هذا حديث قد اتفق أهل العلم على صحة إسناده ، وجعله جمهور الفقهاء أصلا في مقدار الوصية ، وإنه لا يتجاوز بها الثلث ، إلا أن في بعض ألفاظه اختلافا عند نقلته .
فمن ذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة قال فيه : عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد ، عن أبيه : مرضت عام الفتح . انفرد بذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب فيما علمت .
وقد روينا هذا الحديث من طريق معمر ، nindex.php?page=showalam&ids=17423ويونس بن يزيد ، nindex.php?page=showalam&ids=15136وعبد العزيز بن أبي سلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=17314ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن [ ص: 376 ] أبي عتيق ، وإبراهيم بن سعد ، فكلهم قال فيه : عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عام حجة الوداع ، كما قال مالك .
هكذا في حديث عمرو القاري " أفأوصي " على الشك أيضا ، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب فلم يختلف عنه أصحابه لا nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ولا غيره أنه قال فيه : أفأتصدق بمالي كله ، أو بثلثي مالي ، ولم يقل : أفأوصي ، فإن صحت هذه اللفظة قوله : أفأتصدق ، كان في ذلك حجة قاطعة لما ذهب إليه جمهور أهل العلم في هبات المريض وصدقاته ، وعتقه أن ذلك من ثلثه لا من جميع ماله ، وهو قول مالك ، والليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد ، وعامة أهل الحديث ، والرأي .
وقالت فرقة من أهل النظر ( وأهل الظاهر ) منهم داود في هبة المريض : أنها من جميع ماله ، والحجة عليهم شذوذهم عن السلف ومخالفة الجمهور ، وما ذكرنا في هذا الباب من حديث سعد ، ، nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن حصين .
وقد قال بعض أهل العلم : إن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد هو الذي قال في حديث سعد : أفأتصدق بثلثي مالي أو بمالي ؟ وأما nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد فإنما قال : أفأوصي ؟ ولم يقل : أفأتصدق ؟ .
والذي أقوله أن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب هو الذي قال : عن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد في هذا الحديث أفأتصدق ؟ لأن غير nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب رواه عن عامر فقال فيه : أفأوصي ؟ كما قال nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد وهو الصحيح إن شاء الله .
روى nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، عن سعد بن إبراهيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1012583جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني ، وأنا بمكة ، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها ، قال : " يرحم الله سعد بن عفراء " قلت : يا رسول الله ، أفأوصي بمالي كله ؟ قال : " لا " قلت : فالشطر ؟ قال : " لا " قلت : فالثلث ؟ قال : " الثلث ، والثلث كثير . . . " وذكر تمام الحديث .
وأجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من ثلثه إذا ترك ورثة من بنين ، أو عصبة .
واختلفوا إذا لم يترك بنين ، ولا عصبة ، ولا وارثا بنسب ، أو نكاح ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إذا كان كذلك ، جاز له أن يوصي بماله كله . ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري مثله ) ، وقال بقولهما قوم منهم nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق ، nindex.php?page=showalam&ids=16536وعبيدة السلماني ) ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، ، واختلف في ذلك قول أحمد [ ص: 380 ] وذهب إليه جماعة من المتأخرين ممن يقول بقول nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت في هذه المسألة .
ومن حجتهم أن الاقتصار على الثلث ( في الوصية ) إنما كان من أجل أن يدع ورثته أغنياء ، وهذا لا ورثة له ، فليس ممن عني بالحديث ، والله أعلم .
( ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أن أبا موسى أجاز وصية امرأة بمالها كله ، لم يكن لها وارث .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : قال لي nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إنكم من أحرى حي بالكوفة أن يموت ولا يدع عصبة ولا رحما ، فما إذا كان ذلك أن يضع ماله في الفقراء والمساكين ؟ .
وعن معمر ، عن أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : إذا مات الرجل ، وليس عليه عقد لأحد ، ولا عصبة يرثونه ، فإنه يوصي بماله كله حيث شاء .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق مثله ) .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت : لا يجوز ( لأحد أن يوصي بأكثر من ثلثه كان له بنون ، أو ورث كلالة ، أو ورثه جماعة المسلمين ) ، لأن بيت مالهم عصبة من لا عصبة له ، .
وبهذا القول قال جمهور أهل العلم ، وإليه ذهب جماعة فقهاء الأمصار إلا ما ذكرنا عن طوائف من المتأخرين من أصحابهم .
وفي هذا الحديث تخصيص للقرآن ; لأنه أطلق الوصية [ ص: 381 ] ولم يقيدها بمقدار لا يتعدى ، وكان مراده عز وجل من كلامه ما بينه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال الله عز وجل : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم يعني لتبين لهم مراد ربهم فيما احتمله التأويل من كتابهم الذي نزل عليهم ، وسيأتي القول في حكم الوصية لغير الوالدين والأقربين في باب نافع ، وباب nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد إن شاء الله .
وقال أهل الظاهر : إن الوصية بأكثر من الثلث لا تجوز ، أجازها الورثة أو لم يجيزوها ، وهو قول عبد الرحمن بن كيسان ، .
وإلى هذا ذهب nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد حين قال له : أوصي بشطر مالي ؟ قال : " لا " ، ولم يقل له إن أجازه ورثتك جاز .
وكذلك قالوا إن الوصية للوارث لا تجوز أجازها الورثة أو لم يجيزوها ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا وصية لوارث .
وسائر الفقهاء يجيزون ذلك إذا أجازها الورثة ، ويجعلونها هبة مستأنفة ( من قبل الورثة ) في الوجهين جميعا منهم : مالك ، والليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهم ، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 382 ] الثلث كثير دليل على أنه الغاية التي إليها تنتهي الوصية ، وإن ذلك كثير في الوصية ، وأن التقصير عنه أفضل ، ألا ترى إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعقب قوله : " الثلث كثير " ولأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس فاستحب له الإبقاء لورثته .
وكره جماعة من أهل العلم الوصية بجميع الثلث ، ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : إذا كان ورثته قليلا ، وماله كثيرا فلا بأس أن يبلغ الثلث في وصيته .
واستحب طائفة منهم الوصية بالربع ، روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وغيره .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه : السنة في الوصية الربع ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الثلث كثير " إلا أن يكون رجل يعرف في ماله شبهات ، فيجوز له الثلث لا يجوز غيره .
قال أبو عمر :
لا أعلم لإسحاق حجة في قوله : السنة في الوصية الربع ، وهذا الذي نزع به ليس بحجة في تسمية ذلك سنة .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق أنه كان يفضل الوصية بالخمس ، وبذلك أوصى ، وقال : رضيت لنفسي ما رضى الله لنفسه ( كأنه ) يعني : خمس الغنائم ، واستحب جماعة ، واحتجوا بحديث ضعيف [ ص: 383 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " جعل الله لكم في الوصية ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " .
وهو حديث انفرد به طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وطلحة ضعيف ، روى عنه هذا الخبر nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ( nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب ) ، وغيره .
ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الوصية بأكثر من الثلث لا تجوز على حسب ما قدمنا ذكره .
( وقد روى معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : الثلث وسط لا غبن فيه ولا شطط ، وهذا لا ندري ما هو ; لأن الغاية ليست بوسط إلا أن يكون أراد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك وسط أي عدل ، والوسط العدل ) .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : لو أن الناس غضوا من الثلث ؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الثلث ، والثلث كثير " فليتهم نقصوا إلى الربع .
وقال قتادة : الثلث كثير ، والقضاة يجيزونه ، والربع قصد ، وأوصى أبو بكر بالخمس .
( وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، قال : الثلث جهد ، وهو جائز .
[ ص: 384 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن إبراهيم ، ، قال : كان الخمس أحب إليهم من الربع ، والربع أحب إليهم من الثلث .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : وأخبرني من سمع الحسن ، وأبا قلابة يقولان أوصى أبو بكر بالخمس ) أخبرنا محمد بن خليفة ، ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15936زياد بن أيوب ، ، قال : حدثنا معاذ بن أيوب ، ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل بن علية ، ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12420إسحاق بن سويد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14808العلاء بن زياد ، ، قال : أوصاني أبي أن أسأل العلماء : أي الوصية أعدل ؟ فما تتابعوا عليه فهي وصيته ، فسألت ، فتتابعوا على الخمس .
قال : وأخبرنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12260أحمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن إبراهيم ، ، قال : كانوا يقولون : صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث ، وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع ، يعني في الوصية .
وأجمعوا أن الوصية ليست بواجبة إلا على من كانت عليه حقوق بغير بينة أو ، كانت عنده أمانة بغير شهادة ، فإن كان ذلك فواجب عليه الوصية فرضا لا يحل له أن يبيت ليلتين إلا وقد أشهد بذلك ، وأما التطوع فليس على أحد أن يوصي به ، إلا فرقة شذت فأوجبت ذلك .
والآية بإيجاب الوصية للوالدين والأقربين منسوخة ، وسنبين ذلك في باب نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من كتابنا ( هذا ) إن شاء الله .
ولم يوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كانت الوصية واجبة ، كان أبدر الناس إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل ، قال : عليه [ ص: 385 ] - الصلاة والسلام - أفضل الصدقة أن تعطي وأنت صحيح شحيح ، تأمل وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت النفس الحلقوم قلت : هذا لفلان ، وهذا لفلان .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14119الحسن بن عبيد الله ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ، أنه ذكر له أن الزبير ، ، وطلحة كانا يشددان على الرجل في الوصية ، فقال : ما كان عليهما أن يفعلا ، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما أوصى ، وأوصى أبو بكر فإن أوصى فحسن ، وإن لم يوص فلا بأس .
قال أبو عمر :
ليس قول النخعي هذا بشيء ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتخلف عنه ما يوصي فيه ; لأنه مخصوص بأن يكون كل ما يتركه صدقة .
قال : وحدثنا إسماعيل ، قال : سمعت عبد الله بن عون ، يقول إنما الوصية بمنزلة الصدقة ، فأحب إلي إذا كان الموصى له غنيا عنها أن يدعها .
[ ص: 386 ] وأما قول سعد في الحديث : " وأنا ذو مال " ففيه دليل على أنه لو لم يكن ذا مال ما أذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوصية ، والله أعلم .
ألا ترى إلى قوله : لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وقد منع nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب أو nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مولى لهم من أن يوصي ، وكان له سبعمائة درهم ، وقال : إنما قال الله تبارك وتعالى إن ترك خيرا وليس لك كبير مال .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : لا يجوز لمن كان ورثته كثيرا ، وماله قليلا أن يوصي بثلث ماله .
قال : وسئل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن ثمانمائة درهم ؟ فقال : قليل ، وسئلت عائشة عن رجل له أربعمائة درهم ، وله عدة من الولد ، فقالت : ما في هذا فضل عن ولده .
وفي هذا الحديث أيضا عيادة العالم ، والخليفة ، وسائر الجلة للمريض .
وفيه دليل على أن الأعمال لا تزكو عند الله إلا بالنيات لقوله : وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها ، فدل على أنه لا يؤجر على شيء من الأعمال إلا ما ابتغى به وجهه تبارك وتعالى ، وفيه دليل على أن الإنفاق على البنين ، والزوجات من الأعمال الصالحات ، وإن ترك المال للورثة أفضل من الصدقة به إلا لمن كان واسع المال ، والأصول تعضد هذا التأويل ; لأن الإنفاق على من تلزمه نفقته فرض ، وأداء الفرائض أفضل من التطوع .
[ ص: 387 ] ولو استدل مستدل على وجوب نفقات الزوجات بهذا الحديث لكان مذهبا ؛ لقوله حتى ما تجعل في امرأتك .
وأما قول سعد : أخلف بعد أصحابي ؟ فمعناه عندي ، والله أعلم ، أخلف بمكة بعد أصحابي المهاجرين المنصرفين إلى المدينة ، ويحتمل أن يكون لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله ، وتنفق فعل مستقبل أيقن أنه لا يموت من مرضه ذلك ، أو ظن ذلك ، فاستفهمه هل يبقى بعد أصحابه ، فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب من قوله " لن تنفق ( نفقة ) تبتغي بها وجه الله " وهو قوله : إنك إن تخلف ، فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به رفعة ودرجة ، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون " ، وهذا كله ليس بتصريح ، ولكنه قد كان كما قاله - صلى الله عليه وسلم - وصدق في ذلك ظنه ، وعاش سعد حتى انتفع به أقوام ، واستضر به آخرون .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، قال : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج ، قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد بن أبي وقاص عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبيه عام حجة الوداع ، nindex.php?page=hadith&LINKID=1012595 " ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون " ، فقال : أمر سعد على العراق ، فقتل قوما على ردة فأضر بهم ، واستتاب قوما سجعوا سجع مسيلمة ، فتابوا فانتفعوا .
[ ص: 388 ] قال أبو عمر : مما يشبه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لسعد ) هذا الكلام قوله للرجل الشعث الرأس : " ماله ؟ ضرب الله عنقه " فقال : الرجل : في سبيل الله ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " في سبيل الله ) " فقتل الرجل في تلك الغزاة .
ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤتة " أميركم nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، فإن قتل nindex.php?page=showalam&ids=315فجعفر بن أبي طالب ، فإن قتل nindex.php?page=showalam&ids=82فعبد الله بن رواحة " فقال بعض أصحابه : نعى إليهم أنفسهم ، فقتلوا ثلاثتهم في تلك الغزاة ، ومثل ذلك أيضا قصة عامر بن سنان حين ارتجز برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سيره إلى خيبر ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " غفر لك ربك يا عامر ، فقال ( له ) عمر : يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ، قال ، وذلك أنه ما استغفر لإنسان قط يخصه بذلك إلا استشهد ، فاستشهد ( عامر ) يوم خيبر .
وهذا كله ليس بتصريح من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القول ، ولا تبيين في المراد والمعنى ، ولكنه كان يخرج كله كما ترى .
وقد خلف nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص بعد حجة الوداع نحو خمس وأربعين سنة ، وتوفي سنة خمس وخمسين ، وقد ذكرنا أخباره وسيره ، وطرفا من فضائله في كتابنا في الصحابة فأغنى عن ذكره ههنا .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي ، هذه الهجرة هجرة المعاصي غير الهجرتين الأوليين ، كما روى nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن صالح بن بشير بن فديك ، ، قال : خرج فديك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا [ ص: 390 ] رسول الله ، إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر هلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا فديك ، أقم الصلاة ، وآت الزكاة ، واهجر السوء ، واسكن من أرض قومك حيث شئت ، تكن مهاجرا " .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة : أفضل الجهاد والهجرة كلمة عدل عند إمام جائر .
وقد قيل : إنه لم تكن هجرة مفترضة بالجملة على أحد إلا على أهل مكة فإن الله عز وجل افترض عليهم الهجرة إلى نبيهم حتى فتح عليه مكة فقال حينئذ : " لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية " .
فمضت الهجرة على أهل مكة من كان مهاجرا ، لم يجز له الرجوع إلى مكة واستيطانها ، وترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل افترض عليهم المقام معه ، فلما مات - صلى الله عليه وسلم - افترقوا في البلدان .
وقد كانوا يعدون من الكبائر أن يرجع أعرابيا بعد هجرته ، وهذا الحديث يدل على قوله : " لا هجرة بعد الفتح " أي لا هجرة مبتداة يهجر بها المرء وطنه هجرانا لا ينصرف إليه من أهل مكة قريش خاصة بعد الفتح ، وأما من كان مهاجرا منهم فلا يجوز له الرجوع إليها على حال من الأحوال ، ويدع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا بين مما ذكرنا إن شاء الله .
وقد بقي من الهجرة باب باق إلى يوم القيامة ، وهو المسلم في دار الحرب ، إذا أطاقت أسرته ، أو كان كافرا فأسلم لم يحل له المقام في دار الحرب ، وكان عليه الخروج عنها فرضا واجبا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا بريء من كل مسلم مع مشرك " ، وكيف يجوز لمسلم [ ص: 391 ] المقام في دار تجري عليه فيها أحكام الكفر ، وتكون كلمته فيها سفلى ويده ، وهو مسلم هذا لا يجوز لأحد .
وفيه دليل على قطع الذرائع في المحرمات ; لأن سعدا وإن كان مريضا فربما حمل غيره حب الوطن على دعوة المرض ، فلذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1012604اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ولكن البائس سعد بن خولة ، وقوله يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات بمكة من قول nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب .
وفي قول سعد في هذا الحديث أرهب أن أموت في الأرض التي هاجرت ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1012606اللهم أمض لأصحابي هجرتهم " دليل على أنه إنما يحزن على سعد بن خولة ; لأنه مات في الأرض التي هاجر منها ، لا أنه لم يهاجر كما ظن بعض من لا يعلم ذلك ; لأن سعد بن خولة ممن شهد بدرا عند جماعة أهل العلم ، والسير ، والخبر على أنه قد روي ذلك أيضا نصا ) .
حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12436إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723عبد الرحمن الأعرج ، قال : خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد رجلا فقال : " إن مات بمكة فلا تدفنه بها " .
[ ص: 393 ] ( قال سفيان : لأنه كان مهاجرا ) وروى nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن محمد بن قيس ، عن أبي بردة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتكره للرجل أن يموت في الأرض التي هاجر منها ؟ قال : نعم ، .
وقال : nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق سألت إبراهيم عن الجوار بمكة فرخص فيه ، وقال : إنما كره لئلا يغلو السعر ، وكره لمن هاجر أن يقيم بها .
( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12933أحمد بن المفسر : حدثنا أحمد بن علي : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين ) : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم مكة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1012610اللهم لا تجعل منايانا بها ( حتى تخرجنا منها ) لأنه كان مهاجرا .
وأما سعد بن خولة فرجل من بني عامر بن لؤي ، وقد قيل : إنه حليف لهم ، وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة بما فيه كفاية .
حدثني nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، قال : حدثنا الحسن بن علية ، وإسحاق بن إبراهيم بن جابر قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير ، قال : حدثني الليث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب ، قال : توفي سعد بن خولة في حجة الوداع .