إخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة
لضرب من المسامحة وحسم العناد
كقوله :
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( سبأ : 24 ) وهو يعلم أنه على الهدى ، وأنهم على الضلال ، لكنه أخرج الكلام مخرج الشك ، تقاضيا ومسامحة ، ولا شك عنده ولا ارتياب .
[ ص: 464 ] وقوله :
قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ( الزخرف : 81 ) .
ونحوه :
فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( محمد : 22 ) أورده على طريق الاستفهام ، والمعنى : هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم لما تبين لكم من المشاهد ولاح منكم في المخايل
أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( محمد : 22 ) تهالكا على الدنيا ؟ .
وإنما أورد الكلام في الآية على طريق سوق غير المعلوم سياق غيره ؛ ليؤديهم التأمل في التوقع عمن يتصف بذلك إلى ما يجب أن يكون مسببا عنه من أولئك الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم ، فيلزمهم به على ألطف وجه ؛ إبقاء عليهم من أن يفاجئهم به وتأليفا لقلوبهم ، ولذلك التفت عن الخطاب إلى الغيبة تفاديا عن مواجهتهم بذلك .
وقد يخرج الواجب في صورة الممكن كقوله تعالى :
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( الإسراء : 79 ) .
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ( المائدة : 52 ) .
و
عسى ربكم أن يرحمكم ( الإسراء : 8 ) .
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ( البقرة : 216 ) الآية .
وقد يخرج الإطلاق في صورة التقييد كقوله :
حتى يلج الجمل في سم الخياط ( الأعراف : 40 ) .
ومنه قوله تعالى حاكيا عن
شعيب :
وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ( الأعراف : 89 ) فالمعنى : لا يكون أبدا من حيث علقه بمشيئة الله ؛ لما كان معلوما أنه لا يشاؤه ؛ إذ يستحيل ذلك على الأنبياء ، وكل أمر قد علق بما لا يكون فقد نفي كونه على أبعد الوجوه .
[ ص: 465 ] وقال
قطرب : في الكلام تقديم وتأخير ، والاستثناء من الكفار لا من
شعيب ، والمعنى :
لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا إلا أن يشاء الله أن تعودوا في ملتهم ، ثم قال تعالى حاكيا عن
شعيب :
وما يكون لنا أن نعود فيها ( الأعراف : 89 ) على كل حال .
وقيل : الهاء عائدة إلى القرية لا إلى الله .