الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
تنبيهات

الأول : قد يكون للشخص اسمان ، فيقتصر على أحدهما دون الآخر لنكتة ; فمنه قوله تعالى في خطاب الكتابيين : ( يا بني إسرائيل ) ، ولم يذكروا في القرآن إلا بهذا ، دون [ ص: 250 ] " يا بني يعقوب " ; وسره أن القوم لما خوطبوا بعبادة الله ، وذكروا بدين أسلافهم ، موعظة لهم ، وتنبيها من غفلتهم ، سموا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله ، فإن " إسرائيل " اسم مضاف إلى الله سبحانه في التأويل ، ولهذا لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم قوما إلى الإسلام يقال لهم : " بنو عبد الله " قال : يا بني عبد الله ، إن الله قد أحسن اسم أبيكم يحرضهم بذلك على ما يقتضيه اسمه من العبودية ، ولما ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره به قال : " يعقوب " ، وكان أولى من " إسرائيل " ; لأنها موهبة تعقب أخرى ، وبشرى عقب بها بشرى ، فقال : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ( هود : 71 ) ، وإن كان اسم يعقوب عبرانيا ، لكن لفظه موافق للعربي ، من العقب والتعقيب ، فانظر مشاكلة الاسمين للمقامين ، فإنه من العجائب .

وكذلك حيث ذكر الله نوحا سماه به ، واسمه عبد الغفار ; للتنبيه على كثرة نوحه على نفسه في طاعة ربه .

ومنه قوله تعالى حاكيا عن عيسى : ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) ( الصف : 6 ) ، ولم يقل : " محمد " ; لأنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد ، حمد ربه فنبأه وشرفه ، فلذلك تقدم على محمد فذكره عيسى به .

ومنه : أن مدين هم أصحاب الأيكة ، إلا أنه سبحانه حيث أخبر عن مدين قال : ( أخاهم شعيبا ) ( الأعراف : 85 ، هود : 84 ، العنكبوت : 36 ) ، وحيث أخبر عن الأيكة لم يقل : " أخوهم " ، والحكمة فيه أنه لما عرفهم بالنسب ، [ ص: 251 ] وهو أخوهم في ذلك النسب ذكره ، ولما عرفهم بالأيكة التي أصابهم فيها العذاب لم يقل : " أخوهم " ، وأخرجه عنهم .

ومنه : ( وذا النون ) ( الأنبياء : 87 ) ، فأضافه إلى الحوت ، والمراد " يونس " ، وقال في سورة " القلم " : ( ولا تكن كصاحب الحوت ) ( الآية : 48 ) ، والإضافة بـ " ذي " أشرف من الإضافة بـ " صاحب " ، ولفظ النون أشرف من الحوت ، ولذلك وجد في حروف التهجي كقوله : ( ن والقلم ) ( القلم : 1 ) ، وقد قيل : إنه قسم ، وليس في الآخر ما يشرفه بذلك .

ومنه قوله تعالى : ( تبت يدا أبي لهب ) ( المسد : 1 ) ، فعدل عن الاسم إلى الكنية ; إما لاشتهاره بها ، أو لقبح الاسم ، فقد كان اسمه عبد العزى .

واعلم أنه لم يسم الله قبيلة من جميع قبائل العرب باسمها إلا قريشا ; سماهم بذلك في القرآن ليبقى على مر الدهور ذكرهم ، فقال تعالى : ( لإيلاف قريش ) ( قريش : 1 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية