قال تعالى : (
اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) ( 5 ) .
قوله تعالى : (
وطعام الذين ) : مبتدأ ، " وحل لكم " خبره ، ويجوز أن يكون معطوفا على الطيبات ، وحل لكم خبر مبتدأ محذوف . (
وطعامكم حل لهم ) : مبتدأ ، وخبر . ( والمحصنات ) : معطوف على الطيبات ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ أي : والمحصنات من المؤمنات حل لكم أيضا ، و ( حل ) : مصدر بمعنى الحلال ، فلا يثنى ولا يجمع . و (
من المؤمنات ) : حال من الضمير في المحصنات ، أو من نفس المحصنات إذا عطفتها على الطيبات . (
إذا آتيتموهن ) : طرف لأحل أو لـ " حل " المحذوفة . ( محصنين ) :
[ ص: 317 ] حال من الضمير المرفوع في آتيتموهن ؛ فيكون العامل آتيتم ، ويجوز أن يكون العامل أحل أو " حل " المحذوفة . ( غير ) : صفة لمحصنين ، أو حال من الضمير الذي فيها . (
ولا متخذي ) : معطوف على " غير " ، فيكون منصوبا ، ويجوز أن يعطف على مسافحين ، وتكون لا لتأكيد النفي . (
ومن يكفر بالإيمان ) : أي : بالمؤمن به ، فهو مصدر في موضع المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق . وقيل التقدير : بموجب الإيمان ، وهو الله . (
وهو في الآخرة من الخاسرين ) : إعرابه مثل إعراب : (
وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ البقرة : 130 ] وقد ذكر في البقرة .
قال تعالى : (
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) ( 6 ) .
قوله تعالى : (
إلى المرافق ) : قيل : " إلى " بمعنى " مع " كقوله : ويزدكم قوة إلى قوتكم ، وليس هذا المختار ، والصحيح أنها على بابها ، وأنها لانتهاء الغاية ، وإنما وجب غسل المرافق بالسنة ، وليس بينهما تناقض ؛ لأن " إلى " تدل على انتهاء الفعل ، ولا يتعرض بنفي المحدود إليه ، ولا بإثباته ، ألا ترى أنك إذا قلت : سرت إلى الكوفة ، فغير ممتنع أن تكون بلغت أول حدودها ، ولم تدخلها ، وأن تكون دخلتها ، فلو قام الدليل على أنك دخلتها ، لم يكن مناقضا لقولك : سرت إلى الكوفة ، فعلى هذا تكون " إلى " متعلقة بـ " اغسلوا " .
ويجوز أن تكون في موضع الحال ، وتتعلق بمحذوف ، والتقدير : وأيديكم مضافة إلى المرافق .
(
برءوسكم ) : الباء زائدة ، وقال من لا خبرة له بالعربية : الباء في مثل هذا للتبعيض ، وليس بشيء يعرفه أهل النحو . ووجه دخولها أنها تدل على إلصاق المسح بالرأس . ( وأرجلكم ) : يقرأ بالنصب ، وفيه وجهان :
[ ص: 318 ] أحدهما : هو معطوف على الوجوه والأيدي ؛ أي : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، وذلك جائز في العربية بلا خلاف ، والسنة الدلالة على وجوب غسل الرجلين تقوي ذلك . والثاني : أنه معطوف على موضع برءوسكم ، والأول أقوى ؛ لأن العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع .
ويقرأ في الشذوذ بالرفع على الابتداء ؛ أي : وأرجلكم مغسولة كذلك ، ويقرأ بالجر ، وهو مشهور أيضا كشهرة النصب ، وفيها وجهان : أحدهما : أنها معطوفة على الرءوس في الإعراب ، والحكم مختلف ، فالرءوس ممسوحة ، والأرجل مغسولة ، وهو الإعراب الذي يقال هو على الجوار ، وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته ، فقد جاء في القرآن والشعر ، فمن القرآن قوله تعالى : (
وحور عين ) [ الواقعة : 22 ] على قراءة من جر ، وهو معطوف على قوله : (
بأكواب وأباريق ) والمعنى مختلف ؛ إذ ليس المعنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين قال الشاعر وهو النابغة : لم يبق إلا أسير غير منفلت أو موثق في حبال القيد مجنوب .
والقوافي مجرورة ، والجوار مشهور عندهم في الإعراب ، وقلب الحروف ببعضها إلى بعض والتأنيث وغير ذلك . فمن الإعراب ما ذكرنا في العطف ، ومن الصفات قوله : (
عذاب يوم محيط ) [ هود : 84 ] واليوم ليس بمحيط ، وإنما المحيط العذاب .
وكذلك قوله : (
في يوم عاصف ) [ إبراهيم : 18 ] واليوم ليس بعاصف ، وإنما العاصف الريح ، ومن قلب الحروف قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=995795ارجعن مأزورات غير مأجورات " . والأصل موزورات ، ولكن أريد التآخي ، وكذلك قولهم : إنه لا يأتينا بالغدايا والعشايا ، ومن التأنيث قوله : (
فله عشر أمثالها ) [ الأنعام : 160 ] فحذفت التاء من عشر ، وهي مضافة إلى الأمثال ، وهي مذكرة ، ولكن لما جاورت الأمثال الضمير المؤنث أجرى عليها حكمه ، وكذلك قول الشاعر :
لما أتى خبر الزبير تضعضعت سور المدينة والجبال الخشع
.
وقولهم : ذهبت بعض أصابعه .
ومما راعت العرب فيه الجوار قولهم : قامت هند ، فلم يجيزوا حذف التاء إذا لم يفصل بينهما ؛ فإن فصلوا بينهما أجازوا حذفها ، ولا فرق بينهما إلا المجاورة ، وعدم
[ ص: 319 ] المجاورة . ومن ذلك قولهم : قام زيد وعمرا كلمته - استحسنوا النصب بفعل محذوف لمجاورة الجملة اسما قد عمل فيه الفعل ، ومن ذلك قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة في قولهم : أوائل ؛ كما لو وقعت طرفا ، وكذلك إذا بعدت عن الطرف لا تقلب نحو طواويس ، وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد ، وقد جعل النحويون له بابا ، ورتبوا عليه مسائل ، ثم أصلوه بقولهم : " جحر ضب خرب " حتى اختلفوا في جواز جر التثنية والجمع . فأجاز الإتباع فيهما جماعة من حذاقهم ، قياسا على المفرد المسموع ، ولو كان لا وجه له في القياس بحال ، لاقتصروا فيه على المسموع فقط ، ويؤيد ما ذكرناه أن الجر في الآية قد أجيز غيره ، وهو النصب ، والرفع والنصب غير قاطعين ، ولا ظاهرين على أن حكم الرجلين المسح ، وكذلك الجر يجب أن يكون كالنصب والرفع في الحكم دون الإعراب . والوجه الثاني : أن يكون جر الأرجل بجار محذوف تقديره : وافعلوا بأرجلكم غسلا ، وحذف الجار وإبقاء الجر جائز ، قال الشاعر :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها
.
وقال
زهير :
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
.
فجر بتقدير الباء ، وليس بموضع ضرورة . وقد أفردت لهذه المسألة كتابا .
(
إلى الكعبين ) : مثل " إلى المرافق " وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين ؛ لأن الممسوح ليس بمحدود ، والتحديد في المغسول الذي أريد بعضه ، وهو قوله : " وأيديكم إلى المرافق " ولم يحدد الوجه ؛ لأن المراد جميعه . (
وأيديكم منه ) : " منه " في موضع نصب بامسحوا . ( ليجعل ) : اللام غير زائدة ، ومفعول يريد محذوف تقديره : ما يريد الله الرخصة في التيمم ليجعل عليكم حرجا ، وقيل : اللام زائدة ، وهذا ضعيف ؛ لأن أن غير ملفوظ بها ، وإنما يصح أن يكون الفعل مفعولا لـ " يريد " بأن ، ومثله : (
ولكن يريد ليطهركم ) ؛ أي : يريد ذلك ليطهركم . ( عليكم ) : يتعلق بيتم ، ويجوز أن يتعلق بالنعمة ، ويجوز أن يكون حالا من النعمة .