الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن نافع أن أبا هريرة قال أسرعوا بجنائزكم فإنما هو خير تقدمونه إليه أو شر تضعونه عن رقابكم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          574 576 - ( مالك ، عن نافع أن أبا هريرة قال ) كذا وقفه جمهور رواة الموطأ . ورواه الوليد بن مسلم ، عن مالك ، عن نافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولم يتابع على ذلك عن مالك ، ولكنه مرفوع من طريق أيوب ، عن نافع ، عن أبي هريرة . ومن طريق الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة . قاله ابن عبد البر ، ومن طريق الزهري رواه البخاري ومسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أسرعوا ) بهمزة قطع ( بجنائزكم ) أي بحملها إلى قبرها ، إسراعا خفيفا فوق المشي المعتاد والخبب ، بحيث على ضعفة من يتبعها ولا على حاملها ، ولا يحدث مفسدة بالميت ، والأمر للاستحباب باتفاق العلماء ، وشذ ابن حزم فقال بوجوبه ، وقيل : المراد شدة المشي ، وهو قول الحنفية وبعض السلف ، ومال عياض إلى نفي الخلاف ، فقال : من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد ، ومن كرهه أراد الإفراط كالرمل ، والحاصل أنه يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف منها حدوث مفسدة بالميت ومشقة على الحامل أو [ ص: 136 ] المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة ، وإدخال المشقة على المسلم . قال القرطبي : مقصود الحديث أن لا يبطأ بالميت عن الدفن ، ولأن البطء ربما أدى إلى التباهي والاحتفال ، قال ابن عبد البر : وتأوله قوم على تعجيل الدفن لا المشي وليس كما ظنوا ، ويرده قوله : تضعونه عن رقابكم ، وتبعه النووي فقال : إنه باطل مردود بهذا ، وتعقبه الفاكهاني : بأن الحمل على الرقاب قد يعبر به عن المعاني كما يقول : حمل فلان على رقبته ديونا ، فيكون المعنى استريحوا من نظر من لا خير فيه ، قال : ويؤيده أن الكل لا يحملونه . قال الحافظ : ويؤيده حديث ابن عمر : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره " . أخرجه الطبراني بإسناد حسن .

                                                                                                          ولأبي داود عن حصين بن وحوح مرفوعا : " لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله " . ( فإنما هو خير تقدمونه ) كذا في الأصول ، والقياس : تقدمونها ، أي الجنائز ( إليه ) أي الخير باعتبار الثواب والإكرام له في قبره فيسرع به ليلقاه قريبا . قال ابن مالك : وروي " إليها " بتأنيث الضمير على تأويل الخير بالرحمة أو الحسنى ( أو شر تضعونه عن رقابكم ) فلا مصلحة لكم في مصاحبته ; لأنها بعيدة من الرحمة ، ويؤخذ منه ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين ، وفيه ندب المبادرة بدفن الميت لكن بعد تحقق أنه مات ، أما مثل المطعون والمسبوت والمفلوج فينبغي أن لا يسرع بتجهيزهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم ، نبه عليه ابن بزيزة ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية