[ ص: 19 ] سورة البقرة بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى : (
الم ( 1 ) ) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم ; فألف : اسم يعبر به عن مثل الحرف الذي في قال . ولام يعبر بها عن الحرف الأخير من قال . وكذلك ما أشبهها والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه وهي مبنية ; لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشيء وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها فهي كالأصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب .
وفي موضع (
الم ) ثلاثة أوجه : أحدها : الجر على القسم ، وحرف القسم محذوف ، وبقي عمله بعد الحذف ; لأنه مراد فهو كالملفوظ به كما قالوا الله لتفعلن في لغة من جر والثاني موضعها نصب وفيه وجهان : أحدهما : هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لأفعلن ، والناصب فعل محذوف تقديره التزمت الله أي اليمين به . والثاني هي مفعول بها تقديره : اتل الـم . والوجه الثالث : موضعها رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر .
قال تعالى : (
ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ( 2 ) ) .
قوله عز وجل : ( ذلك ) : ذا اسم إشارة ، والألف من جملة الاسم .
[ ص: 20 ] وقال
الكوفيون الذال وحدها هي الاسم ، والألف زيدت لتكثير الكلمة ، واستدلوا على ذلك بقولهم : ذه أمة الله ; وليس ذلك بشيء ; لأن هذا الاسم اسم ظاهر ، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه ، ويدل على ذلك قولهم في التصفير : ذيا فردوه إلى الثلاثي ، والهاء في ذه بدل من الياء في ذي .
وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه .
وقيل هي بدل من ها ; ألا تراك تقول هذا ، وهذاك ; ولا يجوز هذلك .
وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان ، وكسرت على أصل التقاء الساكنين ، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر ، إذ لو فتحتها فقلت : ذلك ، لالتبس بمعنى الملك .
وقيل : ذلك هاهنا بمعنى هذا . وموضعه رفع ، إما على أنه خبر الم ، والكتاب عطف بيان ، ولا ريب في موضع نصب على الحال ، أي هذا الكتاب حقا أو غير ذي شك ، وإما أن يكون ذلك مبتدأ ، والكتاب خبره ، ولا ريب حال ، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ، ولا ريب فيه الخبر ، وريب مبني عند الأكثرين ; لأنه ركب مع لا ، وصير بمنزلة خمسة عشر ، وعلة بنائه تضمنه معنى من ، إذ التقدير لا من ريب ، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفي الجنس ، ألا ترى أنك تقول لا رجل في الدار فتنفي الواحد وما زاد عليه ، فإذا قلت لا رجل في الدار ، فرفعت ونونت ، نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر .
وقوله : ( فيه ) فيه وجهان : أحدهما : هو في موضع خبر لا ، ويتعلق بمحذوف تقديره لا ريب كائن فيه ، فيقف حينئذ على فيه . والوجه الثاني : أن يكون لا ريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به ، ثم تستأنف ، فتقول فيه هدى ، فيكون هدى مبتدأ ، وفيه الخبر ، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ، ويتعلق في على الوجهين بفعل محذوف . وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء ; لقولك : هديت والهدى .
[ ص: 21 ] وفي موضعه وجهان : أحدهما : رفع ، إما مبتدأ ، أو فاعل على ما ذكرنا ; وإما أن يكون خبر مبتدأ محذوف ; أي هو هدى ; وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر .
والوجه الثاني : أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه ; أي لا ريب فيه هاديا ، فالمصدر في معنى اسم الفاعل ، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره : أحققه هاديا . ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله ذلك .
قوله تعالى : (
للمتقين ) اللام متعلقة بمحذوف تقديره : كائن أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى ، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى ; لأنه مصدر ، والمصدر يعمل عمل الفعل ، وواحد المتقين متقي ، وأصل الكلمة من وقى فعل ، ففاؤها واو ، ولامها ياء ، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء ، وأدغمتها في التاء الأخرى ، فقلت : اتقى ، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه ، نحو متق ومتقى .
ومتق : اسم ناقص ، وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها ; كقولك : متقون ومتقين ووزنه في الأصل مفتعلون ; لأن أصله موتقيون ، فحذفت اللام لما ذكرناه فوزنه الآن مفتعون ومفتعين ، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع ; لأن علامة الجمع دالة على معنى ، إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل ، فكان إبقاؤها أولى .