وأما ما أخرجه أحمد عن الحسن بن علي إنما قام صلى الله عليه وسلم تأذيا بريح اليهودي . زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بتحتية ومعجمة : فإذا ريح بخورها . وللبيهقي والطبراني من وجه آخر عن الحسن : كراهية أن يعلو على رأسه فلا تعارض الأخبار الأولى ; لأن أسانيد هذه لا تقاوم تلك في الصحة ولأن هذا التعليل فهمه الراوي والتعليل الماضي لفظه صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يسمع تصريحه بالتعليل فعلل باجتهاده ( ثم جلس بعد ) بالبناء على الضم والقيام والجلوس في موضعين : أحدهما لمن مرت به والثاني لمن يشيعها يقوم لها حتى توضع ، والجلوس ناسخ للقيام في الموضعين ، قاله الباجي . وقال البيضاوي : يحتمل قوله بعد ، أي بعد أن جازته وبعدت عنه ، ويحتمل أنه كان يقوم في وقت ثم تركه أصلا ، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن الأمر بالقيام للندب أو نسخ للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر ، والأول أرجح ; لأن احتمال المجاز أولى من دعوى النسخ ، قال الحافظ : والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي في حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ، ثم حدثهم بالحديث ، ولذا قال بكراهة القيام جماعة ، انتهى .
وقال مالك : جلوسه صلى الله عليه وسلم ناسخ لقيامه ، واختار أن لا يقوم . وقال الشافعي في الأم : قيامه إما منسوخ أو قام لعلة ، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلي . وقال ابن حزم : قعوده يدل على أن أمره للندب ولا يجوز أنه نسخ ; لأنه إنما يكون بنهي أو ترك معه نهي . قال الحافظ : قد ورد النهي عن عبادة ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=2003894كان صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود ، فقال : هكذا نفعل ، فقال : اجلسوا وخالفوهم " أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي ، فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ . وقال عياض : ذهب جمع من السلف إلى نسخه بحديث علي وتعقبه النووي بأنه إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن باحتمال أنه جلس لبيان الجواز ، قال : والمختار أن القيام مستحب ، وبه قال المتولي ، انتهى . ورده الأذرعي بأن الذي فهمه علي رضي الله تعالى عنه الترك مطلقا وهو الظاهر ، ولذا أمر بالقعود من رآه قائما واحتج بالحديث . وقال ابن الماجشون وابن حبيب : قعوده صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ، فمن جلس فهو في سعة ، ومن قام فله أجر . وهذا الحديث رواه مسلم من طريق الليث وغيره عن يحيى بن سعيد مطولا بقصة ، وساقه بعد أحاديث الأمر بالقيام ففيه إيماء إلى نسخه ، وبه جزم الترمذي .