مصدر لاعن سماعي لا قياسي ، والقياسي الملاعنة من اللعن وهو الطرد والإبعاد ، يقال : منه التعن أي لعن نفسه ، ولاعن إذا فاعل غيره منه ، ورجل لعنة بضم اللام وفتح العين كهمزة إذا كان كثير اللعن لغيره ، وبسكون العين إذا لعنه الناس كثيرا ، الجمع لعن كصرد ، ولاعنته امرأته ملاعنة ولعانا فتلاعنا والتعنا لعن بعض بعضا ، ولاعن الحاكم بينهما لعانا حكم ، وفي الشرع : كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى ولد ، وسميت لعانا لاشتمالها على كلمة اللعن ; تسمية للكل باسم البعض ، ولأن كلا من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها إذ يحرم النكاح بها أبدا ، واختير لفظ اللعان على لفظي الشهادة والغضب وإن اشتملت عليهما الكلمات أيضا ; لأن اللعن كلمة غريبة في قيام الحجج من الشهادات والأيمان ، والشيء يشهر بما يقع فيه من الغريب ، وعليه جرت أسماء السور ، ولأن الغضب يقع في جانب المرأة ، وجانب الرجل أقوى ، ولأن لعانه متقدم على لعانها والسبق والتقديم من أسباب الترجيح .
1201 1185 - ( مالك ، عن ابن شهاب : أن سهل بن سعد ) بن مالك ( الساعدي ) الخزرجي الصحابي ابن الصحابي ( أخبره أن عويمرا ) بضم العين وفتح الواو ، تصغير عامر ، ابن الحارث بن زيد بن الجد بن عجلان ( العجلاني ) بفتح العين وسكون الجيم ، نسبة إلى جده هذا ، وفي رواية القعنبي : عويمر بن أشقر ، وفي الاستيعاب : عويمر بن أبيض ، قال الحافظ : فلعل [ ص: 283 ] أباه كان يلقب أشقر أو أبيض ، وفي الصحابة عويمر ابن أشقر آخر مازني ، روى له ابن ماجه حديثا في الأضاحي ( جاء إلى عاصم بن عدي ) بن الجد بن العجلاني ( الأنصاري ) شهد أحدا ، مات في خلافة معاوية وقد جاز المائة ، وهو ابن عم والد عويمر ، زاد في رواية الأوزاعي : وكان ، أي عاصم ، سيد بني عجلان ( فقال له : يا أبا عاصم أرأيت رجلا ) أي أخبرني عن حكم رجل ( وجد مع امرأته رجلا ) أجنبيا منها ( أيقتله ) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي أيقتل الرجل ؟ ( فتقتلونه ؟ ) قصاصا لقوله تعالى : ( النفس بالنفس ) ( سورة المائدة : الآية 45 ) ولمسلم عن ابن عمر : " فقال : أرأيت إن وجد مع امرأته رجلا فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت عن مثل ذلك؟ " . وله عن ابن مسعود : " إن تكلم جلدتموه ، وإن قتل قتلتموه ، وإن سكت سكت على غيظ " . وفي رواية عن ابن عباس لما نزل : ( والذين يرمون المحصنات ) ( سورة النور : الآية 4 ) الآية ، قال عاصم بن عدي : إن دخل رجل منا بيته فرأى رجلا على بطن امرأته ، فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وذهب ، وإن قتله قتل به ، وإن قال وجدت فلانا معها ضرب ، وإن سكت سكت على غيظ . ( أم كيف ) مفعول به لقوله : ( يفعل ) أي : أي شيء يفعل ؟ وأم تحتمل الاتصال ، يعني إذا رأى الرجل هذا المنكر الشنيع والأمر الفظيع وثارت عليه الغيرة ، أيقتله فتقتلونه أم يصبر على ذلك الشنآن والعار ؟ ويحتمل الانقطاع سأل أولا عن القتل مع القصاص ثم أضرب عنه إلى سؤال آخر ; لأن ( أم ) المنقطعة متضمنة لما يلي الهمزة ، والهمزة تستأنف كلاما آخر ، المعنى : أيصبر على العار أو يحدث الله له أمرا آخر ؟ لذا قال : ( سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله ، فسأل عاصم عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فقال : يا رسول الله ، كذا في رواية الأوزاعي بحذف المقول لدلالة السابق عليه ( فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل ) المذكورة ، ( وعابها ) قال عياض : يحتمل أنه كره قذف الرجل امرأته بلا بينة لاعتقاده الحد ; لأن ذلك كان قبل نزول حكم اللعان بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لهلال بن أمية : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353618البينة أو الحد في ظهرك ، ويحتمل أنه كره السؤال لقبح النازلة وهتك ستر المسلم ، أو لما كان نهى عنه من كثرة السؤال ، وقد نهى عن كثرته سدا لباب سؤال أهل التشغيب ، أو لما في كثرته من التضييق في الأحكام التي لو سكتوا عنها لم تلزمهم وتركت لاجتهادهم فيها كما قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353619اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم أنبياءهم . ولقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353620أعظم الناس جرما من سأل عما لم يحرم فحرم من أجل مسألته . قال المازري : أما إذا كانت المسائل مضطرا إليها فلا بأس بالسؤال عنها وقد [ ص: 284 ] كان يسأل عن الأحكام فلا يكره ، وعاصم إنما سأل لغيره غير حاجة ، وإن كان السؤال على وجه التعنيت فهذا الذي يكره ( حتى كبر ) بضم الموحدة ، عظم ( على عاصم ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال : يا عاصم ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ) جوابا عن السؤال ( فقال عاصم لعويمر : لم تأتني بخير ; قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها ) زاد في رواية : وعابها ( فقال عويمر : والله لا أنتهي حتى أسأل عنها ) قال ابن العربي : الحاجة في السؤال يحتمل أنه عاين المقدمات فخاف الانتهاء إلى المكروه ، وكذلك اتفق ، والبلاء موكل بالمنطق فإنه قال : الذي سألتك عنه وقع . قال عياض : ويحتمل أنه علم الحكم وسأل عن جواز أمر يصل به إلى شفاء غليله وإزالة غيرته ، ويحتمل أنه سأل عن هذا إذا فعله . وقال ابن دقيق العيد : فيه الاستعداد وعلم النوازل قبل وقوعها ، وعليه حمل الفقهاء ما يفرضونه قبل وقوعه . ومن السلف من كره الحديث بالشيء قبل وقوعه ورآه من باب التكليف ( فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس ) بفتح السين وسكونها ( فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا ) فيه أن الاستفهام بأرأيت عن السائل كان في العصر النبوي والسؤال عما يشكل ( وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ؟ ) قيل فيه : إنه لا حد في التعريض ولا حجة فيه لأنه لم يسمه ولا أشار إليه ( أم كيف يفعل ؟ ) زاد في حديث ابن عمر عند مسلم : فسكت النبي فلم يجبه ، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور : ) والذين يرمون أزواجهم ) ( سورة النور : الآية 6 ) ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد أنزل ) بضم الهمزة وكسر الزاي ، وفي رواية نزل بلا همزة ، وفي رواية الأوزاعي : قد أنزل الله القرآن ( فيك وفي صاحبتك ) زوجتك خولة بنت قيس على المشهور ، أو بنت عاصم بن عدي المذكور ، أو بنت أخيه . وأخرج ابن مردويه مرسلا أن عاصما لما نزلت : ( والذين يرمون المحصنات ) ( سورة النور : الآية 4 ) قال : يا رسول الله أين لأحدنا أربعة شهداء ؟ فابتلي به في بنت أخيه ، وفي سنده ضعف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل : لما سأل عاصم عن [ ص: 285 ] ذلك ابتلي به في أهل بيته ، فأتاه ابن عمه تحته ابنة عمه رماها بابن عمه ، المرأة والزوج والخليل ثلاثتهم بنو عم عاصم .
( فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ) شرط قدم عليه الجواب ، وفي رواية الأوزاعي : إن حبستها فقد ظلمتها ( فطلقها ثلاثا ) ظنا منه أن اللعان لا يحرمها عليه ، فقال : هي طالق ثلاثا ( قبل أن يأمره - صلى الله عليه وسلم - ) بطلاقها ، وبه تمسك القائل : لا تقع الفرقة بين المتلاعنين إلا بإيقاع الزوج ، فإن لم يوقعه لم ينقص التلاعن من العصمة شيئا ، وهو قول عثمان البتي محتجا بأن الفرقة لم تذكر في القرآن ، وأن ظاهر الأحاديث أن الزوج هو الذي طلق ابتداء . ورده ابن عبد البر بأنه قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة ، على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان ولم يستحبه قبله ، فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكما ، وقال النووي : قوله كذبت عليها إن أمسكتها ، كلام مستقل ، وقوله فطلقها ، أي ثم عقب ذلك بطلاقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه ، فأراد تحريمها بالطلاق الثلاث ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=10353623لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاق ، وتعقبه الحافظ [ ص: 286 ] بأنه يوهم أن قوله لا سبيل لك عليها ، وقع عقب قول الملاعن هي طالق ثلاثا ، وأنه موجود كذلك في حديث سهل الذي شرحه ، وليس كذلك ، فإن قوله : لا سبيل لك ، عليها لم يقع في حديث سهل وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قوله : الله أعلم أن أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها . وقال الخطابي : لفظ " فطلقها " يدل على وقوع الفرقة باللعان ، ولولا ذلك لصارت في حكم المطلقات ، وأجمعوا على أنها ليست في حكمهن ، فلا يكون له مراجعتها إن كان الطلاق رجعيا ، ولا أن يخطبها إن كان بائنا ، وإنما اللعان فرقة فسخ .
( قال مالك : قال ابن شهاب : فكانت تلك ) أي الفرقة بينهما ( بعد ) بضم الدال أي بعد ذلك ( سنة المتلاعنين ) فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدا ، فتحرم عليه بمجرد اللعان تحريما مؤبدا ظاهرا وباطنا سواء صدقت أو صدق ، ووطؤها بملك اليمين لحديث البيهقي : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353624المتلاعنان لا يجتمعان أبدا " . وظاهره يقتضي توقف ذلك على تلاعنهما معا ، وقد قال مالك : يقع التحريم بلعان المرأة . وقال الشافعي وسحنون : بفراغ الزوج ; لأن التعان المرأة إنما الحد عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك في حقه نفي النسب ولحوق الولد وزوال الفراش ، وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما بعد فراغ الرجل ، وفيما إذا علق طلاق المرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى . وقال أبو حنيفة : لا تقع الفرقة حتى يوقعها الحاكم لظاهر أحاديث اللعان ويكون فرقة طلاق . وعن أحمد روايتان .
وروى البزار عن حذيفة قال : " قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به ؟ قال : كنت فاعلا به شرا ، قال : فأنت يا عمر ، قال : كنت أقول لعن الله الأبعد ، قال : فنزلت " . ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه - صلى الله عليه وسلم - بالحكم ، ولذا قال في قصة هلال : فنزل جبريل ، وفي قصة عويمر : قد أنزل الله فيك ، فيئول بأن معناه ما أنزل في قصة هلال ، وبهذا أجاب ابن الصباغ ، ويؤيده قول أنس : إن هلالا أول من لاعن . وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين قال : وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ ، وقد أنكر جماعة ذكر هلال بن أمية فيمن لاعن ، كأبي عبد الله بن أبي صفرة أخي المهلب فقال : هو خطأ والصحيح أنه عويمر ، قال القرطبي : وسبقه إلى نحوه الطبري . وقال ابن العربي : هو وهم من هشام بن حسان ، وعليه دار حديث ابن عباس وأنس بذلك . وقال عياض في المشارق : لم يقله غيره ، وإنما القصة لعويمر العجلاني قال : ولكن في المدونة في حديث العجلاني ذكر شريك . وقال النووي في مبهماته : اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوال : عويمر وهلال وعاصم ، قال الواحدي : أظهرها عويمر وكلام الجميع متعقب .
أما قول ابن أبي صفرة فدعوى مجردة ، وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين مع إمكان الجمع ، وما نسبه للطبري لم أجده فيه . وأما قول ابن العربي وعياض تفرد به هشام بن حسان فمردود ، فقد تابعه عباد بن منصور عند أبي داود والطبري وجرير بن حازم عن أيوب عند الطبري . وأما جنوح النووي كالواحدي للترجيح فمرجوح ; لأن الجمع الممكن أولى من الترجيح ، وقوله : وقيل عاصم فيه نظر ; لأن عاصما لم يلاعن قط وإنما سأل لعويمر ، ووقع من عاصم نظير ما وقع من سعد بن عبادة ، أي من الاستشكال اهـ ببعض اختصار . وقال غيره : تعقبت حكاية النووي الخلاف بأن ملاعنة عويمر وهلال ثبتا ، فكيف يختلف فيهما ؟ وإنما المختلف فيه سبب نزول الآية في أيهما كما سبق . وقوله في التهذيب : اتفقوا على أن الموجود زانيا شريك ممنوع ; إذ لم يوجد زانيا وإنما هم اعتقدوا ذلك ولم يثبت عليه ، فصواب العبارة : اتفقوا على أن المرمي به شريك ، وأفاد عياض عن ابن جرير [ ص: 288 ] الطبري أن قصة اللعان كانت في شعبان سنة تسع من الهجرة ، وفي حديث سهل فوائد كثيرة غير ما مر ، ذكر جملة منها في التمهيد ، وأخرجه البخاري هنا عن إسماعيل ، وقبله في الطلاق عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى ، ثلاثتهم عن مالك به ، وتابعه الأوزاعي وفليح عند البخاري ، وابن جريج في الصحيحين ، ويونس عند مسلم ، الأربعة عن ابن شهاب نحوه .