الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( جامع الناس ) : الإضافة غير محضة ; لأنه مستقبل . والتقدير : جامع الناس . ( ليوم ) : تقديره : لعرض يوم ، أو حساب يوم .

وقيل : اللام بمعنى في ; أي في يوم . والهاء في " فيه " تعود على اليوم ; وإن شئت على الجمع ، وإن شئت على الحساب أو العرض . و ( لا ريب ) : في موضع جر صفة ليوم . ( إن الله لا يخلف ) : أعاد ذكر الله مظهرا تفخيما ، ولو قال إنك لا تخلف كان مستقيما . ويجوز أن يكون مستأنفا ، وليس محكيا عمن تقدم .

و ( الميعاد ) : مفعال ، من الوعد ، قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ما قبلها .

قال تعالى : ( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( لن تغني ) : الجمهور على التاء لتأنيث الفاعل ، ويقرأ بالياء ; لأن تأنيث الفاعل غير حقيقي ، وقد فصل بينهما أيضا .

( من الله ) : في موضع نصب ; لأن التقدير : من عذاب الله . والمعنى لن تدفع الأموال عنهم عذاب الله و ( شيئا ) : على هذا في موضع المصدر ، تقديره : غنى .

ويجوز أن يكون شيئا مفعولا به على المعنى ; لأن معنى تغني عنهم تدفع ، ويكون من الله صفة لشيء في الأصل قدم فصار حالا ; والتقدير : لن تدفع عنهم الأموال شيئا من عذاب الله .

والوقود بالفتح الحطب ، وبالضم التوقد ، وقيل : هما لغتان بمعنى .

قال تعالى : ( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب ( 11 ) ) .

قوله تعالى : ( كدأب ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ; وفي ذلك المحذوف أقوال .

[ ص: 196 ] أحدها تقديره : كفروا كفرا كعادة آل فرعون ، وليس الفعل المقدر هاهنا هو الذي في صلة الذين ; لأن الفعل قد انقطع تعلقه بالكاف ; لأجل استيفاء الذين خبره ، ولكن بفعل دل عليه " كفروا " التي هي صلة .

والثاني : تقديره : عذبوا عذابا كدأب آل فرعون ، ودل عليه أولئك هم وقود النار .

والثالث : تقديره : بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد كعادة آل فرعون .

والرابع : تقديره : كذبوا تكذيبا كدأب آل فرعون ; فعلى هذا يكون الضمير في كذبوا لهم ، وفي ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حل بآل فرعون ، وفي أخذه لآل فرعون .

( والذين من قبلهم ) : على هذا في موضع جر عطفا على آل فرعون .

وقيل : الكاف في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره : دأبهم في ذلك مثل دأب آل فرعون ; فعلى هذا يجوز في ( والذين من قبلهم ) وجهان : أحدهما : هو جر بالعطف أيضا ، وكذبوا في موضع الحال ، و " قد " معه مرادة ، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له ذكر لشرح حالهم .

والوجه الآخر : أن يكون الكلام تم على فرعون ، والذين من قبلهم مبتدأ ، و " كذبوا " خبره . و ( شديد العقاب ) : تقديره : شديد عقابه ; فالإضافة غير محضة .

وقيل : شديد هنا بمعنى مشدد ; فيكون على هذا من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول ، وقد جاء فعيل بمعنى مفعل ومفعل .

قال تعالى : ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ( 12 ) ) .

قوله تعالى : ( ستغلبون وتحشرون ) : يقرآن بالتاء على الخطاب ; أي واجههم بذلك وبالياء ، تقديره : أخبرهم بأحوالهم فإنهم سيغلبون ويحشرون .

( وبئس المهاد ) : أي جهنم ، فحذف المخصوص بالذم .

التالي السابق


الخدمات العلمية