[ ص: 303 ] سورة الروم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (
غلبت الروم ( 2 )
في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 )
في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ( 4 )
بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ( 5 ) ) .
قوله تعالى : (
من بعد غلبهم ) : المصدر مضاف إلى المفعول .
و (
في بضع ) : يتعلق بيغلبون .
و (
من قبل ومن بعد ) : مبنيان على الضم في المشهور ، ولقطعهما عن الإضافة . وقرئ شاذا بالكسر فيهما على إرادة المضاف إليه ، كما قال الفرزدق :
يا من رأى عارضا يسر به بين ذراعي وجبهة الأسد إلا أنه في البيت أقرب ؛ لأن ذكر المضاف إليه في أحدهما يدل على الآخر .
ويقرأ بالجر والتنوين على إعرابهما كإعرابهما مضافين ؛ والتقدير : من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء . ( ويومئذ ) : منصوب بـ " يفرح " .
و (
بنصر الله ) : يتعلق به أيضا ؛ ويجوز أن يتعلق بـ " ينصر " .
قال تعالى : (
وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 6 ) ) .
قوله تعالى : (
وعد الله ) : هو مصدر مؤكد ؛ أي وعد الله وعدا ، ودل ما تقدم على الفعل المحذوف ؛ لأنه وعد .
قال تعالى : (
أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ( 8 ) ) .
قوله تعالى : (
ما خلق الله ) : " ما " نافية ، وفي التقدير وجهان :
أحدهما : هو مستأنف لا موضع له ، والكلام تام قبله . و " أولم يتفكروا " مثل : (
أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ) [ الأعراف : 185 ] والثاني : موضعه نصب بيتفكروا ، والنفي لا يمنع ذلك ، كما لم يمنع في قوله تعالى : (
وظنوا ما لهم من محيص ) [ فصلت : 48 ] و (
بلقاء ربهم ) : يتعلق بـ " كافرون " واللام لا تمنع ذلك . والله أعلم .
[ ص: 304 ] قال تعالى : (
أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 9 ) ) .
قوله تعالى : (
وأثاروا الأرض ) : قرئ شاذا بألف بعد الهمزة ، وهو للإشباع لا غير .
( أكثر ) : صفة مصدر محذوف و " ما " مصدرية .
قال تعالى : (
ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ( 10 ) ) .
قوله تعالى : (
ثم كان عاقبة [ الذين أساءوا ] السوأى ) : يقرأ بالرفع والنصب ، فمن رفع جعله اسم كان ، وفي الخبر وجهان : أحدهما : " السوأى " و "
أن كذبوا " في موضع نصب مفعولا له ؛ أي لأن كذبوا ، أو بأن كذبوا ، أو في موضع جر بتقدير الجار على قول
الخليل . والثاني : "
أن كذبوا " أي كان آخر أمرهم التكذيب ، و " السوأى " على هذا صفة مصدر . ومن نصب جعلها خبر كان ، وفي الاسم وجهان :
أحدهما : " السوأى " والآخر : "
أن كذبوا " على ما تقدم .
ويجوز أن يجعل أن " كذبوا " بدلا من السوأى ، أو خبر مبتدأ محذوف .
والسوأى : فعلى ، تأنيث الأسوأ ؛ وهي صفة لمصدر محذوف ، والتقدير : أساءوا الإساءة السوأى ، وإن جعلتها اسما أو خبرا كان التقدير : الفعلة السوأى ، أو العقوبة السوأى .
قال تعالى : (
ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( 12 ) ) .
(
يبلس المجرمون ) : الجمهور على تسمية الفاعل .
وقد حكي شاذا ترك التسمية ؛ وهذا بعيد ؛ لأن أبلس لم يستعمل متعديا ، ومخرجه أن يكون أقام المصدر مقام الفاعل وحذفه ، وأقام المضاف إليه مقامه ؛ أي يبلس إبلاس المجرمين .
قال تعالى : (
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ( 17 ) ) .
قوله تعالى : (
حين تمسون ) : الجمهور على الإضافة ، والعامل فيه " سبحان " .
وقرئ منونا على أن يجعل "
تمسون " صفة له ، والعائد المحذوف ؛ أي تمسون فيه ؛ كقوله تعالى : (
واتقوا يوما لا تجزي ) [ البقرة : 48 ] .
[ ص: 305 ] قال تعالى : (
وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ( 18 ) ) .
قوله تعالى : (
وعشيا ) : هو معطوف على " حين " ، " وله الحمد " : معترض . و " في السماوات " : حال من الحمد .
قال تعالى : (
ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( 24 ) ) .
قوله تعالى : (
ومن آياته يريكم البرق ) : فيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن (
من آياته ) : حال من البرق ؛ أي يريكم البرق كائنا من آياته ، إلا أن حق الواو أن تدخل هنا على الفعل ، ولكن لما قدم الحال وكانت من جملة المعطوف ؛ أولاها الواو ، وحسن ذلك أن الجار والمجرور في حكم الظرف ؛ فهو كقوله : (
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة . . ) [ البقرة : 201 ] .
والوجه الثاني : أن " أن " محذوفة ؛ أي ومن آياته أن يريكم ، وإن حذفت " أن " في مثل هذا جاز رفع الفعل . والثالث : أن يكون الموصوف محذوفا ؛ أي ومن آياته آية يريكم فيها البرق ؛ فحذف الموصوف والعائد . ويجوز أن يكون التقدير : ومن آياته شيء ، أو سحاب ؛ ويكون فاعل يريكم ضمير شيء المحذوف .
قال تعالى : (
ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ( 25 ) ) .
قوله تعالى : (
من الأرض ) : فيه وجهان :
أحدهما : هو صفة لدعوة . والثاني : أن يكون متعلقا بمحذوف ، تقديره : خرجتم من الأرض ، ودل على المحذوف "
إذا أنتم تخرجون " . ولا يجوز أن يتعلق " من " بتخرجون هذه ؛ لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها .
قال تعالى : (
وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 27 ) ) .
قوله تعالى : (
وهو أهون عليه ) : أي البعث أهون عليه في ظنكم .
وقيل : أهون بمعنى هين ، كما قالوا الله أكبر ؛ أي كبير .
وقيل : هو أهون على المخلوق ؛ لأنه في الابتداء نقل من نطفة إلى علقة إلى غير ذلك ، وفي البعث يكمل دفعة واحدة .
قال تعالى : (
ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ( 28 ) ) .
[ ص: 306 ] قوله تعالى : (
فأنتم فيه سواء ) : الجملة في موضع نصب جواب الاستفهام ؛ أي هل لكم فتستووا ) .
وأما (
تخافونهم ) : ففي موضع الحال من ضمير الفاعل في " سواء " ؛ أي فتساووا خائفا بعضكم بعضا مشاركته له في المال ؛ أي إذا لم تشارككم عبيدكم في المال ، فكيف تشركون في عبادة الله من هو مصنوع لله .
(
كخيفتكم ) أي خيفة كخيفتكم .