[ ص: 242 ] النوع السادس
علم المبهمات
وقد صنف فيه
أبو القاسم السهيلي كتابه المسمى بـ " التعريف والإعلام " ، وتلاه تلميذه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر [ ص: 243 ] في كتابه المسمى بـ " التكميل والإتمام " .
[ ص: 244 ] وهو نحو المبهمات المصنفة في علوم الحديث ، وكان في السلف من يعتني به ; قال
عكرمة : " طلبت الذي خرج في بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة " .
إلا أنه لا يبحث فيما أخبر الله باستئثاره بعلمه ; كقوله : (
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) ( الآية : 60 ) ، والعجب ممن تجرأ وقال : قيل : إنهم
قريظة ، وقيل : من الجن .
وله
أسباب :
الأول : أن يكون أبهم في موضع استغنى ببيانه في آخر في سياق الآية ; كقوله تعالى : (
مالك يوم الدين ) ( الفاتحة : 4 ) ، بينه بقوله : (
وما أدراك ما يوم الدين ) ( الانفطار : 17 ) الآية .
وقوله : (
الذين أنعمت عليهم ) ( الفاتحة : 7 ) ، وبينه بقوله : (
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) ( النساء : 69 ) .
وقوله : (
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) ( البقرة : 30 ) ، والمراد
آدم ، والسياق بينه .
وقوله : (
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( التوبة : 119 ) ، والمراد بهم
[ ص: 245 ] " المهاجرين " ; لقوله في " الحشر " : (
للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) ( الآية : 8 ) ، وقد احتج بها
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق على الأنصار يوم
السقيفة ، فقال : نحن الصادقون ، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا . أي : تبعا لنا ، وإنما استحقها دونهم ; لأنه
الصديق الأكبر .
وقوله تعالى : (
وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) ( المؤمنون :
) يعني
مريم وعيسى ، وقال : ( آية ) ولم يقل آيتين ، وهما آيتان ; لأنها قضية واحدة ، وهي ولادتها له من غير ذكر .
والثاني : أن يتعين لاشتهاره ; كقوله : (
اسكن أنت وزوجك الجنة ) ( البقرة : 35 ) ، ولم يقل : "
حواء " ; لأنه ليس غيرها .
وكقوله : (
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) ( البقرة : 258 ) ، والمراد
النمروذ ; لأنه المرسل إليه .
وقوله : (
وقال الذي اشتراه من مصر ) ( يوسف : 21 ) ، والمراد
العزيز .
وقوله : (
واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ) ( المائدة : 27 ) ، والمراد
قابيل وهابيل .
[ ص: 246 ] وقوله : (
يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ) ( الأنعام : 25 ) .
قالوا : وحيثما جاء في القرآن : (
أساطير الأولين ) فقائلها
النضر بن الحارث بن كلدة ، وإنما كان يقولها لأنه دخل
بلاد فارس ، وتعلم الأخبار ثم جاء ، وكان يقول : أنا أحدثكم أحسن مما يحدثكم
محمد ، وإنما يحدثكم أساطير الأولين . وفيه نزل : (
ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) ( الأنعام : 93 ) ، وقتله النبي صلى الله عليه وسلم صبرا يوم
بدر .
وقوله : (
لمسجد أسس على التقوى ) ( التوبة : 108 ) ، فإنه ترجح كونه
مسجد قباء بقوله : (
من أول يوم ) ; لأنه أسس قبل
مسجد المدينة ، وحدس هذا بأن اليوم قد يراد به المدة والوقت ، وكلاهما أسس على هذا من أول يوم ، أي : من أول عام من الهجرة ، وجاء في الحديث تفسيره
بمسجد المدينة ، وجمع بينهما بأن كليهما مراد الآية .
الثالث : قصد الستر عليه ; ليكون أبلغ في استعطافه ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن قوم شيء خطب فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018507ما بال رجال قالوا كذا وهو غالب ما في القرآن ، كقوله تعالى : (
أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ) ( البقرة : 100 ) ، قيل : هو
مالك بن الصيف .
[ ص: 247 ] وقوله : (
أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى ) ( البقرة : 108 ) ، والمراد هو
رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد .
وقوله : (
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) ( البقرة : 204 ) .
وقوله : (
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) ( النساء : 44 ) .
وقوله : (
وقالت طائفة من أهل الكتاب ) ( آل عمران : 72 ) . الرابع : ألا يكون في تعيينه كثير فائدة ; كقوله تعالى : (
أو كالذي مر على قرية ) ( البقرة : 259 ) ، والمراد بها
بيت المقدس .
(
واسألهم عن القرية ) ( الأعراف : 163 ) ، والمراد
أيلة ، وقيل :
طبرية .
[ ص: 248 ] (
فلولا كانت قرية ) ( يونس : 98 ) ، والمراد
نينوى .
(
أتيا أهل قرية ) ( الكهف : 77 ) ، قيل :
برقة .
فإن قيل : ما الفائدة في قوله : (
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ) ( الأنعام : 74 ) ؟ قيل : آزر اسم صنم ، وفي الكلام حذف ; أي : دع آزر ، وقيل : كلمة زجر ، وقيل : بل هو اسم أبيه . وعلى هذا فالفائدة أن الأب يطلق على الجد ، فقال " آزر " لرفع المجاز .
الخامس : التنبيه على التعميم ، وهو غير خاص بخلاف ما لو عين ; كقوله تعالى : (
ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ) ( النساء : 100 ) ، قال
عكرمة : أقمت أربع عشرة سنة أسأل عنه حتى عرفته ; هو
ضمرة بن العيص ، وكان من المستضعفين
بمكة ، وكان مريضا ، فلما نزلت آية الهجرة خرج منها ، فمات بالتنعيم .
وقوله : (
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ) ( البقرة : 274 ) ، قيل : نزلت في
علي رضي الله عنه ; كان معه أربعة دوانق ، فتصدق بواحد بالنهار ، وآخر بالليل ، وآخر سرا ، وآخر علانية .
وقوله : (
وما علمتم من الجوارح مكلبين ) ( المائدة : 4 ) ، قيل : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم ; كان له كلاب قد سماها بأسماء أعلام .
السادس : تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم ; كقوله : (
ولا يأتل أولو الفضل منكم ) ( النور : 22 ) ، والمراد الصديق .
[ ص: 249 ] وكذلك : (
والذي جاء بالصدق ) ( الزمر : 33 ) ، يعني
محمدا ، ، والذي (
وصدق به ) ( الزمر : 33 ) ، يعني
أبا بكر ، ودخل في الآية كل مصدق ، ولذلك قال : (
أولئك هم المتقون ) ( الزمر : 33 ) .
السابع : تحقيره بالوصف الناقص ، كقوله : (
إن الذين كفروا بآياتنا ) ( النساء : 56 ) ، وقوله : (
إن شانئك هو الأبتر ) ( الكوثر : 3 ) ، والمراد فيها
العاصي بن وائل .
وقوله : (
إن جاءكم فاسق بنبإ ) ( الحجرات : 6 ) ، والمراد
nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة بن أبي معيط .
وأما قوله : (
تبت يدا أبي لهب ) ( المسد : 1 ) ، فذكره هنالك للتنبيه على أن مآله للنار ذات اللهب .