بفتح القاف مأخوذ من القسم وهو اليمين ، وقال الأزهري : القسامة اسم للأولياء الذين يحلفون على استحقاق دم المقتول ، وقيل مأخوذة من القسمة لقسمة الأيمان على الورثة ، واليمين فيها من جانب المدعي لأن الظاهر معه بسبب اللوث المقتضي لظن صدقه ، وفي غير ذلك الظاهر مع المدعى عليه فلذا خرجت عن الأصل .
قال أبو عمر : كانت في الجاهلية فأقرها - صلى الله عليه وسلم - على ما كانت عليه في الجاهلية ، رواه عبد الرزاق وابن وهب انتهى .
وأخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة ، وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار : nindex.php?page=hadith&LINKID=10353906أنه - صلى الله عليه وسلم - قر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية " ثم رواه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله ، ثم رواه من طريق صالح عن الزهري أن أبا سلمة وسليمان بن يسار أخبراه عن ناس من الأنصار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله .
1630 1586 - ( مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل ) الأنصاري المدني ويقال اسمه عبد الله تابعي صغير ثقة ( عن سهل ) بفتح فسكون ( بن أبي حثمة ) بفتح المهملة وسكون المثلثة ابن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير ولد سنة ثلاث من الهجرة وله أحاديث مات في خلافة معاوية ( أنه أخبره رجال من كبراء ) بضم ففتح أي عظماء ( قومه ) قال في المقدمة : هم محيصة وحويصة بنا مسعود ، وعبد الله [ ص: 328 ] وعبد الرحمن بنا سهل .
( أن عبد الله بن سهل ) بن زيد بن كعب الأنصاري الحارثي ( ومحيصة ) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتية الثقيلة على الأشهر ، وفتح الصاد المهملة ابن مسعود بن كعب الحارثي الأوسي أسلم قبل أخيه حويصة ( خرجا إلى خيبر ) بعد فتحها ، وعند ابن إسحاق : فخرج عبد الله بن سهل في أصحاب له يمتارون تمرا ( من جهد ) بفتح الجيم وسكون الهاء أي فقر شديد ( أصابهم ) وفي مسلم : خرجوا إلى خيبر في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي يومئذ صلح وأهلها يهود .
( فأتي ) بضم الهمزة وكسر التاء ( محيصة فأخبر ) بضم الهمزة وكسر الموحدة ( أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح ) بضم أولهما ( في فقير ) بفتح الفاء فقاف مكسورة ( بئر أو عين ) بالشك من الراوي ، وعند ابن إسحاق : وجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح ( فأتى ) محيصة ( يهود فقال ) لهم ( أنتم والله قتلتموه ) حلف لقرائن قامت عنده أو قيل له بخبر يوجب العلم .
( فقالوا ) مقابلة لليمين باليمين ( والله ما قتلناه ) زاد في رواية : ولا علمنا قاتلا أي له .
( وعبد الرحمن بن سهل ) بن زيد بن كعب الحارثي أخو المقتول ( فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر ) وفي الرواية اللاحقة : فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه وجمع باحتمال أن كلا منهما أراد الكلام .
( فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : كبر كبر ) بالتكرير للتأكيد أي قدم الأكبر ( يريد السن ) إرشادا إلى الأدب في تقديم الأسن ، وفيه أن المشركين في معنى من معاني الدعوى وغيرها أولاهم ببدء الكلام أكبرهم ، فإذا سمع منه تكلم الأصغر فيسمع منه إن احتيج له ، فإن كان فيهم من له بيان ولتقديمه وجه فلا بأس بتقديمه وإن صغر ، قاله ابن عبد البر ، وأخرج بسنده أنه قدم وفد من العراق على عمر بن عبد العزيز [ ص: 329 ] فنظر عمر إلى شاب منهم يريد الكلام فقال عمر : كبروا كبروا ، فقال الفتى : يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن ولو كان كذلك لكان في المسلمين من هو أسن منك ، قال : صدقت تكلم - رحمك الله - فقال : إنا وفد شكر فذكر الخبر انتهى .
وحقيقة الدعوى إنما هي لعبد الرحمن أخي القتيل لا حق لابن عمه فيها ، فإنما أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يتكلم الأكبر لأنه لم يكن المراد حينئذ الدعوى بل سماع صورة القصة ، وعند الدعوى يدعى المستحق ، أو المعنى أن الأكبر يكون وكيلا له .
( فتكلم حويصة ) الذي هو أسن ( ثم تكلم محيصة ) أخوه ، وفي رواية لمسلم ، فصمت أي عبد الرحمن وتكلم صاحباه ثم تكلم معهما فذكروا مقتل عبد الله بن سهل ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إما أن يدوا صاحبكم ) بفتح التحتية وخفة الدال المهملة أي يعطوا أي اليهود دية صاحبكم ( وإما أن يؤذنوا ) يعلموا ( بحرب ) تهديد وتشديد إذ لا قدرة لهم على حربه - صلى الله عليه وسلم - مع ما هم فيه من غاية الذلة .
( فكتب إليهم ) أي أمر بالكتب إلى اليهود ( في ذلك ) الخبر الذي نقل إليه ( فكتبوا ) اليهود ( إنا والله ما قتلناه ) زاد في رواية : ولا علمنا قاتله .
( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : أتحلفون ) بهمزة الاستفهام ( وتستحقون دم صاحبكم ) أي بدل من دم صاحبكم ففيه حذف مضاف ، أو معنى صاحبكم غريمكم فلا حاجة إلى تقدير ، والجملة فيها معنى التعليل لأن المعنى أتحلفون لتستحقوا ؟ وقد جاءت الواو بمعنى التعليل في قوله تعالى : أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ( سورة الشورى : الآية 34 ) المعنى ليعفو ، وفي عرض اليمين على الثلاثة حجة قوية لقول مالك : ومن وافقه أنه لا يحلف في العمد أقل من رجلين عصبة ، وأن لولي الدم وهو هنا الأخ الاستعانة بعاصبه .
( قالوا : لا ) نحلف .
وفي الرواية اللاحقة لم نشهد ولم نحضر .
( قال : أفتحلف لكم يهود ؟ ) خمسين يمينا أنهم ما قتلوه .
( قالوا : ليسوا بمسلمين ) وفي اللاحقة : كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ وفي رواية قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود .
وفي أخرى : ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون .
( فوداه ) بخفة الدال المهملة بلا همز أعطى ديته ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده ) وفي رواية البخاري ومسلم : فوداه مائة من إبل الصدقة ، وجمع باحتمال أنه اشتراها من إبل الصدقة ودفع المال الذي اشتراها به من [ ص: 330 ] عنده أو من بيت المال المرصد للمصالح لما في ذلك من مصلحة قطع النزاع وإصلاح ذات اليمين وجبرا لخاطرهم وإلا فاستحقاقهم لم يثبت .
وحكى عياض عن بعضهم تجويز صرف الزكاة في المصالح العامة وتأول الحديث عليه ، وقال في المفهم : رواية " من عنده " أصح من رواية " من إبل الصدقة " وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوي ما أمكن ، فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء ( فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت ) النوق ( عليهم الدار ، قال سهل ) ابن أبي حثمة : ( لقد ركضتني ) أي رفستني برجلها ( منها ناقة حمراء ) ولابن إسحاق : فوالله ما أنسى ناقة بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها .
وفي رواية للبخاري : فأدركت ناقة من تلك الإبل فدخلت مربدا لهم فركضتني برجلها ، وقال ذلك ليبين ضبطه للحديث ضبطا شافيا بليغا ، وفيه مشروعية القسامة ، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة كمالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد ، وعن طائفة التوقف ؛ فيها فلم يروا القسامة ولا أثبتوا لها في الشرع حكما ، وهذا الحديث رواه البخاري في الأحكام عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم من طريق بشر بن عمر والنسائي من طريق ابن وهب الأربعة عن مالك به وله طرق في الصحيحين والسنن .
( قال مالك : الفقير ) بفاء ثم قاف بلفظ الفقير من بني آدم ( هو البئر ) القريبة القعر الواسعة الفم ، وقيل الحفرة التي تكون حول النخل .