[ ص: 18 ] قال تعالى : (
قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون ( 77 ) ) . قوله تعالى : (
أتقولون للحق لما جاءكم ) : المحكي بيقول محذوف ; أي أتقولون له : هو سحر ! ثم استأنف ، فقال : " أسحر هذا " ؟ و " سحر " خبر مقدم ، وهذا مبتدأ .
قال تعالى : (
قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين ( 78 ) ) .
قوله تعالى : (
الكبرياء في الأرض ) : هو اسم كان ، و " لكم " خبرها . و " في الأرض " ظرف للكبرياء منصوب بها ، أو بكان ، أو بالاستقرار في " لكما " . ويجوز أن يكون حالا من الكبرياء ، أو من الضمير في " لكما " .
قال تعالى : (
فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( 81 ) ) .
قوله تعالى : (
ما جئتم به السحر ) : يقرأ بالاستفهام ; فعلى هذا تكون ( ما ) استفهاما ، وفي موضعها وجهان : أحدهما نصب بفعل محذوف موضعه بعد ( ما ) تقديره : أي شيء أتيتم به ، و " جئتم به " يفسر المحذوف .
فعلى هذا في قوله : ( السحر ) وجهان أحدهما : هو خبر مبتدأ محذوف ; أي هو السحر . والثاني : أن يكون الخبر محذوفا ; أي السحر هو .
والثاني : موضعها رفع بالابتداء ، و " جئتم به " الخبر .
و ( السحر ) فيه وجهان ; أحدهما : ما تقدم من الوجهين . والثاني : هو بدل من موضع ( ما ) كما تقول : ما عندك أدينار أم درهم ؟ .
ويقرأ على لفظ الخبر وفيه وجهان : أحدهما : استفهام أيضا في المعنى ، وحذفت الهمزة للعلم بها . والثاني : هو خبر في المعنى ; فعلى هذا تكون ( ما ) بمعنى الذي ، و " جئتم به " صلتها ، و " السحر " خبرها .
ويجوز أن تكون ( ما ) استفهاما ، و ( السحر ) خبر مبتدأ محذوف .
[ ص: 19 ] قال تعالى : (
فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين ( 83 ) ) .
قوله تعالى : (
وملئهم ) : فيما يعود الهاء والميم إليه أوجه : أحدها : هو عائد على الذرية ، ولم تؤنث لأن الذرية قوم ; فهو مذكر في المعنى . والثاني : هو عائد على القوم . والثالث : يعود على
فرعون ; وإنما جمع لوجهين : أحدهما : أن
فرعون لما كان عظيما عندهم عاد الضمير إليه بلفظ الجمع ، كما يقول العظيم : نحن نأمر . والثاني : أن
فرعون صار اسما لأتباعه ; كما أن ثمود اسم للقبيلة كلها . وقيل : الضمير يعود على محذوف تقديره : من آل
فرعون وملئهم ; أي ملأ الآل ، وهذا عندنا غلط ; لأن المحذوف لا يعود إليه ضمير ; إذ لو جاز ذلك لجاز أن تقول : زيد قاموا وأنت تريد : غلمان زيد قاموا .
(
أن يفتنهم ) : هو في موضع جر بدلا من
فرعون ; تقديره : على خوف فتنة من
فرعون .
ويجوز أن يكون في موضع نصب بخوف ; أي على خوف فتنة
فرعون .
قال تعالى : (
وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ( 87 ) ) .
قوله تعالى : (
أن تبوآ ) : يجوز أن تكون ( أن ) المفسرة ولا يكون لها موضع من الإعراب . وأن تكون مصدرية فتكون في موضع نصب بأوحينا .
والجمهور على تحقيق الهمزة ، ومنهم من جعلها ياء وهي مبدلة من الهمزة تخفيفا .
(
لقومكما ) : فيه وجهان ؛ أحدهما : اللام غير زائدة ، والتقدير : اتخذا لقومكما بيوتا ; فعلى هذا يجوز أن يكون لقومكما أحد مفعولي تبوءا ، وأن يكون حالا من البيوت . والثاني : اللام زائدة ، والتقدير : بوئا قومكما بيوتا ; أي أنزلاهم ، وتفعل وفعل بمعنى ، مثل علقها وتعلقها .
فأما قوله " بمصر " فيجوز أن يتعلق بتبوءا ، وأن يكون حالا من البيوت ، وأن يكون حالا من قومكما . وأن يكون حالا من ضمير الفاعل في تبوأ ، وفيه ضعف .
[ ص: 20 ] (
واجعلوا ) - (
وأقيموا ) : إنما جمع فيهما ; لأنه أراد
موسى وهارون - صلوات الله عليهما - وقومهما ، وأفرد في قوله : " وبشر " ; لأنه أراد
موسى عليه السلام وحده ; إذ كان هو الرسول ،
وهارون وزيرا له ;
فموسى عليه السلام هو الأصل .