568 570 - ( مالك ، عن أبي الزناد ) بكسر الزاي والتخفيف ( عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) هكذا رفعه أكثر رواة الموطأ ووقفه القعنبي ومصعب ، وذلك لا يضر في رفعه ; لأن رواته ثقات حفاظ ( قال رجل ) قال الحافظ : قيل اسمه جهينة ، وذلك أن في صحيح أبي عوانة أن هذا الرجل هو آخر أهل النار خروجا منها . وفي رواية مالك للخطيب عن ابن عمر : " آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة ، يقول أهل الجنة : عند جهينة الخبر اليقين " . ( لم يعمل حسنة قط ) ليس فيه ما ينفي التوحيد عنه ، والعرب تقول مثل هذا في الأكثر من فعله كحديث : لا يضع عصاه عن عاتقه . وفي رواية : لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد . قاله ابن عبد البر ، وفي الصحيح : ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله . وفي رواية : يسرف على نفسه . وفي ابن حبان : أنه كان نباشا أي للقبور يسرق أكفان الموتى . ( لأهله ) وفي الصحيح من طريق ابن شهاب ، عن حميد ، عن أبي هريرة مرفوعا : فلما حضره الموت قال لبنيه : ( إذا مات فحرقوه ) وفي رواية الزهري : إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ( ثم أذروا نصفه في البر ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ) بخفة الدال وشدها من القدر وهو القضاء ، لا من القدرة والاستطاعة كقوله : ( فظن أن لن نقدر عليه ) ( سورة الأنبياء : الآية 87 ) أو بمعنى ضيق كقوله تعالى : ( ومن قدر عليه رزقه ) ( سورة الطلاق : الآية 7 ) وقال بعض العلماء : هذا رجل جهل بعض صفات الله وهي القدرة ، ولا يكفر جاهل بعضها ، وإنما يكفر من عاند الحق قاله أبو عمر ( ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ) الموحدين ( فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر الله البحر فجمع ما فيه ) زاد في [ ص: 126 ] رواية الزهري : فإذا هو قائم ، وزاد أبو عوانة : في أسرع من طرفة عين ، وفيه دلالة على رد من زعم أن الخطاب لروحه ; لأن التحريق والتذرية إنما وقعا على الجسد وهو الذي جمع وأعيد ( ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب ، وأنت أعلم ) إني إنما فعلته من خشيتك أي خوف عقابك ، قال ابن عبد البر : وذلك دليل على إيمانه إذ الخشية لا تكون إلا لمؤمن بل لعالم ، قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ( سورة فاطر : الآية 28 ) ويستحيل أن يخافه من لا يؤمن به ، وقد روي الحديث ، قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد ، وهذه اللفظة ترفع الإشكال في إيمانه ، والأصول تعضدها : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) ( سورة النساء : الآية 48 ) وقد ( قال : فغفر له ) ولأبي عوانة من حديث حذيفة عن الصديق أنه آخر أهل الجنة دخولا . قال ابن التين : ذهب المعتزلة إلى أن هذا الرجل إنما غفر له لتوبته التي تابها ; لأن قبولها واجب عقلا عندهم ، والأشعري قطع بها سمعا ، وغيره جوز القبول كسائر الطاعات . وقال ابن المنير : قبول التوبة عند المعتزلة واجب على الله تعالى عقلا ، وعندنا واجب بحكم الوعد والتفضل والإحسان ، إذ لو وجب القبول على الله عقلا لاستحق الذم إن لم يقبل وهو محال ; لأن من كان كذلك يكون مستكملا بالقبول ، والمستكمل بالغير ناقص بذاته وذلك في حق الله محال ، ولأن الذم إنما يمنع من الفعل من يتأذى لسماعه وينفر عنه طبعه ويظهر له بسببه نقص حال ، أما المتعالي عن الشهوة والنفرة والزيادة والنقص فلا يعقل تحقق الوجوب في حقه بهذا المعنى ، ولأنه تعالى تمدح بقبول التوبة في قوله : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ) ( سورة التوبة : الآية 104 ) ولو كان واجبا ما تمدح به ; لأن أداء الواجب لا يفيد المدح والثناء والتعظيم ، قال بعض المفسرين : قبول التوبة من الكفر يقطع به على الله تعالى إجماعا ، وهذا محمل الآية . وأما المعاصي فيقطع بأنه يقبل التوبة منها من طائفة من الأمة . واختلف هل يقبل توبة الجميع ؟ وأما إذا عين إنسان تائب فيرجى قبول توبته بلا قطع ، وأما إذا فرضنا تائبا غير معين صحيح التوبة فقيل يقطع بقبول توبته ، وعليه طائفة منها الفقهاء المحدثون ; لأنه تعالى أخبر عن نفسه بذلك ، وعلى هذا يلزم أن تقبل توبة جميع التائبين . وذهب أبو المعالي وغيره إلى أن ذلك لا يقطع به على الله بل يقوى في الرجاء ، والقول الأول أرجح . ولا فرق بين التوبة من الكفر والتوبة من المعاصي بدليل أن الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها ، انتهى . والحديث رواه البخاري في التوحيد عن إسماعيل ومسلم من طريق روح كلاهما عن مالك به .