[ ص: 455 ] سورة الأنفال .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : (
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) ( 1 ) .
قوله تعالى : (
عن الأنفال ) : الجمهور على إظهار النون ، ويقرأ بإدغامها في اللام ، وقد ذكر في قوله : عن الأهلة [ البقرة : 189 ] .
و (
ذات بينكم ) : قد ذكر في آل عمران عند قوله : (
بذات الصدور ) [ آل عمران : 154 ] .
قال تعالى : (
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) ( 2 ) .
قوله تعالى : (
وجلت ) : مستقبله توجل بفتح التاء وسكون الواو ، وهي اللغة الجيدة ، ومنهم من يقلب الواو ألفا تخفيفا ، ومنهم من يقلبها ياء بعد كسر التاء ، وهو على لغة من كسر حرف المضارعة ، وانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها . ومنهم من يفتح التاء مع سكون الياء ، فتركب من اللغتين لغة ثالثة ، فتفتح الأول على اللغة الفاشية ، وتقلب الواو ياء على الأخرى . (
وعلى ربهم يتوكلون ) : يجوز أن تكون الجملة حالا من ضمير المفعول في زادتهم ، ويجوز أن يكون مستأنفا .
قال تعالى : (
أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) ( 4 ) .
قوله تعالى : (
حقا ) : قد ذكر مثله في النساء .
و (
عند ربهم ) : ظرف ، والعامل فيه الاستقرار ؛ ويجوز أن يكون العامل فيه درجات ؛ لأن المراد به الأجور .
[ ص: 456 ] قال تعالى : (
كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) ( 5 ) .
قوله تعالى : (
كما أخرجك ) : في موضع الكاف أوجه : أحدها : أنها صفة لمصدر محذوف ، ثم في ذلك المصدر أوجه ، تقديره : ثابتة لله ثبوتا كما أخرجك . والثاني : وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا ، كما أخرجك ، وفي هذا رجوع من خطاب الجمع إلى خطاب الواحد . والثالث تقديره : وأطيعوا الله طاعة كما أخرجك ، والمعنى طاعة محققة . والرابع تقديره : يتوكلون توكلا كما أخرجك . والخامس : هو صفة لحق تقديره : أولئك هم المؤمنون حقا ؛ مثل ما أخرجك . والسادس تقديره : يجادلونك جدالا كما أخرجك . والسابع تقديره : وهم كارهون كراهية كما أخرجك ؛ أي : ككراهيتهم ، أو كراهيتك لإخراجك .
وقد ذهب قوم إلى أن الكاف بمعنى الواو التي للقسم ، وهو بعيد .
و " ما " مصدرية وبـ " ـالحق " حال وقد ذكر نظائره . (
وإن فريقا ) : الواو هنا واو الحال .
قال تعالى : (
وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ) ( 7 ) .
قوله تعالى : (
وإذ يعدكم ) : إذ في موضع نصب ؛ أي : واذكروا ، والجمهور على ضم الدال ، ومنهم من يسكنها تخفيفا لتوالي الحركات . و ( إحدى ) : مفعول ثان .
و (
أنها لكم ) : في موضع نصب بدلا من إحدى بدل الاشتمال ، والتقدير : وإذ يعدكم الله ملكة إحدى الطائفتين .
قال تعالى : (
إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ( 9 ) .
قوله تعالى : (
إذ تستغيثون ) : يجوز أن يكون بدلا من " إذ " الأولى ، وأن يكون التقدير : اذكروا ، ويجوز أن يكون ظرفا لتودون .
( بألف ) : الجمهور على إفراد لفظة الألف .
ويقرأ " بآلف " على أفعل مثل أفلس ، وهو معنى قوله : (
بخمسة آلاف ) [ آل عمران : 125 ] .
[ ص: 457 ] (
مردفين ) : يقرأ بضم الميم ، وكسر الدال وإسكان الراء ، وفعله " أردف " ، والمفعول محذوف ؛ أي : مردفين أمثالهم .
ويقرأ بفتح الدال على ما لم يسم فاعله ؛ أي : أردفوا بأمثالهم .
ويجوز أن يكون المردفون من جاء بعد الأوائل ؛ أي : جعلوا ردفا للأوائل ، ويقرأ بضم الميم ، وكسر الدال ، وتشديدها وعلى هذا في الراء ثلاثة أوجه : الفتح ، وأصلها مرتدفين ، فنقلت حركة التاء إلى الراء ، وأبدلت دالا ليصح إدغامها في الدال ، وكان تغيير التاء أولى ؛ لأنها مهموسة ، والدال مجهورة ، وتغيير الضعيف إلى القوي أولى . والثاني : كسر الراء على إتباعها لكسرة الدال ، أو على الأصل في التقاء الساكنين . والثالث : الضم إتباعا لضمة الميم .
ويقرأ بكسر الميم والراء على إتباع الميم الراء .
وقيل : من قرأ بفتح الراء وتشديد الدال فهو من ردف بتضعيف العين للتكثير ، أو أن التشديد بدل من الهمزة كأفرجته وفرجته .