بالقصر مصدر كالبشرى مختصة غالبا بشيء محبوب يرى مناما كذا قاله جمع .
وقال آخرون : الرؤيا كالرؤية جعلت ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق بين ما يراه النائم واليقظان .
1781 1733 - ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) ، زيد ( الأنصاري عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا الحسنة ) ، أي الصادقة ، أو المبشرة احتمالان للباجي ( من الرجل الصالح ) ، وكذا المرأة الصالحة اتفاقا ، حكاه ابن بطال ، والمراد غالب رؤيا الصالحين ، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم .
( جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) ، مجازا لا حقيقة ; لأن النبوة انقطعت بموته - صلى الله عليه وسلم - وجزء النبوة لا يكون نبوة ، كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة ، نعم إن وقعت منه - صلى الله عليه وسلم - فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة ، وقيل : إن وقعت من غيره ، فهي جزء من علم النبوة لأنها ، وإن انقطعت فعلمها باق ، وتعقب بقول مالك ، كما حكاه ابن عبد البر حين سئل : أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال : أبالنبوة يلعب ؟ ثم قال : الرؤيا جزء من النبوة .
وأجيب بأنه لم يرد أنها نبوة باقية ، وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بلا علم ، فليس المراد أنها نبوة من جهة الاطلاع ; لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة ، وجزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له ، كمن قال : أشهد أن لا إله إلا الله رافعا صوته لا يسمى مؤذنا ، قال أبو عمر : مفهومه أنها من غير الصالح لا يقطع بأنها كذلك ، ويحتمل أنه خرج [ ص: 557 ] على جواب سائل ، فلا مفهوم له ، ويؤيده قوله في مرسل عطاء الآتي : يراها الرجل الصالح ، أو ترى له ، فعم قوله يرى الصالح وغيره ، ثم يحتمل أن الرؤيا نوع من ستة وأربعين نوعا من نزول الوحي ; لأنه كان يأتي على ضروب ، وأن تكون جزءا من النبوة ; لأن فيها ما يعجز كالطيران ، وقلب الأعيان ، وذلك ركن من أركان النبوة ، أو لما فيها من الاطلاع على الغيب ; لأن الرائي يخبر بعلم ما غاب ، والأول أولى ، وأشبه بالأصول ، انتهى ، ملخصا .
وقال ابن العربي : أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك ، أو نبي ، وإنما القدر الذي أراد - صلى الله عليه وسلم - بيانه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة ; لأن فيها اطلاعا على الغيب من وجه ما ، وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة .
وقال المازري : هو مما أطلع الله عليه نبيه ، ولا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة ، وتفصيلا ، فقد جعل الله للعالم حدا يقف عنده ، فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلا ، ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلا ، وهذا من هذا القبيل .
ونقل ابن بطال عن أبي سعيد السفاقسي : أن بعض العلماء ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ، ثم أوحى إليه بعد ذلك يقظة بقية حياته ، ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثة وعشرين سنة على الصحيح .
قال ابن بطال : هذا بعيد من وجهين : أحدهما أنه اختلف في قدر المدة التي بعد البعثة ، والثاني أنه يبقى حديث سبعين جزءا لا معنى له .
وقال الخطابي : هذا وإن كان وجها تحتمله قسمة الحساب ، والعدد ، فأول ما يجب على قائله أن يثبت ما ادعاه خبرا ، ولم نسمع فيه أثرا ، ولا ذكر مدعيه فيه خبرا ، فكأنه قاله على سبيل الظن ، والظن لا يغني من الحق شيئا ، وليس كل ما خفي علينا علمه يلزمنا حجته كأعداد الركعات ، وأيام الصيام ، ورمي الجمار فإنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها ، ولم يقع ذلك في موجب اعتقادنا للزومها ، قال : ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة ، لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي أوحي إليه فيها مناما في طول المدة ، كرؤيا أحد ودخول مكة ، فتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب ، فتبطل القسمة التي ذكرها .
وأجيب عن هذا بأن المراد على تقدير الصحة ، وحي المنام المتابع ، فما وقع في غضون وحي اليقظة يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة ، فهو مغمور في جانب وحيها فلم تعتبر به ، وقد ذكروا مناسبات غير ذلك يطول ذكرها .
وفي مسلم من حديث أبي هريرة : " جزء من خمسة وأربعين " ، وله أيضا عن ابن عمر : " جزء من سبعين جزءا " ، وللطبراني عنه : " من ستة وسبعين " ، وسنده ضعيف .
وعند ابن عبد البر عن ثابت عن أنس : " جزء من ستة وعشرين " ، وعند ابن جرير عن ابن عباس : " جزء من خمسين " ، وللترمذي عن أبي رزين : " جزء من أربعين " ، ولابن جرير عن عبادة : [ ص: 558 ] " جزء من أربعة وأربعين " ، وابن النجار عن ابن عمر : " جزء من خمس وعشرين " ، ووقع في شرح مسلم للنووي : وفي رواية عبادة : " من أربع وعشرين " ، فإن لم يكن تصحيفا ، فالجملة عشر روايات ، والمشهور " ستة وأربعين " ، وهو ما في أكثر الأحاديث .
قال الحافظ : ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه - صلى الله عليه وسلم - بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه ، حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك ، وذلك وقت الهجرة ، ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ، ولما أكمل اثنين وعشرين ، حدث بأربعة وأربعين ، ثم بعدها بخمسة وأربعين ، ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته ، وما عدا ذلك من الروايات فضعيف .
ورواية خمسين يحتمل جبر الكسر والسبعين للمبالغة ، وعبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد بالتبليغ بخلاف النبوة ، فاطلاع على بعض الغيب وكذلك الرؤيا ، فإن قيل : فإذا كانت جزءا من النبوة ، فكيف يكون للكافر منها نصيب كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف ، ورؤيا ملكهم وغير ذلك .
وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب ، فأمره الله في المنام بفصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرأ .
بأن الكافر ، وإن لم يكن محلا لها ، فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير دنياه ، كما أن كل مؤمن ليس محلا لها ، ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير دنيوي ، فإن الناس في الرؤيا ثلاث درجات : الأنبياء ورؤياهم كلها صدق ، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير .
والصالحون ، والغالب على رؤياهم الصدق ، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير ، وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق .
والأضغاث ، وهم ثلاثة مستورون ، فالغالب استواء الحال في حقهم ، وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق ، وكفار ويندر فيها الصدق جدا .