الرخصة ؛ شرعا : الإباحة للضرورة ، وقد تستعمل في إباحة نوع من جنس ممنوع ، فالرخصة هنا تناولت بعض أحوال قضاء الحاجة ، وهو ما إذا كانوا في البيوت .
455 457 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان ) بفتح المهملة وشد الموحدة ( عن عمه واسع بن حبان ) والثلاثة مدنيون أنصاريون تابعيون لكن قيل : [ ص: 659 ] لواسع رؤية ، فلذا ذكر في الصحابة ، وأبوه حبان بن منقذ بن عمرو له ولأبيه صحبة . ( عن عبد الله بن عمر أنه ) أي : ابن عمر كما في مسلم : زعم عود الضمير على واسع وهم ( كان يقول : إن أناسا ) كأبي أيوب وأبي هريرة ومعقل الأسدي وغيرهم ممن يرى بعموم النهي في استقبال القبلة واستدبارها ( يقولون : إذا قعدت على حاجتك ) كناية عن التبرز ونحوه ، وذكر القعود ؛ لأنه الغالب وإلا فحال القيام كذلك .
( nindex.php?page=hadith&LINKID=10352286فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس ) بفتح فسكون فكسر مخففا ، وبضم الميم وفتح القاف وشد الدال مفتوحة ، و " بيت " نصب عطفا على القبلة ، والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة كمسجد الجامع ( قال عبد الله ) ليس جوابا لواسع ؛ لأن ابن عمر أورد القول الأول منكرا له ، ثم بين سبب إنكاره بما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولذا وقع في رواية التنيسي ؛ فقال بفاء السببية : فكان عليه أن يقول لقد ارتقيت . . . إلخ ، لكن الراوي عنه واسع أراد التأكيد بإعادة قوله قال عبد الله ( لقد ارتقيت ) أي : صعدت ، واللام جواب قسم محذوف ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10352287على ظهر بيت لنا ) ، وفي رواية يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد : " على ظهر بيتنا " ، وفي رواية عبيد الله بن عمر ، عن يحيى : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352288على ظهر بيت حفصة " كما في البخاري ؛ أي : أخته ، كما في مسلم ، ولابن خزيمة : دخلت على nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت ، وجمع الحافظ بأنه حيث أضافه إليه مجازا ؛ لأنها أخته ، وحيث أضافه إليها باعتبار أنه البيت الذي أسكنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه واستمر في يدها إلى أن ماتت فورث عنها ، وحيث أضافه إلى نفسه كأنه باعتبار ما آل إليه الحال ؛ لأنه ورث حفصة دون إخوته ؛ لأنها شقيقته ولم تترك من يحجبه من الاستيعاب . ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10352289فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين ) بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون ؛ تثنية لبنة ، وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10352290مستقبل بيت المقدس لحاجته ) أي : لأجل حاجته ، أو وقت حاجته ، ولابن خزيمة : nindex.php?page=hadith&LINKID=2003887فأشرفت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على خلائه . وفي رواية له : " فرأيته يقضي حاجته محجوبا عليه بلبنتين " . وللحكيم الترمذي بسند صحيح : " فرأيته في كنيف " وهو بفتح الكاف وكسر النون فتحتية ففاء ، وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا يحتمل أنه رآه في الفضاء ، وكونه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أنه جلس عليهما ليرتفع عن الأرض بهما ، ويرد هذا الاحتمال أيضا أن ابن عمر كان يرى المنع في الاستقبال في الفضاء إلا بساتر كما رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به ، ولم يقصد ابن عمر الإشراف [ ص: 660 ] على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة ، وإنما صعد السطح لضرورة له كما في رواية للبخاري : ارتقيت لبعض حاجتي ، فحانت منه التفاتة كما في رواية البيهقي من طريق نافع عنه ، فلما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة بلا قصد أحب أن لا يخلى ذلك من فائدة فحفظ هذا الحكم الشرعي ، وكأنه إنما رآه من جهة ظهره حتى صاغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور ، ودل على ذلك شدة حرصه على تتبع أحواله - صلى الله عليه وسلم - ليتبعها وكذا كان - رضي الله عنه - . ( ثم قال ) ابن عمر ( لعلك ) الخطاب لواسع وغلط من زعم أنه مرفوع ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10352291من الذين يصلون على أوراكهم قال ) واسع ( قلت : لا أدري والله ) أنا منهم أم لا ( قال مالك ) مفسر القول يصلون . . . إلخ ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10352292يعني الذي يسجد ولا يرتفع على الأرض يسجد وهو لاصق بالأرض ) وهو خلاف هيئة السجود المشروعة ؛ وهي مجافاة بطنه عن وركيه والتجنح تجنحا وسطا ، واستشكل ذكر ابن عمر لهذا مع المسألة السابقة ، وأجاب الكرماني باحتمال أنه أراد أن الذي خاطبه لا يعرف السنة ، إذ لو عرفها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره ، أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس ، وكنى عن من لا يعرف السنة بالذي يصلي على وركيه ؛ لأن فاعل ذلك لا يكون إلا جاهلا بالسنة .
قال الحافظ : ولا يخفى ما فيه من التكلف وليس في السياق أن واسعا سأل ابن عمر عن المسألة الأولى حتى ينسبه إلى عدم معرفتها ، ثم الحصر مردود ؛ لأنه قد يسجد على وركيه من يعلم سنن الخلاء ، والذي يظهر في المناسبة ما دل عليه سياق مسلم فأوله عنده عن واسع قال : " كنت أصلي في المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي الأيسر فقال عبد الله : يقول ناس " فذكر الحديث .
وكان ابن عمر رأى منه في حال سجوده شيئا لم يتحققه عنده فقدمها على ذلك للأمر المظنون ، ولا بعد أن يكون قريبا عهد بقول من نقل عنهم ما نقل ، فأحب أن يعرفه هذا الحكم لينقله عنه ، على أنه لا يمتنع إبداء مناسبة بين هاتين المسألتين بخصوصهما ، فإن لإحداهما بالأخرى تعلقا بأن يقال : لعل الذي كان يسجد وهو لاصق بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حال ، وأحوال الصلاة أربعة : قيام وركوع وسجود وقعود ، وانضمام الفرج فيها بين الوركين ممكن ، إلا إذا جاء في السجود فرأى أن في الإلصاق ضما للفرج ففعله ابتداعا وتنطعا . والسنة بخلاف ذلك ، والستر بالثياب كاف في ذلك ، كما أن الجدار كاف في كونه حائلا بين العورة والقبلة إن قلنا : إن مثار النهي الاستقبال بالعورة فلما حدث ابن عمر التابعي بالحكم الأول أشار له بالحكم الثاني منبها له [ ص: 661 ] على ما ظنه منه في تلك الصلاة التي رآه صلاها . وقول واسع ( لا أدري ) يدل على أنه لا شعور عنده بشيء مما ظنه به ، ولذا لم يغلظ له ابن عمر في الزجر . وفي حديث ابن عمر دلالة على جواز استدبار القبلة في الأبنية ، وحديث جابر على جواز استقبالها ، وقد رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم عن جابر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352293كان - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة " ، والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافا لزاعمه ، بل محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه ؛ لأن ذلك هو المعهود من حاله - صلى الله عليه وسلم - لمبالغته في الستر ، ورؤية جابر وابن عمر له كانت بلا قصد ، ودعوى أن ذلك خصوصية لا دليل عليه ؛ إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال ، ولولا حديث جابر لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إلا الاستدبار فقط ، ولا يصح إلحاق الاستقبال به ، وقد تمسك به قوم فقالوا : يجوز الاستدبار دون الاستقبال .
وبالفرق بين البنيان والصحراء مطلقا ؛ قال الجمهور ومالك والشافعي وإسحاق وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة .
وقال قوم بالتحريم مطلقا وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد وأبي ثور ، ورجحه من المالكية ابن العربي ، ومن الظاهرية ابن حزم ، وحجتهم أن النهي مقدم على الإباحة ولم يصححوا حديث جابر ، وقال قوم بالجواز مطلقا وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود ؛ لأن الأحاديث تعارضت فرجع إلى أصل الإباحة . وقيل : يجور الاستدبار في البنيان فقط لحديث ابن عمر ، وبه قال أبو يوسف . وقيل : يحرم مطلقا حتى في القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس لحديث معقل الأسدي : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352294نهى - صلى الله عليه وسلم - أن يستقبل القبلتين ببول أو غائط " رواه أبو داود وغيره وهو ضعيف ، وعلى تقدير صحته فالمراد به أهل المدينة ومن على سمتها ؛ لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة ، فالعلة استدبارها لا استقباله . وقيل : يختص التحريم بأهل المدينة ومن على سمتها ، فأما من قبلته في المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352295شرقوا أو غربوا " انتهى .
قال الباجي : أدخل مالك حديث ابن عمر في الرخصة في استقبال القبلة ، وإنما فيه رأيته يستقبل بيت المقدس ، فيحتمل أن يريد الاستقبال والاستدبار ، فإذا استقبل بالمدينة بيت المقدس فقد استدبر مكة فراعى مالك المعنى دون اللفظ ، ويحتمل أن تكون القبلة في الترجمة بيت المقدس ؛ لأنها كانت قبلة ؛ فإن نسخت الصلاة إليها فسائر أحكامها وحرمها باقية على ما كانت قبل النسخ ، وقد روي النهي عن استقبالها وإن كان إسناده ضعيفا فيحتمل أن معناه ما تقدم ، ويحتمل أن ينهى عن استقباله حين كان قبله ثم نهى عن استقباله على ما تقتضيه الأدلة ، انتهى .
وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ، وتابعه سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد نحوه عند مسلم .