيم فداء عن ابنه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : قد قيل : إنه فدي بوعل ، والوعل التيس الجبلي ، ومعنى الآية : جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح .
وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم أي : في الأمم الآخرة التي تأتي بعده ، والسلام الثناء الجميل .
وقال
عكرمة : سلام منا ، وقيل : سلامة من الآفات ، والكلام في هذا كالكلام في قوله :
سلام على نوح في العالمين وقد تقدم في هذه السورة بيان معناه ، ووجه إعرابه .
كذلك نجزي المحسنين أي : مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من انقاد لأمر الله .
إنه من عبادنا المؤمنين أي : الذين أعطوا العبودية حقها ورسخوا في الإيمان بالله وتوحيده .
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين أي : بشرنا
إبراهيم بولد يولد له ويصير نبيا بعد أن يبلغ السن التي يتأهل فيها لذلك ، وانتصاب ( نبيا ) على الحال ، وهي حال مقدرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إن كان الذبيح
إسحاق فيظهر كونها مقدرة والأولى أن يقال : إن من فسر الذبيح
بإسحاق جعل البشارة هنا خاصة بنبوته .
وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه ، ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة ، فإن وجود ذي الحال ليس بشرط ، وإنما الشرط المقارنة للفعل ، ومن الصالحين كما يجوز أن يكون صفة ل : ( نبيا ) يجوز أن يكون حالا من الضمير المستتر فيه ، فتكون أحوالا متداخلة .
وباركنا عليه وعلى إسحاق أي : على
إبراهيم وعلى
إسحاق بمرادفة نعم الله عليهما ، وقيل : كثرنا ولدهما وقيل : إن الضمير في ( عليه ) يعود إلى
إسماعيل وهو بعيد ، وقيل : المراد بالمباركة هنا : هي الثناء
الحسن عليهما إلى يوم القيامة
ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين أي : محسن في عمله بالإيمان والتوحيد ، وظالم لها بالكفر والمعاصي لما ذكر - سبحانه - البركة في الذرية بين أن كون الذرية من هذا العنصر الشريف والمحتد المبارك ليس بنافع لهم ، بل إنما ينتفعون بأعمالهم ، لا بآبائهم ، فإن
اليهود والنصارى وإن كانوا من ولد
إسحاق فقد صاروا إلى ما صاروا إليه من الضلال البين ، والعرب وإن كانوا من ولد
إسماعيل فقد ماتوا على الشرك إلا من أنقذه الله بالإسلام .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وجعلنا ذريته هم الباقين يقول : لم يبق إلا ذرية
نوح وتركنا عليه في الآخرين يقول : يذكر بخير .
وأخرج
الترمذي وحسنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب nindex.php?page=hadith&LINKID=1021264عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : وجعلنا ذريته هم الباقين قال : حام وسام ويافث .
وأخرج
ابن سعد وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه
وأبو يعلى ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني والحاكم وصححه عن
سمرة أيضا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021265سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم والحديثان هما من سماع
الحسن عن
سمرة ، وفي سماعه منه مقال معروف ، وقد قيل : إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة فقط وما عداه فبواسطة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مثله .
وأخرج
البزار ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والخطيب في تالي التلخيص عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003556ولد نوح ثلاثة : سام وحام ويافث ، فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم ، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم ، وولد حام القبط والبربر والسودان وهو من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عنه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وإن من شيعته لإبراهيم قال من أهل دينه . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد في قوله :
إني سقيم قال : مريض .
[ ص: 1248 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عنه أيضا قال : مطعون . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله :
فأقبلوا إليه يزفون قال : يخرجون .
وأخرج
ابن المنذر عنه أيضا في قوله :
وقال إني ذاهب إلى ربي قال : حين هاجر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عنه أيضا
فلما بلغ معه السعي قال : العمل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عنه أيضا قال : لما أراد
إبراهيم أن يذبح
إسحاق قال لأبيه : إذا ذبحتني فاعتزل لا أضطرب فينتضح عليك دمي ، فشده فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه
أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا .
وأخرج
أحمد عنه أيضا مرفوعا مثله مع زيادة وأخرجه عنه موقوفا .
وأخرج
ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق
مجاهد عنه أيضا في قوله :
وإن من شيعته لإبراهيم قال : من شيعة
نوح على منهاجه وسننه
فلما بلغ معه السعي قال شب حتى بلغ سعيه سعي أبيه في العمل
فلما أسلما سلما ما أمر به
وتله وضع وجهه إلى الأرض ، فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني ، فلا تجهز علي . وأن أجزع ، فأنكص ، فأمتنع منك ، ولكن اربط يدي إلى رقبتي ، ثم ضع وجهي إلى الأرض ، فلما أدخل يده ليذبحه فلم تحل المدية حتى نودي :
أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ، قوله :
وفديناه بذبح عظيم بكبش عظيم متقبل ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الذبح
إسماعيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021266رؤيا الأنبياء وحي وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره من قول
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير واستدل بهذه الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير والحاكم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : المفدي
إسماعيل ، وزعمت
اليهود أنه
إسحاق وكذبت
اليهود .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : الذبيح
إسماعيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، من طريق
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=17408ويوسف بن ماهك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : الذبيح
إسماعيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17408يوسف بن ماهك وأبي الطفيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : الذبيح
إسماعيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في قوله :
وفديناه بذبح عظيم قال :
إسماعيل ذبح عنه
إبراهيم الكبش .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق الشاعر قال : رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يخطب على منبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويقول : إن الذي أمر بذبحه
إسماعيل .
وأخرج
البزار ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والحاكم ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
قال نبي الله داود : يا رب أسمع الناس يقولون : رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فاجعلني رابعا ، قال : إن إبراهيم ألقي في النار فصبر من أجلي ، وإن إسحاق جاد لي بنفسه ، وإن يعقوب غاب عنه يوسف ، وتلك بلية لم تنلك وفي إسناده
الحسن بن دينار البصري ، وهو متروك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف .
وأخرج
الديلمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في الأفراد
والديلمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
الذبيح إسحاق .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال الذبيح إسحاق .
وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا مثله .
وأخرج
ابن مردويه عن
بهار وكانت له صحبة ، قال :
إسحاق ذبيح الله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=1021269سئل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من أكرم الناس ؟ قال : يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله .
وأخرج ،
عبد الرزاق ،
والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : الذبيح
إسحاق .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في تاريخه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح
إسحاق .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وابن المنذر والحاكم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : الذبيح
إسحاق .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وتله للجبين قال : أكبه على وجهه .
وأخرج
ابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عنه قال : صرعه للذبح .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب في قوله :
وفديناه بذبح عظيم قال : كبش أعين أبيض أقرن قد ربط بسمرة في أصل ثبير .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
وفديناه بذبح عظيم قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عنه قال : فدي
إسماعيل بكبشين أملحين أقرنين أعينين .
وأخرج ،
عبد الرزاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن رجلا قال : نذرت لأنحر نفسي ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، ثم تلا
وفديناه بذبح عظيم ، فأمره بكبش فذبحه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من طريق أخرى عنه نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عنه أيضا في قوله :
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين قال : إنما بشر به نبيا حين فداه الله من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده .
وبما سقناه من
الاختلاف في الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل ، وما استدل به المختلفون في ذلك تعلم أنه لم يكن في المقام ما يوجب القطع أو يتعين رجحانه تعينا ظاهرا ، وقد رجح كل قول طائفة من المحققين المنصفين
nindex.php?page=showalam&ids=16935كابن جرير فإنه رجح أنه
إسحاق ، ولكنه لم يستدل على ذلك إلا ببعض مما سقناه هاهنا ،
وكابن كثير فإنه رجح أنه
إسماعيل ، وجعل الأدلة على ذلك أقوى وأصح ، وليس الأمر كما ذكره ، فإنها إن لم تكن دون أدلة القائلين بأن الذبيح
إسحاق لم تكن فوقها ولا أرجح منها ، ولم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ذلك شيء ، وما روي عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جدا ، ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق ، وهي محتملة ولا تقوم حجة
[ ص: 1249 ] بمحتمل ، فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته ، وفي السلامة من الترجيح ، بلا مرجح ، ومن الاستدلال بما هو محتمل .