[ ص: 154 ] النوع السابع والأربعون
في الكلام على المفردات من الأدوات
والبحث عن
معاني الحروف مما يحتاج إليه المفسر لاختلاف مدلولها .
ولهذا توزع الكلام على حسب مواقعها ، وترجح استعمالها في بعض المحال على بعض بحسب مقتضى الحال . كما في قوله تعالى : (
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ( سبأ : 24 ) فاستعملت على في جانب الحق ، و " في " في جانب الباطل ، لأن صاحب الحق كأنه مستعل يرقب نظره كيف شاء ، ظاهرة له الأشياء ، وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام ولا يدري أين توجه .
وكما في قوله تعالى : (
فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) ( الكهف : 19 ) فعطف هذه الجمل الثلاث بالفاء ، ثم لما انقطع نظام الترتيب عطف بالواو ، فقال تعالى : (
وليتلطف ) ( الكهف : 19 ) إذ لم يكن التلطف مترتبا على الإتيان بالطعام ، كما كان الإتيان منه مرتبا على التوجه في طلبه ، والتوجه في طلبه مترتبا على قطع الجدال في المسألة عن مدة اللبث بتسليم العلم له سبحانه .
وكما في قوله تعالى : (
إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) ( التوبة : 60 )
[ ص: 155 ] الآية فعدل عن اللام إلى " في " في الأربعة الأخيرة إيذانا بأنهم أكثر استحقاقا للتصدق عليهم ممن سبق ذكره باللام ، لأن في للوعاء ، فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم ، كما يوضع الشيء في وعائه مستقرا فيه . وفي تكرير حرف الظرف داخلا على سبيل الله دليل على ترجيحه على الرقاب والغارمين .
قال
الفارسي : وإنما قال : ( وفي الرقاب ) ولم يقل وللرقاب ليدل على أن العبد لا يملك . وفيه نظر ; بل ما ذكرناه من الحكمة فيه أقرب . وكما في قوله تعالى : (
وقد أحسن بي ) ( يوسف : 100 ) فإنه يقال : " أحسن بي وإلي ، وهي مختلفة المعاني وأليقها
بيوسف عليه السلام بي " ، لأنه إحسان درج فيه دون أن يقصد الغاية التي صار إليها . وكما في قوله تعالى : (
ولأصلبنكم في جذوع النخل ) ( طه : 71 ) ولم يقل " على " كما ظن بعضهم ، لأن " على " للاستعلاء ، والمصلوب لا يجعل على رءوس النخل ، وإنما يصلب في وسطها فكانت " في " أحسن من " على " .
وقال : (
كل من عليها فان ) ( الرحمن : 26 ) ولم يقل : كل من في الأرض ، لأن عند الفناء ليس هناك حال القرار والتمكين .
وقال : (
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) ( الفرقان : 63 ) وقال : (
ولا تمش في الأرض مرحا ) ( الإسراء : 37 ) ، ( لقمان : 18 ) ، وما قال " على الأرض " ، وذلك لما وصف العباد بين أنهم لم يوطنوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما هم عليها مستوقرون . ولما أرشده ونهاه عن فعل التبختر ، قال : ولا تمش فيها مرحا ، بل امش عليها هونا . وقال تعالى : (
يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) ( التوبة : 61 ) .
[ ص: 156 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الحمد لله الذي قال : (
عن صلاتهم ساهون ) ( الماعون : 5 ) ولم يقل : " في صلاتهم " .
وقال صاحب الكشاف في قوله تعالى : (
ومن بيننا وبينك حجاب ) ( فصلت : 5 ) فلو سقطت " من " جاز كون الحجاب في الوسط فيما بينك وبينه ، وإن تباعدت . وإذا أتيت " بمن " أفادت أن الحجاب ابتداء من أول ما ينطلق عليه " من " ، وانتهى إلى غايته ، فكأن الحجاب قد ملأ ما بينك وبينه .
وقال : كرر الجار في قوله تعالى : (
وعلى سمعهم ) ( البقرة : 7 ) ليكون أدل على شدة الختم في الموضعين حين استجد له تعدية أخرى . وهذا كثير لا يمكن إحصاؤه ، والمعين عليه
معاني المفردات فلنذكر مهمات مطالبها على وجه الاختصار .
1 - الهمزة .
أصلها الاستفهام ، وهو طلب الإفهام . وتأتي لطلب التصور ، والتصديق ، بخلاف " هل " فإنها للتصور خاصة ، والهمزة أغلب دورانا ، ولذلك كانت أم الباب . واختصت بدخولها على الواو ، نحو : (
أوكلما عاهدوا ) ( البقرة : 100 ) . وعلى الفاء ، نحو : (
أفأمن أهل القرى ) ( الأعراف : 97 ) . وعلى ثم ، نحو : (
أثم إذا ما وقع ) ( يونس : 51 ) .
و " هل " أظهر في الاختصاص بالفعل من الهمزة ، وأما قوله تعالى : (
فهل أنتم شاكرون ) ( الأنبياء : 80 ) (
فهل أنتم منتهون ) ( المائدة : 91 ) و (
فهل أنتم مسلمون )
[ ص: 157 ] ( هود : 14 ) فذلك لتأكيد الطلب للأوصاف الثلاث من حيث أن الجملة الاسمية أدل على حصول المطلوب وثبوته ، وهو أدل على طلبه من " فهل تشكرون " " وهل تسلمون " لإفادة التجدد ، واعلم أنه يعدل بالهمزة عن أصلها ، فيتجوز بها عن النفي ، والإيجاب ، والتقرير ، والتوبيخ ، وغير ذلك من المعاني السالفة في بحث الاستفهام مشروحة ، فانظره فيه