ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون
قوله : ولكل بحذف المضاف إليه لدلالة التنوين عليه ، أي لكل أهل دين وجهة ، والوجهة فعلة من المواجهة وفي معناها الجهة والوجه ، والمراد القبلة ، أي أنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم
ولكل وجهة إما بحق وإما بباطل ، والضمير في قوله :
هو موليها راجع إلى لفظ كل .
والهاء في قوله :
موليها هي المفعول الأول ، والمفعول الثاني محذوف ، أي موليها وجهه .
والمعنى : أن لكل صاحب ملة قبلة ، صاحب القبلة موليها وجهه ، أو لكل منكم يا أمة
محمد قبلة يصلي إليها من شرق أو غرب أو جنوب أو شمال إذا كان الخطاب للمسلمين . ويحتمل أن يكون الضمير لله سبحانه وإن لم يجر له ذكر ، إذ هو معلوم أن الله فاعل ذلك ، والمعنى : أن لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أن قوما قرءوا ( ولكل وجهة ) بالإضافة ، ونسب هذه القراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال في الكشاف : والمعنى : وكل وجهة الله موليها فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك لزيد ضربت ولزيد أبوه ضاربه . انتهى .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وابن عامر : " مولاها " على ما لم يسم فاعله : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : والضمير على هذه القراءة لواحد ، أي ولكل واحد من الناس قبلة الواحد مولاها ، أي مصروف إليها .
وقوله :
فاستبقوا الخيرات أي إلى الخيرات على الحذف والإيصال ، أي بادروا إلى ما أمركم الله من استقبال البيت الحرام كما يفيده السياق وإن كان ظاهره الأمر بالاستباق إلى كل ما يصدق عليه أنه خير كما يفيده العموم المستفاد من تعريف الخيرات ، والمراد من الاستباق إلى الاستقبال : الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها .
ومعنى قوله :
أينما تكونوا يأت بكم الله أي في أي جهة من الجهات المختلفة تكونوا يأت بكم الله للجزاء يوم القيامة أو يجمعكم جميعا ، ويجعل صلاتكم في الجهات المختلفة كأنها إلى جهة واحدة .
وقوله :
ومن حيث خرجت كرر سبحانه هذا لتأكيد الأمر باستقبال الكعبة ، وللاهتمام به ، لأن موقع التحويل كان معتنى به في نفوسهم ، وقيل : وجه التكرير أن النسخ من مظان الفتنة ومواطن الشبهة ، فإذا سمعوه مرة بعد أخرى ثبتوا واندفع ما يختلج في صدورهم ، وقيل : إنه كرر هذا الحكم لتعدد علله ، فإنه سبحانه ذكر للتحويل ثلاث علل : الأولى ابتغاء مرضاته ، والثانية جري العادة الإلهية أن يولي كل أهل ملة وصاحب دعوة جهة يستقل بها والثالثة دفع حجج المخالفين فقرن بكل علة معلولها ، وقيل : أراد بالأول : ول وجهك شطر
الكعبة إذا صليت تلقاءها ، ثم قال : وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد
بالمدينة وغيرها فولوا وجوهكم شطره ، ثم قال :
ومن حيث خرجت يعني وجوب الاستقبال في الأسفار فكان هذا أمرا
بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواطن من نواحي الأرض .
وقوله :
لئلا يكون للناس عليكم حجة قيل : معناه : لئلا يكون
لليهود عليكم حجة إلا للمعاندين منهم القائلين : ما ترك قبلتنا إلى
الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه فعلى هذا المراد بالذين ظلموا : المعاندون من أهل الكتاب ، وقيل : هم مشركو العرب ، وحجتهم قولهم : راجعت قبلتنا ، وقيل معناه : لئلا يكون للناس عليكم حجة لئلا يقولوا لكم : قد أمرتم باستقبال
الكعبة ولستم ترونها .
وقال
أبو عبيدة : إن " إلا " هاهنا بمعنى الواو ، أي والذين ظلموا فهو استثناء بمعنى الواو ، ومنه قول الشاعر :
ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا
كأنه قال : إلا دار الخليفة ودار
مروان ، وأبطل
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج هذا القول وقال : إنه استثناء منقطع ، أي : ولكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون ، ومعناه : إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له كما تقول : ما لك علي حجة إلا أن تظلمني ، أي : ما لك علي حجة البتة ولكنك تظلمني ، وسمى ظلمه حجة لأن
[ ص: 103 ] المحتج بها سماه حجة وإن كانت داحضة .
وقال
قطرب : يجوز أن يكون المعنى :
لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ، ف " الذين " بدل من الكاف والميم في " عليكم " .
ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري أن الاستثناء متصل ، وقال : نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم
الكعبة ، والمعنى : لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة حيث قالوا ما ولاهم ، وقالوا : إن
محمدا تحير في دينه ، وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا أهدى منه .
وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو منافق .
قال : والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة ، وسماها تعالى حجة وحكم بفسادها حيث كانت من ظالم .
ورجح
ابن عطية أن الاستثناء منقطع كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : قال
القرطبي : وهذا على أن يكون المراد بالناس
اليهود ثم استثنى كفار العرب كأنه قال : لكن الذين ظلموا في قولهم : رجع
محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله .
وقوله :
فلا تخشوهم يريد الناس ، أي لا تخافوا مطاعنهم فإنها داحضة باطلة لا تضركم .
وقوله :
ولأتم نعمتي عليكم معطوف على
لئلا يكون أي ولأن أتم . قاله
الأخفش ، وقيل : هو مقطوع عما قبله في موضع رفع بالابتداء ، والخبر مضمر ، والتقدير : ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وقيل : معطوف على علة مقدرة كأنه قيل : واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم .
وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة ، وقيل : دخول الجنة .
وقوله :
كما أرسلنا الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف .
والمعنى : ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل ما أرسلنا . قاله
الفراء ، ورجحه
ابن عطية .
وقيل : الكاف في موضع نصب على الحال ، والمعنى : ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال ، والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة .
وقيل معنى الكلام على التقديم والتأخير ، أي فاذكروني كما أرسلنا . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
وقوله :
فاذكروني أذكركم أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : ومعنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة حكاه عنه
القرطبي في تفسيره ، وأخرجه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، وقد روي نحوه مرفوعا كما سيأتي .
وقوله :
واشكروا لي قال
الفراء : شكر لك وشكرك .
والشكر : معرفة الإحسان والتحدث به ، وأصله في اللغة : الطهور .
وقد تقدم الكلام فيه .
وقوله :
ولا تكفرون نهي ولذلك حذفت نون الجماعة ، وهذه الموجودة في الفعل هي نون المتكلم ، وحذفت الياء لأنها رأس آية ، وإثباتها حسن في غير القرآن .
والكفر هنا : ستر النعمة لا التكذيب ، وقد تقدم الكلام فيه .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
ولكل وجهة هو موليها قال : يعني بذلك أهل الأديان ، يقول : لكل قبلة يرضونها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عنه أنه قال في تفسير هذه الآية : صلوا نحو بيت المقدس مرة ، ونحو الكعبة مرة أخرى .
وأخرج
أبو داود في ناسخه عن
قتادة نحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
قتادة في قوله :
فاستبقوا الخيرات يقول : لا تغلبن على قبلتكم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
ابن زيد في قوله :
فاستبقوا الخيرات قال : الأعمال الصالحة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
أبي العالية في قوله :
فاستبقوا الخيرات يقول : فسارعوا في الخيرات
أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا قال : يوم القيامة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وناس من الصحابة قال :
لما صرف النبي صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه ، فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم أهدى منه سبيلا ويوشك أن يدخل دينكم ، فأنزل الله : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
قتادة في قوله :
لئلا يكون للناس عليكم حجة قال : يعني بذلك أهل الكتاب حين صرف نبي الله إلى
الكعبة قالوا : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
مجاهد قال : حجتهم قولهم : قد أحب قبلتنا .
وأخرج
أبو داود في ناسخه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
قتادة ومجاهد في قوله :
إلا الذين ظلموا منهم قال : الذين ظلموا منهم مشركو قريش أنهم سيحتجون بذلك عليكم ، واحتجوا على نبي الله بانصرافه إلى البيت الحرام وقالوا : سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا ، فأنزل الله في ذلك كله ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
أبي العالية في قوله :
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يعني
محمدا صلى الله عليه وسلم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر عن
مجاهد في قوله :
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يقول : كما فعلت فاذكروني .
وأخرج
أبو الشيخ والديلمي من طريق
جويبر عن
الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فاذكروني أذكركم يقول : اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي .
وأخرج
الديلمي nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر مثله مرفوعا من حديث
أبي هند الداري وزاد :
فمن ذكرني وهو مطيع فحق علي أن أذكره بمغفرتي ، ومن ذكرني وهو لي عاص فحق علي أن أذكره بمقت .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يقول الله : "
ذكري لكم خير من ذكركم لي " .
وقد ورد في فضل ذكر الله على الإطلاق وفضل الشكر أحاديث كثيرة .