قال تعالى : (
قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ( 13 ) ) .
[ ص: 197 ] قوله تعالى : (
قد كان لكم آية ) : آية اسم كان ; ولم يؤنث ، لأن التأنيث غير حقيقي ، ولأنه فصل ; ولأن الآية والدليل بمعنى . وفي الخبر وجهان : أحدهما : " لكم " و " فئتين " نعت لآية .
والثاني : أن الخبر " في فئتين " ، ولكم متعلق بكان .
ويجوز أن يكون لكم في موضع نصب على الحال على أن يكون صفة لآية ; أي آية كائنة لكم ، فيتعلق بمحذوف .
و (
التقتا ) : في موضع جر نعتا لفئتين . و (
فئة ) : خبر مبتدأ محذوف ; أي إحداهما فئة .
(
وأخرى ) : نعت لمبتدأ محذوف ، تقديره : وفئة أخرى "
كافرة " .
فإن قيل : إذا قررت في الأول إحداهما مبتدأ كان القياس أن يكون والأخرى ; أي والأخرى فئة كافرة .
قيل : لما علم أن التفريق هنا لنفس المثنى المقدم ذكره كان التعريف والتنكير واحدا .
ويقرأ في الشاذ "
فئة تقاتل ، وأخرى كافرة " بالجر فيهما على أنه بدل من فئتين .
ويقرأ أيضا بالنصب فيهما على أن يكون حالا من الضمير في التقتا ; تقديره : التقتا مؤمنة وكافرة . وفئة وأخرى على هذا للحال .
وقيل : فئة وما عطف عليها ، على قراءة من رفع ، بدل من الضمير في التقتا .
(
ترونهم ) : يقرأ بالتاء مفتوحة ، وهو من رؤية العين .
و (
مثليهم ) : حال ; و (
رأي العين ) : مصدر مؤكد .
ويقرأ في الشاذ " ترونهم " بضم التاء على ما لم يسم فاعله ، وهو من أورى إذا دله غيره عليه ; كقولك أريتك هذا الثوب ويقرأ في المشهور بالياء على الغيبة .
فأما القراءة بالتاء فلأن أول الآية خطاب ، وموضع الجملة على هذا يجوز أن يكون نعتا صفة لفئتين ; لأن فيها ضميرا يرجع عليهما . ويجوز أن يكون حالا من الكاف في لكم .
[ ص: 198 ] وأما القراءة بالياء فيجوز أن يكون في معنى التاء ، إلا أنه رجع من الخطاب إلى الغيبة ; والمعنى واحد ، وقد ذكر نحوه . ويجوز أن يكون مستأنفا ، ولا يجوز أن يكون من رؤية القلب على كل الأقوال لوجهين : أحدهما : قوله : رأي العين .
والثاني : أن رؤية القلب علم ، ومحال أن يعلم الشيء شيئين .
(
يؤيد ) : يقرأ بالهمز على الأصل وبالتخفيف ; وتخفيف الهمزة هنا جعلها واوا خالصة ; لأجل الضمة قبلها ، ولا يصح أن تجعل بين بين لقربها من الألف .
ولا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحا ، ولذلك لم تجعل الهمزة المبدوء بها بين بين لاستحالة الابتداء بالألف .
قال تعالى : (
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ( 14 ) ) .
قوله تعالى : (
زين ) : الجمهور على ضم الزاي ، ورفع "
حب " .
ويقرأ بالفتح ونصب حب ، تقديره : زين للناس الشيطان على ما جاء صريحا في الآية الأخرى ، وحركت الهاء في "
الشهوات " ; لأنها اسم غير صفة .
(
من النساء ) : في موضع الحال من الشهوات . والنون في القنطار أصل ، ووزنه فعلال مثل حملاق . وقيل : هي زائدة ، واشتقاقه من قطر يقطر إذا جرى ، والذهب والفضة يشبهان بالماء في الكثرة وسرعة التقلب .
(
والخيل ) : معطوف على النساء ، لا على الذهب والفضة ; لأنها لا تسمى قنطارا وواحد الخيل خائل ، وهو مشتق من الخيلاء ، مثل طير وطائر .
وقال قوم : لا واحد له من لفظه بل هو اسم للجمع ، والواحد فرس ، ولفظه لفظ المصدر . ويجوز أن يكون مخففا من خيل . ولم يجمع " الحرث " ; لأنه مصدر بمعنى المفعول ; وأكثر الناس على أنه لا يجوز إدغام الثاء في الذال هنا لئلا يجمع بين ساكنين ; لأن الراء ساكنة ، فأما الإدغام في قوله " يلهث ذلك " فجائز .
[ ص: 199 ] و (
المآب ) : مفعل ، من آب يئوب ، والأصل مأوب ، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها في الأصل ، وهو آب ، قلبت ألفا .