إلجام الخصم بالحجة
وهو الاحتجاج على المعنى المقصود بحجة عقلية ، تقطع المعاند له فيه . والعجب
[ ص: 512 ] من
ابن المعتز في " بديعه " حيث أنكر وجود هذا النوع في القرآن ، وهو من أساليبه .
ومنه قوله تعالى :
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) ثم قال النحاة : إن الثاني امتنع لأجل امتناع الأول ، وخالفهم
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب ، وقال : الممتنع الأول لأجل الثاني ، فالتعدد منتف لأجل امتناع الفساد .
وقوله :
قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ( يس : 79 ) .
وقوله :
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( يس : 81 ) وقوله حكاية عن الخليل
وحاجه قومه إلى قوله :
وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه 3 .
وقوله :
وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ( الروم : 27 ) المعنى : أن الأهون أدخل في الإمكان من غيره ، وقد أمكن هو ، فالإعادة أدخل في الإمكان من بدء الخلق .
وقوله تعالى :
ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا . . . ( المؤمنون : 91 ) الآية ، وهذه حجة عقلية تقديرها : أنه لو كان خالقان لاستبد كل منهما بخلقه ، فكان الذي يقدر عليه أحدهما لا يقدر عليه الآخر ، ويؤدي إلى تناهي مقدوراتهما ، وذلك يبطل الإلهية ، فوجب أن يكون الإله واحدا ثم زاد في
[ ص: 513 ] الحجاج فقال :
ولعلا بعضهم على بعض ( المؤمنون : 91 ) أي : ولغلب بعضهم بعضا في المراد ، ولو أراد أحدهما إحياء جسم والآخر إماتته لم يصح ارتفاع مرادهما ؛ لأن رفع النقيضين محال ، ولا وقوعهما للتضاد ، فنفى وقوع أحدها دون الآخر ، وهو المغلوب ، وهذه تسمى
دلالة التمانع ، وهي كثيرة في القرآن ، كقوله تعالى :
إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ( الإسراء : 42 ) .
وقوله :
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ( الأنفال : 23 ) .
وقوله :
أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ( الواقعة : 58 ، 59 ) فبين أنا لم نخلق المني لتعذره علينا ، فوجب أن يكون الخالق غيرنا .
ومنه نوع منطقي وهو استنتاج النتيجة من مقدمتين ، وذلك من أول سورة الحج إلى قوله :
وأن الله يبعث من في القبور ( الآية : 7 ) فنطق على خمس نتائج من عشر مقدمات ؛ فالمقدمات من أول السورة إلى قوله :
وأنبتت من كل زوج بهيج ( الحج : 5 ) والنتائج من قوله :
ذلك بأن الله هو الحق ( الحج : 6 ) إلى قوله :
وأن الله يبعث من في القبور ( الحج : 7 ) .
وتفصيل ترتيب المقدمات والنتائج أن يقول : أخبر الله أن زلزلة الساعة شيء عظيم ، وخبره هو الحق ، ومن أخبر عن الغيب بالحق فهو حق بأنه هو الحق ، وأنه يأتي بالساعة على تلك الصفات ، ولا يعلم صدق الخبر إلا بإحياء الموتى ليدركوا ذلك ، ومن يأتي بالساعة يحيي الموتى ؛ فهو يحيي الموتى ، وأخبر أنه يجعل الناس من هول الساعة سكارى لشدة العذاب ، ولا يقدر على عموم الناس لشدة العذاب إلا من هو على كل شيء قدير ؛ فإنه على كل شيء قدير . وأخبر أن الساعة يجازى فيها من يجادل في الله بغير علم ، ولا بد من مجازاته ، ولا يجازى حتى تكون الساعة آتية ، ولا تأتي الساعة حتى يبعث من في القبور ، فهو يبعث
[ ص: 514 ] من في القبور ، والله ينزل الماء على الأرض الهامدة فتنبت من كل زوج بهيج ، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها يبعث من في القبور .
ومنه قوله تعالى :
ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد ( ص : 26 ) مقدمتان ونتيجة ؛ لأن اتباع الهوى يوجب الضلال ، والضلال يوجب سوء العذاب ؛ فأنتج أن اتباع الهوى يوجب سوء العذاب .
وقوله :
فلما أفل قال لا أحب الآفلين ( الأنعام : 76 ) أي : القمر أفل ، وربي ليس بآفل ، فالقمر ليس بربي ، أثبته بقياس اقتراني جلي من الشكل الثاني ، واحتج بالتعبير على الحدوث والحدوث على المحدث .