باب اختلافهم في الإدغام الكبير
الإدغام هو اللفظ بحرفين حرفا كالثاني مشددا
وينقسم إلى كبير وصغير .
( فالكبير ) ما كان الأول من الحرفين فيه متحركا ، سواء أكانا مثلين أم جنسين أم متقاربين ، وسمي كبيرا لكثرة وقوعه ، إذ الحركة أكثر من السكون . وقيل :
[ ص: 275 ] لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه . وقيل : لما فيه من الصعوبة . وقيل : لشموله نوعي المثلين والجنسين والمتقاربين .
( والصغير ) هو الذي يكون الأول منهما ساكنا وسيأتي بعد باب وقف
حمزة وهشام على الهمز ، وكل منهما ينقسم إلى جائز وواجب وممتنع ، كما هو مفصل عند علماء العربية ، وتقدم الإشارة إلى ما يتعلق بالقراءة في الكلام على الحروف في فصل التجويد ، وسيأتي تتمته في آخر باب الإدغام الصغير والكلام عند القراء على الجائز ومنهما بشرطه عمن ورد .
وينحصر الكلام على
الإدغام الكبير في فصلين : الأول في رواته ، والثاني في أحكامه . فأما رواته فالمشهور به والمنسوب إليه والمختص به من الأئمة العشرة هو أبو عمرو بن العلاء وليس بمنفرد به ، بل قد ورد أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ،
وابن محيصن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف ،
وعيسى بن عمر ،
ومسلمة بن عبد الله الفهري ،
ومسلمة بن محارب السدوسي ،
nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب الحضرمي ، وغيرهم ، ووجهه طلب التخفيف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو بن العلاء : الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ، ولا يحسنون غيره ، ومن شواهده في كلام العرب قول
nindex.php?page=showalam&ids=16559عدي بن زيد :
وتذكر رب الخورنق إذ فك ر يوما وللهدى تفكير
قوله : " تذكر " فعل ماض ، و " رب " فاعله .
وقال غيره :
عشية تمنى أن تكون حمامة بمكة يؤويك الستار المحرم
ثم إن لمؤلفي الكتب ومن أئمة القراء في ذكره طرقا ؛ منهم من لم يذكره ألبتة كما فعل
أبو عبيد في كتابه ،
وابن مجاهد في سبعته ،
ومكي في تبصرته
والطلمنكي في روضته ،
nindex.php?page=showalam&ids=13222وابن سفيان في هاديه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13269وابن شريح في كافيه ،
والمهدوي في هدايته ،
وأبو الطاهر في عنوانه ،
وأبو الطيب بن غلبون وأبو العز القلانسي في إرشاديهما ،
nindex.php?page=showalam&ids=15963وسبط الخياط في موجزه ، ومن تبعهم
كابن الكندي ،
وابن زريق ،
والكمال ،
والديواني ، وغيرهم ، ومنهم من ذكره في أحد الوجهين ، عن
أبي عمرو بكماله من جميع طرقه وهم
[ ص: 276 ] الجمهور من العراقيين وغيرهم ، ومنهم من ذكره عن
nindex.php?page=showalam&ids=14303الدوري والسوسي معا
كأبي معشر الطبري في تلخيصه ،
nindex.php?page=showalam&ids=14650والصفراوي في إعلانه ، ومنهم من خص به
السوسي وحده كصاحب " التيسير " ، وشيخه
أبي الحسن طاهر بن غلبون ،
nindex.php?page=showalam&ids=14563والشاطبي ، ومن تبعهم ، ومنهم من لم يذكره عن
السوسي ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=14303الدوري ، بل ذكره عن غيرهما من أصحاب
اليزيدي وشجاع ، عن
أبي عمرو كصاحب " التجريد "
والمالكي صاحب " الروضة " ، وذلك كله بحسب ما وصل إليهم مرويا ، وصح لديهم مسندا ، وكل من ذكر الإدغام ورواه لا بد أن يذكر معه إبدال الهمز الساكن كما ذكر من لم يذكر الإدغام إبداله مع الإظهار ، فثبت حينئذ عن
أبي عمرو مع الإدغام وعدمه ثلاث طرق ( الأولى ) الإظهار مع الإبدال ، وهو أحد الأوجه الثلاثة عند جمهور العراقيين ، عن
أبي عمرو بكماله ، وأحد الوجهين عن
السوسي في " التجريد " " والتذكار " وأحد الوجهين في " التيسير " المصرح به في أسانيده من قراءته على
فارس بن أحمد وفي " جامع البيان " من قراءته على
أبي الحسن ، وهو الذي لم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي والمهدوي وصاحب " العنوان " و " الكافي " ، وغيرهم ممن لم يذكر الإدغام عن
أبي عمرو سواه وجها واحدا ، وكذلك اقتصر عليه
أبو العز في إرشاده ، إلا أن بعضهم خص ذلك بالسوسي كصاحب " العنوان " و " الكافي " وبعضهم عم
أبا عمرو كمكي وأبي العز في إرشاده ( الثانية ) الإدغام مع الإبدال ، وهو الذي في جميع كتب أصحاب الإدغام من روايتي
nindex.php?page=showalam&ids=14303الدوري ،
والسوسي جميعا ، ونص عليه عنهما جميعا الداني في جامعه تلاوة ، وهو الذي عن
السوسي في " التذكرة "
لابن غلبون و " الشاطبية " ومفردات الداني ، وهو الوجه الثاني عنه في " التيسير " و " التذكار " ، وهو المأخوذ به اليوم في الأمصار من طريق " الشاطبية " " والتيسير " ، وإنما تبعوا في ذلك
الشاطبي ، رحمه الله .
قال
السخاوي في آخر باب الإدغام من شرحه : وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14563أبو القاسم - يعني الشاطبي - يقرئ بالإدغام الكبير من طريق
السوسي ; لأنه كذلك قرأ . وقال
أبو الفتح فارس بن أحمد : وكان
أبو عمرو يقرئ بهذه القراءة الماهر النحرير الذي عرف وجوه القراءات ولغات العرب ( الثالثة ) الإظهار مع
[ ص: 277 ] الهمز ، وهو الأصل عن
أبي عمرو ، والثابت عنه في جميع الطرق ، وقراءة العامة من أصحابه ، وهو الوجه الثاني عن
السوسي في " التجريد "
وللدوري عند من لم يذكر الإدغام
كالمهدوي ،
ومكي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13269وابن شريح ، وغيرهم ، وهو الذي في " التيسير " عن
nindex.php?page=showalam&ids=14303الدوري من قراءة
الداني على
أبي القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي وبقيت طريق رابعة ، وهي الإدغام مع الهمز ممنوع منها عند أئمة القراءة ، لم يجزها أحد من المحققين ، وقد انفرد بذكرها
الهذلي في كامله ، فقال : وربما همز وأدغم المتحرك ، هكذا قرأنا على
ابن هاشم ، على
الأنطاكي ، على
ابن بدهن ، على
ابن مجاهد على
أبي الزعراء على
nindex.php?page=showalam&ids=14303الدوري .
( قلت ) : كذا ذكره
الهذلي ، وهو وهم عنه عن
ابن هاشم المذكور ، عن هذا
الأنطاكي ; لأن
ابن هاشم المذكور هو
أحمد بن علي بن هاشم المصري يعرف بتاج الأئمة ، أستاذ مشهور ضابط ، قرأ عليه وأخذ عنه غير واحد من الأئمة ، كالأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=14712أبي عمرو الطلمنكي وأبي عبد الله بن شريح وأبي القاسم بن الفحام ، وغيرهم ، ولم يحك أحد منهم عنه ما حكاه
الهذلي ، ولا ذكره ألبتة . وشيخه
الأنطاكي هو الحسن بن سليمان أستاذ ماهر حافظ ، أخذ عنه غير واحد من الأئمة :
nindex.php?page=showalam&ids=12111كأبي عمرو الداني وموسى بن الحسين المعدل الشريف صاحب " الروضة " ،
ومحمد بن أحمد بن علي القزويني وغيرهم ، ولم يذكر أحد منهم ذلك عنه ، وشيخه
ابن بدهن هو أبو الفتح أحمد بن عبد العزيز البغدادي إمام متقن مشهور ، أحذق أصحاب
ابن مجاهد ، أخذ عنه غير واحد من الأئمة
كأبي الطيب عبد المنعم بن غلبون ، وابنه
أبي الحسن طاهر ،
وعبيد الله بن عمر القيسي ، وغيرهم ، لم يرو أحد منهم ذلك عنه ، وشيخه
ابن مجاهد شيخ الصنعة وإمام السبعة ، نقل عنه خلق لا يحصون ، ولم ينقل ذلك أحد عنه ، وكذلك أغرب القاضي
أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي حيث قال : أقرأني
أبو القاسم عبد الله بن اليسع الأنطاكي ، عن قراءته على
الحسين بن إبراهيم بن أبي عجرم الأنطاكي ، عن قراءته على
أحمد بن جبير عن
اليزيدي ، عن
أبي عمرو بالإدغام الكبير مع الهمز ، قال القاضي : ولم يقرئنا أحد من شيوخنا بالإدغام مع الهمز إلا هذا
[ ص: 278 ] الشيخ .
( قلت ) : ولا يتابع أيضا هذا الشيخ ولا الراوي عنه على ذلك إذا كان على خلافه أئمة الأمصار في سائر الأعصار ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13757أبو علي الأهوازي : وما رأيت أحدا يأخذ عن
أبي عمرو بالهمز وبإدغام المتحركات ، ولا أعرف لذلك راويا عنه . انتهى . ناهيك بهذا من
الأهوازي الذي لم يقرأ أحد فيما نعلم مثلما قرأ ، وقد حكى الأستاذ
أبو جعفر بن الباذش ، عن شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=16098شريح بن محمد أنه كان يجيز الهمز مع الإدغام ، فقال في باب الإدغام من إقناعه بعد حكايته كلام
الأهوازي المذكور : والناس على ما ذكر
الأهوازي ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=16098شريح بن محمد أجاز لي الإدغام مع الهمز ، قال : وما سمعت ذلك من غيره .
( قلت ) : وقد قصد بعض المتأخرين التغريب ، فذكر ذلك معتمدا على ما ذكره
الهذلي ، فكان بعض شيوخنا يقرئنا عنه بذلك ، وأخذ علي الأستاذ
أبو بكر بن الجندي بذلك عندما قرأت عليه بالمبهج متمسكا بما فيه من العبارة المحتملة ، حيث قال في باب الإدغام : إنه قرأ من رواية
السوسي بالإدغام والإظهار وبالهمز وتركه ، وليس في هذا تصريح بذلك ، بل الصواب الرجوع إلى ما عليه الأئمة وجمهور الأمة ونصوص أصحابه هو الصحيح ، فقد روى الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني أن
أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة ، أو أدغم لم يهمز كل همزة ساكنة ; فلذلك تعين له القصر أيضا حالة الإدغام كما سيأتي تحقيق ذلك ، والله تعالى أعلم .