الوجه الثاني ما نقص عن اللفظ
ويأتي فيه أيضا الأقسام السابقة :
الأول
الألف : كل ألف تكون في كلمة لمعنى له تفصيل في الوجود له اعتباران :
اعتبار من جهة ملكوتية ، أو صفات حالية ، أو أمور علوية مما لا يدركه الحس ، فإن الألف تحذف في الخط علامة لذلك ، واعتبار من جهة ملكية حقيقية في العلم ، أو أمور سفلية ; فإن الألف تثبت .
واعتبر ذلك في لفظتي القرآن والكتاب ، فإن القرآن هو تفصيل الآيات التي أحكمت في الكتاب ، فالقرآن أدنى إلينا في الفهم من الكتاب وأظهر في التنزيل ; قال الله تعالى في هود : " "
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " " ( الآية : 1 ) ، وقال في فصلت : " "
كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " " ( الآية : 3 ) ، وقال :
إن علينا جمعه وقرآنه ( القيامة : 17 ) ; ولذلك ثبت في الخط ألف القرآن ، وحذفت ألف الكتاب .
وقد
حذفت ألف القرآن في حرفين ; هو فيهما مرادف للكتاب في الاعتبار ; قال تعالى في سورة يوسف : " "
إنا أنزلناه قرآنا عربيا " " ( الآية : 2 ) ، وفى الزخرف : " "
إنا جعلناه قرآنا عربيا " " ( الآية : 3 ) ، والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله . وقال بعد ذلك في كل واحدة منهما :
لعلكم تعقلون ، فقرينته هي من جهة المعقولية . وقال في الزخرف : " "
وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " " ( الآية : 4 ) .
وكذلك كل ما في القرآن من " الكتاب " ، و " كتاب " ; فبغير ألف إلا في أربعة مواضع وهي مقيدة بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي : في الرعد :
لكل أجل كتاب ( الآية : 38 ) ،
[ ص: 23 ] فإن هذا كتاب الآجال ، فهو أخص من الكتاب المطلق أو المضاف إلى الله .
وفى الحجر :
وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( الآية : 4 ) ، فإن هذا كتاب إهلاك القرى ، وهو أخص من كتاب الآجال .
وفى الكهف :
واتل ما أوحي إليك من كتاب ( الآية : 27 ) فإن هذا أخص من الكتاب الذي في قوله : " "
اتل ما أوحي إليك من الكتاب " " ( العنكبوت : 45 ) ; لأنه أطلق هذا ، وقيد ذلك بالإضافة إلى الاسم المضاف إلى معنى في الوجود ، والأخص أظهر تنزيلا .
وفى النمل :
تلك آيات القرآن وكتاب مبين ( الآية : 1 ) هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن ، والقرآن جاء تابعا للكتاب ، كما جاء في الحجر : " "
تلك آيات الكتاب وقرآن مبين " " ( الآية : 1 ) ، فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي ، فهو تفصيل للكتاب الكلي بجوامع كليته .
ومن ذلك حذف الألف في : بسم الله تنبيها على علوه في أول رتبة الأسماء وانفراده ، وأن عنه انقضت الأسماء ; فهو بكليها ; يدل عليه إضافته إلى اسم الله الذي هو جامع الأسماء كلها ، أولها ، ولهذا لم يتسم به غير الله ، بخلاف غيره من أسمائه ، فلهذا ظهرت الألف معها تنبيها على ظهور التسمية في الوجود ، وحذفت الألف التي قبل الهاء من اسم الله ، وأظهرت التي مع اللام من أوله ، دلالة على أنه الظاهر من جهة التعريف والبيان ، الباطن من جهة الإدراك والعيان .
وكذلك
حذفت الألف قبل النون من اسمه : الرحمن حيث وقع ، بيانا لأنا نعلم حقائق تفصيل رحمته في الوجود ، فلا يفرق في علمنا بين الوصف والصفة ، وإنما الفرقان في التسمية والاسم لا في معاني الأسماء المدلول عليها بالتسمية ، بل نؤمن بها إيمانا مفوضا في علم حقيقته إليه .
قلت : وعلماء الظاهر يقولون : للاختصار وكثرة الاستعمال ، وهو من خصائص الجلالة
[ ص: 24 ] الشريفة ، فإن همزة الوصل الناقصة من اللفظ في الدرج تثبت خطا إلا في البسملة ، وفي قوله في هود :
بسم الله مجراها ومرساها ( الآية : 41 ) ، ولا تحذف إلا بشرطين :
أن تضاف إلى اسم الله - ولهذا أثبتت في :
باسم ربك ( العلق : 1 ) ، وأن تكون قبله الباء ، ولم يشترط
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي الثاني ، فجوز حذفها كما تحذف في " بسم الملك " ، والجمهور على الأول .
وكذلك
حذف الألف في كثير من أسماء الفاعلين مثل : ( ( قدر ) ) ( الأنعام : 37 ) ، و " " علم " " ( الأنعام : 73 ) ، وذلك أن هذه الألف في وسط الكلمة .
وكذلك
الألف الزائدة في الجموع السالمة والمكسرة ، مثل " " القنتين " " ( آل عمران : 17 ) ، " " والأبرر " " ( آل عمران : 193 ) ، و " " الجلل " " ( الرحمن : 27 ) و " " الإكرم " " ( الرحمن : 27 ) ، و " " اختلف " " ( البقرة : 164 ) و ( ( استكبرا ) ) ( فاطر : 43 ) فإنها كلها وردت لمعنى مفصل يشتمل عليه معنى تلك اللفظة ، فتحذف حيث يبطن التفصيل ، وتثبت حيث يظهر .
وكذلك
ألف الأسماء الأعجمية كـ " " إبرهيم " " ( البقرة : 124 ) ; لأنها زائدة لمعنى غير ظاهر في لسان العربي ; لأن العجمي بالنسبة إلى العربي باطن خفي لا ظهور له فحذفت ألفه .
قال
أبو عمرو : اتفقوا على حذف الألف من الأعلام الأعجمية كـ " " إبرهيم " " ( البقرة : 124 ) ، و " " إسمعيل " " ( البقرة : 125 ) ، و " " إسحق " " ( البقرة : 133 ) ، و " " هرون " " ( البقرة : 248 ) ، و " " لقمن " " ( لقمان : 12 ) ، وأما حذفها من " " سليمن " " ( البقرة : 102 ) ، و " " صلح " " ( الأعراف : 77 ) ، و " " ملك " " ( الزخرف : 77 ) - وليست بأعجمية - فلكثرة الاستعمال ، فأما ما لم يكثر استعماله من الأعجمية فبالألف ، كـ طالوت ( البقرة : 247 ) ، و
جالوت ( البقرة : 249 ) ، و يأجوج ( الكهف : 94 ) ، و مأجوج ( الكهف : 94 ) .
[ ص: 25 ] واختلفت المصاحف في أربعة :
هاروت ( البقرة : 102 ) ، و ماروت ( البقرة : 102 ) ، و هامان ( القصص : 6 ) ، و قارون ( القصص : 76 ) ، فأما داود ( البقرة : 251 ) ، فلا خلاف في رسمه بالألف ; لأنهم قد حذفوا منه واوا ، فلم يجحفوا بحذف ألف أخرى ، ومثله : إسرائيل ( البقرة : 40 ) ترسم بالألف ; لأنه حذف منه الياء .
وكذلك اتفقوا على حذف الألف في جمع السلامة ، مذكرا كان كـ " " العلمين " " ( الفاتحة : 2 ) ; و " " الصبرين " " ( البقرة : 153 ) ; و " " الصدقين " " ( آل عمران : 17 ) ، أو مؤنثا كـ " " المسلمت " " ( الأحزاب : 35 ) ، و " " المؤمنت " " ( النساء : 25 ) ، و " " الطيبت " " ( المائدة : 4 ) ، و " " الخبيثت " " ( النور : 26 ) ، فإن جاء بعد الألف همزة أو حرف مضعف ثبتت الألف ، نحو : السائلين ( البقرة : 177 ) ، و الصائمين ( الأحزاب : 35 ) ، و الظانين ( الفتح : 6 ) ، و الضالين ( الفاتحة : 7 ) و حافين ( الزمر : 75 ) ونحوه .
قال
أبو العباس : وقد تكون
الصفة ملكوتية روحانية ، وتعتبر من جهة مرتبة سفلى ملكية ، هي أظهر في الاسم ، فتثبت الألف ; كالـ أواب ( ص : 17 ) ، و الخطاب ( ص : 20 ) والـ عذاب ( البقرة : 7 ) ، و
أم كنت من العالين ( ص : 75 ) ، و
الوسواس الخناس ( الناس : 4 ) .
وقد تكون ملكية جثمانية ، وتعتبر من جهة مرتبة عليا ملكوتية هي أظهر في الاسم فتحذف الألف كـ " " المحرب " " ( آل عمران : 37 ) ، ولأجل هذا التداخل يغمض ذلك ، فيحتاج إلى تدبر وفهم .
ومنه ما يكون ظاهر الفرقان ، كـ الأخيار ( ص : 47 ) ، و الأشرار ( ص : 62 ) تحذف من الأول دون الثاني .
ومنه ما يخفى كـ الفراش ( القارعة : 4 ) ،
ويطعمون الطعام ( الإنسان : 8 )
[ ص: 26 ] فالفراش محسوس والطعام ثابت ، ووزنهما واحد ; وهما جسمان ، لكن يعتبر في الأول مكان التشبيه ، فإن التشبيه محسوس ، وصفة التشبيه غير محسوس ، فالمشبه به غير محسوس في حالة الشبه ، إذ جعل جزءا من صفة المشبه به من حيث هو مستفرش مبثوث ، لا من حيث هو جسم ، وأما الطعام فهو المحسوس المعطى للمحتاجين .
وكذلك : " " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعمكم حل لهم " " ( المائدة : 5 ) ثبتت الألف في الأول ; لأنه سفلي بالنسبة إلى طعامنا لمكان التشديد عليهم فيه ، وحذفت من الثاني لأنه علوي بالنسبة إلى طعامهم لعلو ملتنا على ملتهم .
وكذلك : ( ( كانا يأكلان الطعم ) ) ( المائدة : 75 ) فحذفت لعلو هذا الطعام .
وكذلك " " غلقت الأبوب " " ( يوسف : 23 ) غلقت : فيه التكثير في العمل ، فيدخل به أيضا ما ليس بمحسوس من أبواب الاعتصام ، فحذفت الألف لذلك ، ويدل عليه :
واستبقا الباب ،
وألفيا سيدها لدى الباب ( يوسف : 25 ) ، فأفرد الباب المحسوس من أبواب الاعتصام .
وكذلك : " " وفتحت أبوبها " " ( الزمر : 73 ) ; محذوف لأنها من حيث فتحت ملكوتية علوية ، و : " " مفتحة لهم الأبوب " " ( ص : 50 ) ملكية من حيث هي لهم ، فثبتت الألف ، و :
قيل ادخلوا أبواب جهنم ( الزمر : 72 ) ثابتة لأنها من جهة دخولهم محسوسة سفلية ، وكذلك :
لها سبعة أبواب ( الحجر : 44 ) من حيث حصرها العدد في الوجود ، ملكية فثبتت الألف .
وكذلك : الجراد ( الأعراف : 133 ) و الضفادع ( الأعراف : 133 ) ، الأول ثابت ، فهو الذي في الواحدة المحسوسة ، والثاني محذوف لأنه ليس في الواحدة المحسوسة ، والجمع هنا ملكوتي من حيث هو آية .
وكذلك " " أن نبدل أمثلكم " " ( الواقعة : 61 ) حذفت لأنها أمثال كلية لم يتعين فيها للفهم
[ ص: 27 ] جهة التماثل ; و
كأمثال اللؤلؤ ( الواقعة : 23 ) ثابت الألف ; لأنه تعين للفهم جهة التماثل ، وهو البياض والصفاء . " " كذلك يضرب الله للناس أمثلهم " " ( محمد : 3 ) حذفت للعموم ، و :
انظر كيف ضربوا لك الأمثال ثابت في الفرقان ( الآية : 9 ) ; لأنها المذكورة حسية مفصلة ، ومحذوفة في الإسراء ( الآية : 48 ) لأنها غير مفصلة باطنة .
وكذلك : " " فإذا نفخ في الصور نفخة وحدة " " ( الحاقة : 13 ) ، و
فدكتا دكة واحدة ( الحاقة : 14 ) ; الأولى محذوفة ; لأنها روحانية لا تعلم إلا إيمانا ، والثانية ثابتة لأنها جسمانية يتصور أمثالها من الهوى .
وكذلك : " " كتبيه " " ( الحاقة : 25 ) محذوفة لأنه ملكوتي ، و حسابيه ( الحاقة : 26 ) ثابتة ، لأنها ملكية ، وهما معا في موطن الآخرة .
وكذلك : ( ( القضية ) ) ( الحاقة : 27 ) ملكوتية ، و وماليه ( الحاقة : 28 ) ملكي محسوس ، فحذف الأول وثبت الثاني .
وكذلك : ( ( ولما برزوا لجلوت ) ) ( البقرة : 250 ) حذف لأنه الاسم ،
وقتل داود جالوت ( البقرة : 251 ) ثبت لأنه مجسد محسوس فحذف الأول وثبت الثاني .
وكذلك " " سبحن " " حذفت لأنه ملكوتي إلا حرفا واحدا واختلف فيه :
قل سبحان ربي ( الإسراء : 93 ) فمن أثبت الألف قال : هذا تبرئة من مقام الإسلام ، وحصره الأجسام ، صدر به مجاوبة للكفار في مواطن الرد والإنكار . ومن أسقط فلعلو حال
المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لا يشغله عن الحضور تقلبه في الملكوت الخطاب في الملك وهو أولى الوجهين .
وكذلك : " " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة " " ( المائدة : 73 ) ، ثبتت ألف
ثالث لأنهم جعلوه أحد ثلاثة مفصلة ، فثبتت الألف علامة لإظهارهم التفصيل في الإله ، تعالى
[ ص: 28 ] الله عن قولهم ! وحذفت ألف " " ثلثة " " لأنه اسم العدد الواحد من حيث هو كلمة واحدة .
وكذلك : وما من إله إلا إله واحد ( المائدة : 73 ) حذفت من ( إله ) ، وثبتت في ( واحد ) ألفه ، لأنه إله في ملكوته ، تعالى عن أن تعرف صفته بإحاطة الإدراك ، واحد في ملكه ، تنزه بوحدة أسمائه عن الاعتضاد والاشتراك هذا من جهة إدراكنا ، وأما من جهة ما هي عليه الصفة في نفسها فلا يدرك ذلك ، بل يسلم علمه إلى الله تعالى فتحذف .
وكذلك
سقطت الألف الزائدة لتطويل هاء التنبيه في النداء في ثلاثة أحرف : " " أيه المؤمنون " " ( النور : 31 ) ، و " " أيه الساحر " " ( الزخرف : 49 ) ، و " " أيه الثقلان " " ( الرحمن : 31 ) ، والباقي بإثبات الألف ، والسر في سقوطها في هذه الثلاثة الإشارة إلى معنى الانتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبة يمتد النداء إليها ، وتنبيه على الاقتصار والاقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي .
وقوله :
وتوبوا إلى الله جميعا ( النور : 31 ) يدل على أنهم كل المؤمنين على العموم والاستغراق فيهم . وقوله تعالى حكاية عن فرعون :
إن هذا لساحر عليم ( الشعراء : 34 ) ، وقول فرعون :
إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ( الشعراء : 49 ) يدل على عظم علمه عندهم ليس فوقه أحد . وقوله : " "
سنفرغ لكم أيه الثقلان " " ( الرحمن : 31 ) ، فإقامة الوصف مقام الموصوف يدل على عظم الصفة الملكية ، فإنها تقتضي جميع الصفات الملكوتية والجبروتية ، فليس بعدها رتبة أظهر في الفهم على ما ينبغي لهم من الرجوع إلى اعتبار آلاء الله في بيان النعم ليشكروا وبيان النقم ليحذروا .
وكذلك حذفت الألف الآتية لمد الصوت بالنداء ، مثل " " يقوم " " ( البقرة : 54 ) ، " " يعباد " " ( الزمر : 10 ) ; لأنها زائدة للتوصل بين المرتبتين ، وذلك أمر باطن ليس بصفة محسوسة في الوجود .
قال
أبو عمرو : كل ما في القرآن من ذكر ( آياتنا ) فبغير الألف ، إلا في موضعين :
في آياتنا ( يونس : 21 ) ، و
آياتنا بينات ( يونس : 15 ) .
[ ص: 29 ] وكل ما فيه من ذكر [ أيها ] فبالألف إلا في ثلاثة مواضع محذوفة الألف : في النور : " "
أيه المؤمنون " " ( النور : 31 ) ، وفي الزخرف : " " يأيه الساحر " " ( الزخرف : 49 ) ، وفي الرحمن : " "
أيه الثقلان " " ( الرحمن : 31 ) .
وكل ما فيه من ساحر فبغير الألف إلا في واحد ; في الذاريات :
وقال ساحر أو مجنون ( الذاريات : 39 ) .