( ثلاثة من الولد ) بفتحتين ، وهو يشمل الذكر والأنثى الصلبية على الظاهر لرواية النسائي من حديث أنس : ثلاثة من صلبه ، وكذا في حديث عقبة بن عامر ، وفي دخول أولاد الأولاد بحث ، ويظهر أن أولاد الأولاد الصلب يدخلون ولا سيما عند فقد الوسائط بينهم وبين الأب ، والتقييد بقوله من صلبه يدل على إخراج ولد البنات ، وزاد في الصحيح من حديث أنس : لم يبلغوا الحنث . وكذا لابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة ، وعلقه البخاري ، وهو بكسر المهملة وسكون النون ومثلثة ، على المحفوظ أي الحلم ، وخص الصغير بذلك ; لأن الشفقة عليهم أعظم والحب لهم أشد والرحمة أوفر ، فمن بلغ الحنث لا يحصل لفاقده هذا الثواب المذكور ، وإن كان له أجر ، وبهذا صرح كثير ، وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المقتضي لعدم الرحمة بخلاف الصغير ، فلا يتصور منه لعدم خطابه .
وقال الزين ابن المنير : بل يدخل الكبير بطريق الفحوى ; لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه ، فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه النفع وتوجه إليه الخطاب بالحقوق ، ويقوي الأول قوله في بقية حديث أنس : بفضل رحمته إياهم ; لأن الرحمة للصغار أكثر لعدم حصول الإثم منهم ، وهل يلحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا وبقي كذلك حتى مات ، فيه نظر ; لأن كونهم لا إثم عليهم يقتضي الإلحاق ، وكون الامتحان بهم يخف بموتهم يقتضي عدمه ، ولم يقع التقييد في طرق الحديث بشدة الحب ولا عدمه ، والقياس يقتضي ذلك لما يوجد من كراهة بعض الناس لولده وتبرمه به ولا سيما من كان ضيق الحال ، لكن لما كان الولد مظنة المحبة والشفقة نيط به الحكم وإن تخلف في بعض الأفراد .
( فتمسه النار ) بالنصب جوابا للنفي ( إلا تحلة ) بفتح الفوقية وكسر الحاء وشد اللام أي ما ينحل به ( القسم ) وهو اليمين ، أي قوله تعالى : ( وإن منكم إلا واردها ) ( سورة مريم : الآية 71 ) عند الجمهور ، وقيل معناه تقليل أمر ورودها ، وهذا لفظ يستعمل ، يقال ما ضربته إلا تحليلا ، إذا لم يبالغ في الضرب ، أي قدرا يصيبه منه مكروه ، وقيل الاستثناء بمعنى الواو ، أي لا تمسه النار كثيرا ولا قليلا ولا تحلة القسم ، وقد جوز الفراء والأخفش مجيء إلا بمعنى الواو وجعلا منه : ( لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ) ( سورة النمل : الآية 10 ، 11 ) قال [ ص: 110 ] الخطابي : معنى الحديث لا يدخل النار ليعاقب بها ولكنه يدخلها مجتازا ، ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يحل به الرجل يمينه ، ويدل عليه ما لعبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر هذا الحديث ، يعني الورود ، ولسعيد بن منصور عن زمعة بن صالح عن الزهري قيل : وما تحلة القسم ؟ قال : قوله : ( وإن منكم إلا واردها ) وكذا حكاه عبد الملك بن حبيب عن مالك وسعيد بن منصور عن ابن عيينة .
وروى الطبراني نحوه عن عبد الرحمن بن بشير الأنصاري مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352540من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار إلا عابر سبيل " يعني الجواز على الصراط ، واختلف في موضع القسم من الآية فقيل مقدر هو والله وإن منكم ، وقيل معطوف على القسم الماضي في قوله : ( فوربك لنحشرنهم ) ( سورة مريم : الآية 68 ) أي وربك إن منكم . وقيل مستفاد من قوله : ( حتما مقضيا ) أي قسما واجبا وبه فسر ابن مسعود الآية ومجاهد وقتادة ، أخرجها الطبراني وغيره . وقال الطيبي : يحتمل أن المراد بالقسم ما دل على القطع والبت من السياق فإن قوله : ( كان على ربك ) ( سورة مريم : الآية 71 ) تذييل وتقرير لقوله : ( وإن منكم ) فهو بمنزلة القسم أو أبلغ ; لمجيء الاستثناء بالنفي والإثبات .
وروى أحمد والنسائي والحاكم عن جابر مرفوعا : الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما . وروى الترمذي عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352541يردونها أو يلجونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم " وقيل الورود : المرور عليها ، رواه الطبري وغيره عن أبي هريرة وابن مسعود وقتادة وكعب الأحبار وزاد : سيورد كل على متنها ، ثم ينادي مناد أمسكي أصحابك ودعي أصحابي ، فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم " وهذان القولان أصح ما ورد ولا تنافي بينهما ; لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور ; لأن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها ، لكن تختلف أحوالهم باختلاف أعمالهم ، فأعلاهم من يمر كلمح البصر ، كما فصل في حديث الشفاعة ، ويؤيد صحة هذا التأويل ما في مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=10352543 " أن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ، لما قال لا يدخلها أحد شهد الحديبية ، أليس الله يقول : ( وإن منكم إلا واردها ) ؟ فقال : أليس الله يقول : ( ثم ننجي الذين اتقوا ) ( سورة مريم : الآية 72 ) الآية " وفي هذا ضعف القول إن الورود مختص بالكفار ، والقول بأن معناه الدنو منها ، والقول بأنه الإشراف عليها ، وقيل معنى ورودها ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى على أن هذا الأخير ليس ببعيد ولا ينافيه بقية الأحاديث ، انتهى ملخصا . والحديث أخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل ، ومسلم في البر عن يحيى كلاهما عن مالك به ، وتابعه ابن عيينة ومعمر عند مسلم قائلا : إلا أن في حديث سفيان فيلج النار إلا تحلة القسم .