الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الأول : قد سبق أنه لا يشترط في وضع الظاهر موضع المضمر أن يكون بلفظ الأول ; ليشمل مثل قوله تعالى : إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ( الكهف : 30 ) .

وقوله تعالى : ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء ( البقرة : 105 ) ; لأن إنزال الخير هنا سبب للربوبية ، وأعاده بلفظ " الله " لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية ; لأن دائرة الربوبية أوسع .

ومثله وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ( الزمر : 74 ) كما سبق .

ومن فوائده التلذذ بذكره وتعظيم المنة بالنعمة .

ومن فوائده : قصد الذم وجعل الزمخشري قوله تعالى : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ( النبأ : 40 ) فقال : المرء هو الكافر وهو ظاهر ، وضع موضع الضمير لزيادة الذم .

وقال ابن عبد السلام في قوله تعالى : [ ص: 75 ] سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ( المنافقون : 6 ) إن الفاسقين يراد بهم المنافقون ، ويكون قد أقام الظاهر مقام المضمر والتصريح بصفة الفسق سبب لهم ، ويجوز أن يكون المراد العموم لكل فاسق ويدخل فيه المنافقون دخولا أوليا ، وكذا سائر هذه النظائر .

وليس من هذا الباب قوله تعالى : إن تكونوا صالحين ( الإسراء : 25 ) أي : في معاملة الأبوين فإنه كان للأوابين غفورا ( الإسراء : 25 ) .

وقوله تعالى : من كان عدوا لجبريل ( البقرة : 97 ) إلى قوله : فإن الله عدو للكافرين ( البقرة : 98 ) .

وكذلك كل ما فيه شرط ; فإن الشروط أسباب ، ولا يكون الإحسان للوالدين سببا لغفران الله لكل تائب ; لأنه يلزم أن يثاب غير الفاعل بفعل غيره ; وهو خلاف الواقع ، وكذلك معاداة بعض الكفرة لا يكون سببا لمعاداة كل كافر ، فتعين في هذه المواضع أن يكون من باب إقامة الظاهر مقام المضمر ليس إلا .

الثاني : قد مر أن سؤال وضع الظاهر موضع المضمر حقه أن يكون في الجملة الواحدة ; نحو الحاقة ما الحاقة ( الحاقة : 1 - 2 ) فأما إذا وقع في جملتين فأمره سهل ، وهو أفصح من وقوعه في الجملة الواحدة ; لأن الكلام جملتان ، فحسن فيهما ما لا يحسن في الجملة الواحدة ، ألا ترى إلى قوله :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

[ ص: 76 ] فتكرار " الموت " في عجز البيت أوسع من تكراره في صدره ; لأنا إذا عللنا هذا إنما نقول : أعاد الظاهر موضع المضمر لما أراد من تعظيم الموت وتهويل أمره ، فإذا عللها مكررة في عجزه عللناه بهذا ، وبأن الكلام جملتان .

إذا علمت هذا فمثاله في الجملتين كقوله تعالى : واتقوا الله ويعلمكم الله ( البقرة : 282 ) وقوله : إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ( العنكبوت : 31 ) .

وقد أشكل الإظهار هاهنا ، والإضمار في المثل قوله إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين ( القصص : 32 ) .

وأجيب بأنه لما كان المراد في مدائن لوط إهلاك القرى صرح في الموضعين بذكر القرية التي يحل بها الهلاك ; كأنها اكتسبت الظلم معهم واستحقت الهلاك معهم ; إذ للبقاع تأثير في الطباع ، ولما كان المراد في قوم فرعون إهلاكهم بصفاتهم حيث كانوا ، ولم يهلك بلدهم ، أتى بالضمير العائد على ذواتهم من حيث هي من غير تعرض للمكان .

واعلم أنه متى طال الكلام حسن إيقاع الظاهر موضع المضمر ; كيلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه اللفظ ، فيفوته ما شرع فيه ، كما إذا كان ذلك في ابتداء آية أخرى ; كقوله تعالى : قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ( البقرة : 140 ) الآية .

وقوله : وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ( البقرة : 143 ) .

وقوله : يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس ( النور : 35 ) .

وقوله : رجال لا تلهيهم تجارة ( النور : 37 ) الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية