[ اللف والنشر ]
اللف والنشر : هو أن يذكر شيئان أو أشياء ، إما تفصيلا بالنص على كل واحد ، أو
[ ص: 177 ] إجمالا بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدد ثم يذكر أشياء على عدد ذلك ، كل واحد يرجع إلى واحد من المتقدم ، ويفوض إلى عقل السامع رد كل واحد إلى ما يليق به .
فالإجمالي : كقوله تعالى :
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [ البقرة : 111 ] ؛ أي : وقالت
اليهود : لن يدخل الجنة إلا
اليهود ، وقالت
النصارى : لن يدخل الجنة إلا
النصارى ، وإنما سوغ الإجمال في اللف ثبوت العناد بين
اليهود والنصارى ، فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة ، فوثق بالعقل في أنه يرد كل قول إلى فريقه لأمن اللبس ، وقائل ذلك
يهود المدينة ونصارى نجران .
قلت : وقد يكون الإجمال في النشر لا في اللف ، بأن يؤتى بمتعدد ، ثم بلفظ يشتمل على متعدد يصلح لهما كقوله تعالى :
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ البقرة : 187 ] ، على قول
أبي عبيدة : أن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل ، وقد بينته في أسرار التنزيل .
والتفصيلي قسمان : أحدهما أن يكون على ترتيب اللف ، كقوله تعالى :
جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله [ القصص : 73 ] ، فالسكون راجع إلى الليل ، والابتغاء راجع إلى النهار .
وقوله تعالى :
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا [ الإسراء : 29 ] ، فاللوم راجع إلى البخل و ( محسورا ) راجع إلى الإسراف ؛ لأن معناه منقطعا لا شيء عندك .
وقوله :
ألم يجدك يتيما الآيات ، فإن قوله :
فأما اليتيم فلا تقهر راجع إلى قوله :
ألم يجدك يتيما فآوى ،
وأما السائل فلا تنهر راجع إلى قوله :
ووجدك ضالا ، فإن المراد السائل عن العلم ، كما فسره
مجاهد وغيره .
وأما بنعمة ربك فحدث راجع إلى قوله :
ووجدك عائلا فأغنى [ الضحى : 6 - 11 ] ، رأيت هذا المثال في شرح الوسيط
للنووي المسمى ب " التنقيح " .
[ ص: 178 ] والثاني : أن يكون على عكس ترتيبه كقوله تعالى :
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم [ آل عمران : 106 ] ، وجعل منه جماعة قوله تعالى :
حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ البقرة : 214 ] ، قالوا :
متى نصر الله قول الذين آمنوا .
ألا إن نصر الله قريب قول الرسول : وذكر الزمخشري له قسما آخر كقوله تعالى :
ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله [ الروم : 23 ] ، قال : هذا من باب اللف ، وتقديره : ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار ، إلا أنه فصل بين ( منامكم ) و ( وابتغاؤكم ) بالليل والنهار ؛ لأنهما زمانان ، والزمان والواقع فيه كشيء واحد مع إقامة اللف على الاتحاد .