901 887 - ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ) في حجة الوداع ، كما هو ظاهر سياق الإمام لهذا الحديث في الحج ، وبه صرح البخاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353111حلق - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، وناس من أصحابه ، وقصر بعضهم " ، فقال : ( اللهم ارحم المحلقين ، قالوا ) أي الصحابة ، قال الحافظ : ولم أقف في شيء من طرقه على الذي تولى السؤال في ذلك بعد البحث الشديد ( والمقصرين يا رسول الله ) أي قل وارحم المقصرين ( قال : اللهم ارحم المحلقين ، قالوا ) : قل ( والمقصرين يا رسول الله ) فالعطف على محذوف وهو يسمى العطف التلقيني كقوله تعالى : ( قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) ( سورة البقرة : الآية 124 ) ( قال والمقصرين ) قال الحافظ : فيه إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه ، ولو تخلل بينهما السكوت بلا عذر ، ثم هو هكذا في معظم الروايات عن مالك الدعاء للمحلقين مرتين ، وعطف المقصرين عليهم في المرة الثالثة ، وانفرد يحيى بن بكير دون رواة الموطأ بإعادة ذلك ثلاث مرات ، نبه عليه ابن عبد البر في التقصي ، وأغفله في التمهيد ، بل قال فيه : إنهم لم يختلفوا على مالك في ذلك ، وقد راجعت أصل [ ص: 523 ] سماعي من موطأ يحيى بن بكير ، فوجدته كما قال في التقصي ، وفي رواية الليث عن نافع عند مسلم ، وعلقها البخاري : " ارحم المحلقين مرة أو مرتين ، قالوا : والمقصرين ؟ قال : والمقصرين " ، والشك فيه من الليث ، وإلا فأكثرهم موافق لرواية مالك ولمسلم ، وعلقه البخاري من رواية عبيد الله بالتصغير عن نافع ، قال : في الرابعة والمقصرين .
ولمسلم من وجه آخر ، عن عبيد الله بلفظ مالك سواء ، وبيان كونها في الرابعة أن قوله : والمقصرين عطف على مقدر ، أي وارحم المحلقين ، وإنما قاله بعد دعائه لهم ثلاث مرات ، فيكون دعاؤه للمقصرين في الرابعة .
ورواه أبو عوانة من طريق الثوري ، عن عبيد الله بلفظ : قال في الثالثة ، والمقصرين ، والجمع بينهما واضح بأن من قال الرابعة فعلى ما شرحناه ، ومن قال الثالثة أراد أن المقصرين عطف على الدعوة الثالثة ، أو أراد بالثالثة مسألة السائلين ، وكان - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - لا يراجع بعد ثلاث ، ولو لم يدع لهم ثالث مسألة ما سألوه .
رواه البخاري في المغازي وعنده من رواية جويرية بن أسماء ، ومسلم من رواية الليث كلاهما عن نافع عن ابن عمر ، ما يشعر بأن ذلك وقع في حجة الوداع ، وإليه يومي صنيع البخاري ومالك .
وأما حديث حبشي بن جنادة ، فرواه ابن أبي شيبة ، ولم يعين المكان .
ورواه أحمد عن حبشي وكان ممن شهد حجة الوداع ، فذكر هذا الحديث ، وهذا يشعر بأنه كان فيها .
وأما قول ابن عبد البر وغيرهم فقد ورد تعيين الحديبية عن جابر عند الطبراني ، والمسور بن مخرمة عند ابن إسحاق ، وكذا جزم إمام الحرمين بأنه في الحديبية ، وورد تعيين حجة الوداع من حديث أبي مريم السلولي عند أحمد وابن أبي [ ص: 524 ] شيبة وأم الحصين عند مسلم ، وقارب الثقفي عند أحمد ، وابن أبي شيبة وأم عمارة عند الحارث ، والأحاديث التي فيها تعيين حجة الوداع أكثر عددا ، وأصح إسنادا ، ولذا قال النووي : إنه الصحيح المشهور ، ولا يبعد أنه وقع في الموضعين .
وقال عياض : كان في الموضعين ، وقال ابن دقيق العيد : إنه الأقرب ، قلت : بل هو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين إلا أن السبب فيهما مختلف ، فالذي في الحديبية سببه توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن ، لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك ، فخالفهم - صلى الله عليه وسلم - وصالح قريشا على أن يرجع من العام المقبل ، فلما أمرهم بالإحلال توقفوا ، فأشارت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أن يحل هو ، ففعل ، فحلق بعض ، وقصر بعض ، فكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن قصر ، وصرح بهذا السبب في حديث عند ابن ماجه وغيره أنهم nindex.php?page=hadith&LINKID=10353115قالوا : يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم ؟ قال : لأنهم لم يشكوا .
وأما سبب تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع ، فقال ابن الأثير في النهاية : كان أكثر من حج معه - صلى الله عليه وسلم - لم يسق الهدي ، فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة ، ثم يتحللوا منها ، ويحلقوا رءوسهم شق عليهم ، فلما لم يكن لهم بد من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ، ففعله أكثرهم ، فرجح النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل من حلق ، لأنه أبين في امتثال الأمر ، وفيه نظر وإن تبعه عليه غير واحد ، لأن المتمتع يستحب له أن يقصر في العمرة ، ويحلق في الحج إذا قرب ما بين النسكين ، وقد كان كذلك هنا ، والأولى قول الخطابي وغيره : إن عادة العرب حب توفير الشعور والتزين بها ، والحلق فيهم قليل ، وربما رأوه من الشهرة ومن زي الأعاجم لذا كرهوا الحلق ، واقتصروا على التقصير .
وفي حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزي عن الحلق ، وهو مجمع عليه إلا رواية عن الحسن البصري تعين الحلق أول حجة ، وثبت عنه خلافه ، وفيه أن الحلق أفضل ، لأنه أبلغ في العبادة ، وأبين للخضوع والذلة ، وأدل على صدق النية ، والمقصر يبقي على نفسه شيئا مما يتزين به بخلاف الحالق ، فيشعر بأنه ترك ذلك لله وإشارة إلى التجرد ، ولذا استحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة ، وتعليل النووي وغيره بأن المقصر مبق على نفسه الشعر الذي هو زينة ، والحاج مأمور بتركها ، بل هو أشعث أغبر ، فيه نظر ، لأن الحلق إنما يقع بعد انقضاء زمن الأمر بالتقشف ، فإنه يحل له كل شيء إلا النساء في الحج خاصة ، وفيه مشروعية حلق جميع الرأس ، لأنه الذي يقتضيه قوله : ( المحلقين ) ، وقال بوجوبه مالك وأحمد ، واستحبه الكوفيون والشافعي ، ويجزي البعض عندهم ، فعند الحنفية الربع إلا أبا يوسف ، فقال : النصف ، وقال الشافعي : أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات ، والتقصير كالحلق يأخذ الرجل من جميع شعره من قرب أصله استحبابا ، فإن أخذ من أطرافه أجزأ كما في المدونة وإن لم [ ص: 525 ] يزد على قدر ما تأخذه المرأة ، وهو قدر أنملة ، والمشروع في حق النساء التقصير بإجماع ، وفي أبي داود عن ابن عباس ، مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353116ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير " ، وللترمذي عن علي : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353117نهى أن تحلق المرأة رأسها " وفيه أيضا الدعاء لمن فعل ما شرع له ، وتكراره لمن فعل ، الراجح من الأمرين المخير فيهما ، والتنبيه بالتكرار على الرجحان ، وطلب الدعاء لمن فعل الجائز ، وإن كان مرجوحا ، ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، وله متابعات في الصحيحين وغيرهما .