صفحة جزء
القسم العاشر تجيء اللفظة الدالة على التكثير والمبالغة بصيغ من صيغ المبالغة [ ص: 77 ] كفعال وفعيل وفعلان ; فإنه أبلغ من " فاعل " .

ويجوز أن يعد هذا من أنواع الاختصار ; فإن أصله وضع لذلك ، فإن " ضروبا " ناب عن قولك : " ضارب وضارب وضارب " .

أما " فعلان " فهو أبلغ من " فعيل " ، ومن ثم قيل : الرحمن أبلغ من الرحيم - وإن كانت صيغة " فعيل " - من جهة أن " فعلان " من أبنية المبالغة ; كغضبان للممتلئ غضبا ; ولهذا لا يجوز التسمية به ، وحكاه الزجاج في تأليفه المفرد على البسملة .

وأما قول شاعر اليمامة :

وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

فهو من كفرهم وتعنتهم ، كذا أجاب به الزمخشري .

ورده بعضهم بأن التعنت لا يدفع وقوع إطلاقهم ، وغايته أنه ذكر السبب الحامل لهم على الإطلاق ، وإنما الجواب أنهم لم يستعملوا الرحمن المعرف بالألف واللام ; وإنما استعملوه مضافا ومنكرا ، وكلامنا إنما هو في المعرف باللام .

وأجاب ابن مالك بأن الشاعر أراد : " لا زلت ذا رحمة " ولم يرد الاسم المستعمل بالغلبة .

ويدل على أن العرب كانت تعرف هذا الاسم قوله تعالى : [ ص: 78 ] قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( الإسراء : 110 ) وأما قوله : قالوا وما الرحمن ( الفرقان : 60 ) فقال ابن العربي : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ; ولذلك لم يقولوا : " ومن الرحمن ؟ " .

وذكر البرزاباذاني أنهم غلطوا في تفسير " الرحمن " حيث جعلوه بمعنى المتصف بالرحمة .

قال : وإنما معناه الملك العظيم العادل ; بدليل : الملك يومئذ الحق للرحمن ( الفرقان : 26 ) إذ الملك يستدعي العظمة والقدرة والرحمة لخلقه ; لا أنه يتوقف عليها .

وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ( الفرقان : 60 ) وإنما يصلح السجود لمن له العظمة والقدرة ، و إني أعوذ بالرحمن ( مريم : 18 ) ولا يعاذ إلا بالعظيم القادر على الحفظ والذب .

وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( مريم : 92 ) أي : وما ينبغي للعظيم القادر على كل شيء ، المستغني عن معاونة الوالد وغيره أن يتخذ ولدا .

الرحمن لا يملكون منه خطابا ( النبأ : 37 ) .

وخشعت الأصوات للرحمن ( طه : 108 ) .

قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ( الأنبياء : 42 ) ولا يحتاج الناس إلى حافظ يحفظهم من ذي الرحمة الواسعة .

إلا آتي الرحمن عبدا ( مريم : 93 ) .

[ ص: 79 ] إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ( مريم : 45 ) .

وربنا الرحمن المستعان ( الأنبياء : 112 ) .

من خشي الرحمن بالغيب ( ق : 33 ) .

ولا مناسبة لمعنى الرحمة في شيء من هذه المواضع ، وأما " رحيم " فهو من صفات الذات ، كقولهم : " كريم " .

وما ذكرناه من أن " الرحمن " أبلغ ذهب إليه أبو عبيد والزمخشري وغيرهما ، وحكاه ابن عساكر في " التكميل والإفهام " عن الأكثرين .

وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق عليه ، ونصره السهيلي بأنه ورد على لفظ التنبيه ، والتنبيه تضعيف ، وكأن البناء تضاعفت فيه الصفة .

وقال قطرب : المعنى فيهما واحد ; وإنما جمع بينهما في الآية للتوكيد .

وكذلك قال ابن فورك ، قال : وليس قول من زعم أن " رحيما " أبلغ بجيد ; إذ لا فرق بينهما في المبالغة ، ولو قيل : " فعلان " أشد مبالغة كان أولى ، ولهذا خص بالله ; فلا يوصف به غيره ، ولذلك قال بعض التابعين : الرحمن اسم ممنوع ; وأراد به منع الخلق أن يتسموا به ، ولا وجه لهذا الكلام إلا التوكيد وإتباع الأول ما هو في معنى الثاني .

وقال ابن عباس : " هما اسمان رقيقان ; أحدهما أرق من الآخر " .

[ ص: 80 ] وعن الخطابي استشكال هذا ، وقال : لعله أرفق كما جاء في الحديث : إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله .

وقال ابن الأنباري في " الزاهر " : الرحيم أبلغ من الرحمن .

ورجحه ابن عساكر بوجوه منها : أن الرحمن جاء متقدما على الرحيم ، ولو كان أبلغ لكان متأخرا عنه ; لأنهم في كلامهم إنما يخرجون من الأدنى إلى الأعلى فيقولون : فقيه عالم ، وشجاع باسل ، وجواد فياض ، ولا يعكسون هذا لفساد المعنى ; لأنه لو تقدم الأبلغ لكان الثاني داخلا تحته ، فلم يكن لذكره معنى .

وهذا قد ذكره الزمخشري ، وأجاب عنه بأنه من باب الإرداف ، وأنه أردف الرحمن الذي يتناول جلائل النعم وأصولها بالرحيم ; ليكون كالتتمة والرديف ; ليتناول ما رق منها ولطف .

وفيه ضعف ; لا سيما إذا قلنا : إن الرحمن علم لا صفة ، وهو قول الأعلم وابن مالك ، وأجاب الواحدي في " البسيط " بأنه لما كان الرحمن كالعلم - إذ لا يوصف به إلا الله - [ ص: 81 ] قدم ; لأن حكم الأعلام وغيرها من المعارف أن يبدأ بها ثم يتبع الأنكر ، وما كان في التعريف أنقص .

قال : وهذا مذهب سيبويه وغيره من النحويين ، فجاء هذا على منهاج كلام العرب .

وأجاب الجويني بأن الرحمن للخلق ، والرحيم لهم بالرزق ، والخلق قبل الرزق .

ومنها أن أسماء الله تعالى إنما يقصد بها المبالغة في حقه ، والنهاية في صفاته ، وأكثر صفاته سبحانه جارية على " فعيل " كرحيم ، وقدير ، وعليم ، وحكيم ، وحليم ، وكريم ، ولم يأت على " فعلان " إلا قليل ، ولو كان " فعلان " أبلغ لكان صفات الباري تعالى عليه أكثر .

قلت : وجواب هذا أن ورود " فعلان " بصيغة التكثير كان في عدم تكرار الوصف به ، بخلاف " فعيل " فإنه لما لم يرق في الكثرة رقته كثر في مجيء الوصف .

ومنها أنه إن كانت المبالغة في " فعلان " من جهة موافقة التثنية - كما زعم السهيلي - ففعيل من أبنية جمع الكثرة كعبيد وكليب ، ولا شك أن الجمع أكثر من التثنية ، وهذا أحسنها .

قال : وقول قطرب : " إنهما بمعنى واحد " فاسد ; لأنه لو كان كذلك لتساويا في التقديم والتأخير ، وهو ممتنع .

تنبيهات صيغ المبالغة في أسماء الله الأول : نقل عن الشيخ برهان الدين الرشيدي - رحمه الله - أن صفات الله التي [ ص: 82 ] هي صيغة المبالغة كغفار ورحيم وغفور ومنان كلها مجاز ; إذ هي موضوعة للمبالغة ، ولا مبالغة فيها ; لأن المبالغة هي أن تثبت للشيء أكثر مما له ، وصفات الله متناهية في الكمال ، لا يمكن المبالغة فيها ، والمبالغة أيضا تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان ، وصفات الله تعالى منزهة عن ذلك .

انتهى .

وذكر هذا للشيخ ابن الحسن السبكي فاستحسنه ، وقال : إنه صحيح إذا قلنا : إنها صفات .

فإن قلنا : أعلام ; زال ذلك .

قلت : والتحقيق أن صيغ المبالغة على قسمين .

أحدهما : ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل .

والثاني : بحسب تعدد المفعولات .

ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة ; إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين .

وعلى هذا التقسيم يجب تنزيل جميع أسماء الله تعالى التي وردت على صيغة المبالغة ; كالرحمن والغفور والتواب ونحوها ، ولا يبقى إشكال حينئذ ; لهذا قال بعض المفسرين في حكيم : معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع .

وقال الزمخشري في سورة الحجرات : المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب إليه من عباده ، أو لأنه بليغ في قبول التوبة ، نزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه .

[ ص: 83 ] وقد أورد بعض الفضلاء سؤالا في قوله تعالى : والله على كل شيء قدير ( البقرة : 284 ) وهو أن " قديرا " من صيغ المبالغة يستلزم الزيادة على معنى " قادر " ، والزيادة على معنى " قادر " محال ; إذ الاتحاد من واحد لا يمكن فيه التفاضل باعتبار كل فرد فرد .

وأجيب عنه بأن المبالغة لما لم يقدر على حملها كل فرد وجب صرفها إلى مجموع الأفراد التي دل السياق عليها ، والمبالغة إذن بالنسبة إلى تكثير التعلق لا بالنسبة إلى تكثير الوصف .

وكذلك قوله تعالى : والله بكل شيء عليم ( البقرة : 282 ) يستحيل عود المبالغة إلى نفس الوصف ; إذ العلم بالشيء لا يصح التفاوت فيه ، فيجب صرف المبالغة فيه إلى المتعلق ، إما لعموم كل أفراده ، وإما لأن يكون المراد الشيء ولواحقه ، فيكون من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل .

الثاني : سئل أبو علي الفارسي : هل تدخل المبالغة في صفات الله تعالى فيقال : " علامة " ؟ فأجاب بالمنع ; لأن الله تعالى ذم من نسب إليه الإناث لما فيه من النقص ، فلا يجوز إطلاق اللفظ المشعر بذلك .

حكاه الجرجاني في " شرح الإيضاح " .

الثالث : أنه لو جرد عن الألف واللام لم يصرف ; لزيادة الألف والنون في آخره مع العلمية أو الصفة .

وأورد الزمخشري بأنه لا يمنع " فعلان " صفة من الصرف إلا إذا كان مؤنثه " فعلى " كغضبان وغضبى ، وما لم يكن مؤنثه " فعلى " ينصرف كندمان وندمانة ، وتبعه ابن عساكر بأن " رحمن " - وإن لم يكن له مؤنث على فعلى - فليس له مؤنث على [ ص: 84 ] " فعلانة " ; لأنه اسم مختص بالله تعالى فلا مؤنث له من لفظه ، فإذا عدم ذلك رجع فيه إلى القياس ، وكل ألف ونون زائدتان فهما محمولتان على منع الصرف .

قال الجويني : وهذا فيه ضعف في الظاهر ، وإن كان حسنا في الحقيقة ; لأنه إذا لم يشبه " غضبان " ولم يشبه " ندمان " من جهة التأنيث فلماذا ترك صرفه مع أن الأصل الصرف ؟ ! بل كان ينبغي أن يقال : ليس هو كغضبان ; فلا يكون غير منصرف ، ولا يصح أن يقال : ليس هو كندمان فلا يكون منصرفا ; لأن الصرف ليس بالشبه ، إنما هو بالأصل ، وعدم الصرف بالشبه ولم يوجد .

قلت : والتقدير الذي نقلناه عن ابن عساكر يدفع هذا عن الزمخشري ، نعم أنكر ابن مالك على ابن الحاجب تمثيله بـ " الرحمن " لزيادة الألف والنون في منع الصرف وقال : لم يمثل به غيره ، ولا ينبغي التمثيل به ، فإنه اسم علم بالغلبة لله تعالى مختص به ، وما كان كذلك لم يجرد من " ال " ولم يسمع مجردا إلا في النداء قليلا مثل : يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .

قال : وقد أنكر على الشاطبي ، رحمه الله :

تبارك رحمانا رحيما وموئلا

لأنه أراد الاسم المستعمل بالغلبة .

ولم يحضر الزمخشري هذا الجواب ; فذكر أنه من تعنتهم في كفرهم كما سبق .

وأما " فعيل " فعند النحاة أنه من صيغ المبالغة والتكرار ; كرحيم وسميع ، وقدير ، وخبير ، وحفيظ ، وحكيم ، وحليم ، وعليم ; فإنه محول عن فاعل بالنسبة ، وهو إنما يكون كذلك للفاعل لا للمفعول به ، بدليل قولهم : قتيل وجريح ، والقتل لا يتفاوت .

[ ص: 85 ] وقد يجيء في معنى الجمع كقوله تعالى : وحسن أولئك رفيقا ( النساء : 69 ) وقوله : والملائكة بعد ذلك ظهير ( التحريم : 4 ) وقوله : خلصوا نجيا ( يوسف : 80 ) وغير ذلك .

ومن المشكل : وما كان ربك نسيا ( مريم : 64 ) فإن النفي متوجه على الخبر وهو صيغة مبالغة ، ولا يلزم من نفي المبالغة نفي أصل الفعل ، فلا يلزم نفي أصل النسيان ، وهو كالسؤال الآتي في ( ظلام للعبيد ) .

ويجاب عنه بما سيأتي من الأجوبة ، ويختص هذا بجواب آخر ; وهو مناسبة رءوس الآي قبله .

وأما فعال فنحو : غفار ، ومنان ، وتواب ، ووهاب فعال لما يريد ( البروج : 16 ) علام الغيوب ( المائدة : 116 ) ونحو : لكل صبار شكور ( إبراهيم : 5 ) ونحو : نزاعة للشوى ( المعارج : 16 ) .

ومن المشكل قوله تعالى : وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت : 46 ) وتقريره أنه لا يلزم من نفي الظلم بصيغة المبالغة نفي أصل الظلم ، والواقع نفيه قال الله تعالى : إن الله لا يظلم الناس شيئا ( يونس : 44 ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( النساء : 40 ) .

وقد أجيب عنه باثني عشر جوابا : أحدها : أن " ظلاما " وإن كان يراد به الكثرة لكنه جاء في مقابله " العبيد " وهو جمع كثرة إذا قوبل بهم الظلم كان كثيرا .

ويرشح هذا الجواب أنه سبحانه وتعالى قال في موضع آخر : علام الغيوب ( المائدة : 116 ) فقابل صيغة " فعال " بالجمع وقال في موضع آخر : عالم الغيب ( الجن : 26 ) فقابل صيغة " فاعل " الدالة على أصل الفعل بالواحد .

[ ص: 86 ] وهذا قريب من الجواب عن قوله تعالى : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ( النساء : 172 ) حيث احتج به المعتزلة على تفضيل الملائكة على الأنبياء .

وجوابه أنه قابل عيسى بمفرده بمجموع الملائكة ، وليس النزاع في تفضيل الجمع على الواحد .

الثاني : أنه نفى الظلم الكثير ، فينتفي القليل ضرورة ; لأن القليل الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة ظلمه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان الظلم القليل في المنفعة أكثر .

الثالث : أنه على النسب ، واختاره ابن مالك ، وحكاه في " شرح الكافية " عن المحققين ، أي : ذا ظلم ، كقوله :

وليس بنبال

أي بذي نبل ، أي : لا ينسب إلى الظلم فيكون من باب : بزاز وعطار .

الرابع : أن فعالا قد جاء غير مراد به الكثرة كقول طرفة :

ولست بحلال التلاع مخافة     ولكن متى يسترفد القوم أرفد

[ ص: 87 ] لا يريد أنه يحل التلاع قليلا ; لأن ذلك يدفعه قوله : "

يسترفد القوم أرفد

" هذا بدل على نفي الحال في كل حال ; لأن تمام المدح لا يصل بإيراد الكثرة .

الخامس : أن أقل القليل لو ورد منه سبحانه - وقد جل عنه - لكان كثيرا ; لاستغنائه عنه ، كما يقال : " زلة العالم كبيرة " .

ذكره الحريري في " الدرة " قال : وإليه أشار المخزومي في قوله :

كفوفة الظفر تخفى من حقارتها     ومثلها في سواد العين مشهور

السادس : أن نفي المجموع يصدق بنفي واحد ، ويصدق بنفي كل واحد ، ويعين الثاني في الآية للدليل الخارجي ، وهو قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( النساء : 40 ) .

السابع : أنه أراد : " ليس بظالم ، ليس بظالم ، ليس بظالم " فجعل في مقابله ذلك : وما ربك بظلام ( فصلت : 46 ) .

الثامن : أنه جواب لمن قال : ظلام ، والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم ، كما إذا خرج مخرج الغالب .

التاسع : أنه قال : " بظلام " ; لأنه قد يظن أن من يعذب غيره عذابا شديدا ظلام قبل الفحص عن جرم الذنب .

[ ص: 88 ] العاشر : أنه لما كان صفات الله تعالى صيغة المبالغة فيها وغير المبالغة سواء في الإثبات جرى النفي على ذلك .

الحادي عشر : أنه قصد التعريض بأن ثمة ظلاما للعبيد من ولاة الجور .

وأما " فعال " بالتخفيف والتشديد نحو عجاب وكبار ، قال تعالى : إن هذا لشيء عجاب ( ص : 5 ) وقال : ومكروا مكرا كبارا ( نوح : 22 ) قال المعري في " اللامع العزيزي " : " فعيل " إذا أريد به المبالغة نقل به إلى " فعال " وإذا أريد به الزيادة شددوا فقالوا : " فعال " ، ذلك من عجيب وعجاب وعجاب ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : إن هذا لشيء عجاب ( ص : 5 ) بالتشديد ، وقالوا : طويل وطوال ، ويقال : نسب قريب وقراب ، وهو أبلغ ; قال الحارث بن ظالم :

وكنت إذا رأيت بني لؤي     عرفت الود والنسب القرابا

وأما " فعول " : كغفور وشكور وودود فمنه قوله تعالى : إن الإنسان لظلوم كفار ( إبراهيم : 34 ) .

وقوله تعالى في نوح : إنه كان عبدا شكورا ( الإسراء : 3 ) .

وقد أطربني قوله تعالى : وقليل من عبادي الشكور ( سبأ : 13 ) فقلت : الحمد لله الذي ما قال " الشاكر " .

فإن قيل : قوله تعالى : إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ( الإنسان : 3 ) كيف غاير بين الصفتين وجعل المبالغة من جانب الكفران ؟ [ ص: 89 ] قلت : هذا سأله الصاحب بن عباد للقاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي ، فأجاب بأن نعم الله على عباده كثيرة ، وكل شكر يأتي في مقابلتها قليل ، وكل كفر يأتي في مقابلتها عظيم ، فجاء " شكور " بلفظ " فاعل " ، وجاء " كفور " بلفظ " فعول " على وجه المبالغة ، فتهلل وجه الصاحب .

وأما فعل فقوله تعالى : وإنا لجميع حاذرون ( الشعراء : 56 ) .

وقوله تعالى : كذاب أشر ( القمر : 25 ) قرن " فعلا " بفعال .

وأما فعل : فيكون صفة ، كقوله تعالى : أهلكت مالا لبدا ( البلد : 6 ) اللبد : الكثير .

وقوله تعالى : إنها لإحدى الكبر ( المدثر : 35 ) .

ويكون مصدرا كهدى وتقى ، ويكون معدولا عن أفعل من كذا كقوله تعالى : وأخر متشابهات ( آل عمران : 7 ) وقوله تعالى : فعدة من أيام أخر ( البقرة : 184 ) كما قال : أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ( الأنعام : 19 ) .

وأما فعلى : فيكون اسما ، كالشورى والرجعى ، قال الله تعالى : إن إلى ربك الرجعى ( العلق : 8 ) وقال تعالى : وكلمة الله هي العليا ( التوبة : 40 ) .

ويكون صفة كالحسنى في تأنيث الأحسن ، والسوءى في تأنيث الأسوأ ، قال تعالى : ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله ( الروم : 10 ) .

قال الفارسي : يحتمل السوأى تأويلين .

أحدهما : أن يكون تأنيث " الأسوأ " والمعنى كان عاقبتهم لخلة السوأى ، فتكون " السوأى " على هذا خارجة من الصلة ، فتنصب على الموضع ، وموضع " أن " [ ص: 90 ] نصب ، فإنه مفعول له ، أي : كان عاقبتهم الخصلة السوأى لتكذيبهم .

الثاني : أن يكون السوأى مصدرا مثل الرجعى ، وعلى هذا فهي داخلة في الصلة ، ومنتصبة بأساءوا ، كقوله تعالى وتبتل إليه تبتيلا ( المزمل : 8 ) ويكون أن كذبوا نصبا ; لأنه خبر كان .

ويجوز في إعراب " السوأى " وجه ثالث ; وهو أن يكون في موضع رفع صفة " العاقبة " وتقديرها : ثم كان عاقبتهم المذمومة التكذيب .

و " الفعلى " في هذا الباب - وإن كانت في الأصل صفة ، بدليل قوله تعالى : وهم بالعدوة القصوى ( الأنفال : 42 ) وقوله تعالى : فأراه الآية الكبرى ( النازعات : 20 ) ، فجرت صفة على موصوفها - فإنها في كثير من الأمور تجرى مجرى الأسماء ; كالأبطح والأجرع والأدهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية