قال أبو عمر : هذا حديث صحيح ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=11871وأبو الطفيل من كبار التابعين وجلتهم وعلمائهم ، ممن ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة على شرطنا فيه ، فأغنى عن ذكره هاهنا ، وقد ذكرنا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل هناك ذكرا مجودا إن شاء الله ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=11871أبو الطفيل محبا في علي ، غير متنقص لغيره من الصحابة ، وجهل أمره من جعله من الشيعة الغالية .
[ ص: 195 ] وفي هذا الحديث من الفقه غزو الإمام بنفسه العدو مع عسكره ، وفيه غزو الروم ; لأن غزوة تبوك كانت إلى الروم بأرض الشام ، وهي غزاة لم يلق فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيدا ولا قتالا ، وانصرف لما قد ذكره أهل السير ، وقد قيل : إن غزو الروم وسائر أهل الكتاب أفضل من غيرهم .
وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال : لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا إذا جد به السير .
واختلف الفقهاء في ذلك ، فروى ابن القاسم عن مالك - وهو رأيه - قال : لا يجمع المسافر في حج أو عمرة إلا أن يجد به السير ويخاف فوات أمر ، فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر ، وكذلك في المغرب والعشاء إلا أن يرتحل عند [ ص: 197 ] الزوال ، فليجمع حينئذ في المرحلة بين الظهر والعصر ، ولم يذكر في العشاءين الجمع عند الرحيل أول الوقت ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : وهما كالظهر والعصر .
وذكر أبو الفرج عن مالك قال : ومن أراد الجمع بين الصلاتين جمع بينهما إن شاء في آخر وقت الأولى منهما ، وإن شاء في وقت الآخرة منهما ، وإن شاء أخر الأولى فصلاها في آخر وقتها وصلى الثانية في أول وقتها ، قال : وذلك كجواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة .
قال أبو الفرج : وأصل هذا الباب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، والمغرب والعشاء بالمزدلفة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سافر فقصر وجمع بينهما كذلك ، والجمع أيسر خطبا من التقصير ، فوجب الجمع بينهما في الوقت الذي جمع بينهما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي سماع ابن القاسم قال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : وأحب ما فيه إلي والذي سمعت من مالك أن يجمع المسافر في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر ، وإن جمع بعد الزوال بينهما أجزأ ذلك عنه ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله .
[ ص: 198 ] قال ابن حبيب : وللمسافر أن يجمع ليقطع سفره ، وإن لم يخف شيئا ولم يبادره . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : لا يجمع إلا من جد به السير . وكان nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي يقول : لا يجمع بين الصلاتين إلا من عذر ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جد به السير جمع . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري نحو هذا ، وعنه أيضا ما يدل على إجازة جمع الصلاتين في وقت إحداهما للمسافر وإن لم يجد السير .
[ ص: 199 ] قال أبو عمر : ليس ( في ) هذا حجة ; لأن غير nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع بين الصلاتين في السفر بغير عرفة والمزدلفة ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ولم يشهد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه : من كان له أن يقصر فله أن يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما ، إن شاء في وقت الأولى ، وإن شاء في وقت الآخرة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح , nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله بن عمر , وجمهور علماء المدينة .
حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ومحمد بن أبي دليم قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11863عبد الله بن ذكوان nindex.php?page=showalam&ids=17004ومحمد بن عمرو وإبراهيم بن أيوب وغير واحد قالوا : حدثنا حمزة قال : حدثنا سليمان بن عبد العزيز ابن أخي رزيق بن حكيم قال : مر بنا بأيلة ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر nindex.php?page=showalam&ids=16228وصفوان بن سليم في أشياخ من أهل المدينة ، أرسل إليهم nindex.php?page=showalam&ids=15501الوليد بن يزيد ليسألهم عن يمين كان حلف بها ، قال : فأتيناهم في منزلهم ، وقد أخذوا في الرحيل ، فصلوا الظهر [ ص: 200 ] والعصر جميعا حين زالت الشمس وركبوا ، ثم أتينا المسجد فإذا رزيق بن حكيم يصلي للناس الظهر .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14161الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا عمر بن زيان الأيلي قال : حدثنا عمر بن سعد الأيلي عن nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد الأيلي قال : مر بنا القعقاع بن حكيم nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم وأبو حازم nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة بن عبد الرحمن خارجين إلى الرباط ، فنزلوا عليهم ، فوجدناهم قد شدوا محاملهم وسووا وطاءهم فصلوا الظهر والعصر ، ثم ركبوا ومشينا معهم إلى خلف بستان nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، ثم ودعناهم وانصرفنا وأتينا المسجد ورزيق بن حكيم يصلي للناس الظهر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14043أبو محمد الحسن بن علي : قلت لعمر : إلى أي رباط ذهبوا ؟ قال : إلى عسقلان . قال : وحدثنا عمر بن زيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16657عمر بن سعد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد قال : صحبت nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب إلى مكة ثماني سنين ، فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه وداود .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وداود : ليس للمسافر أن يجمع بين الصلاتين ولا يؤخر صلاة عن وقتها إلا بنية الجمع .
[ ص: 201 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر ما بين الزوال إلى أن تغيب الشمس وبين المغرب والعشاء ما بين مغيب الشمس إلى طلوع الفجر ، قال : والجمع في المطر كذلك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : وجه الجمع أن يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر ، ثم ينزل فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يغيب الشفق ، ثم يجمع بين المغرب والعشاء قال : فإن قدم العصر إلى الظهر والعشاء إلى المغرب فأرجو أن لا يكون به بأس ، قال إسحاق : لا بأس بذلك بلا رجاء .
قال أبو عمر : في حديث معاذ المذكور في هذا الباب ما يقطع الالتباس في أن للمسافر أن يجمع بين الصلاتين وإن لم يجد به السير ، وليس فيما روي من الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء ما يعارض حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ; لأن المسافر إذا كان له في السنة أن يجمع بين الصلاتين نازلا غير سائر ، فالذي يجد به السير أحرى بذلك ، وليس في واحد من الحديثين ما يعترض على الثاني به وهما حالان ، وإنما كانا يكونان متعارضين لو كان في أحدها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يجمع المسافر بين [ ص: 202 ] الصلاتين إلا أن يجد به السير ، وفي الآخر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر ؛ فأما أن يجمع - وقد جد به السير ويجمع - وهو نازل لم يجد به السير ، فليس هذا بمتعارض عند أحد له فهم ، وبالله التوفيق .
وقد أجمع المسلمون قديما وحديثا على أن الجمع بين الصلاتين بعرفة الظهر والعصر في أول وقت الظهر والمغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء ، وذلك سفر مجتمع عليه ؛ وعلى ما ذكرنا فيه ، فكل ما اختلف فيه من مثله فمردود إليه .
روى مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب أنه قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله : هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر ؟ فقال : نعم ، لا بأس بذلك ، ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة ؟ فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا ، وهو أصل صحيح لمن ألهم رشده ، ولم تمل به العصبية إلى المعاندة ، ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين للمسافر رخصة وتوسعة ، ولو كان الجمع على ما قال ابن القاسم والعراقيون من مراعاة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر ، لكان ذلك أشد ضيقا وأكثر حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها ; لأن وقت كل صلاة أوسع ومراعاته أمكن من مراعاة طرفي الوقتين ومن تدبر هذا وجده - كما وصفنا - وبالله توفيقنا .
[ ص: 204 ] ولو كان الجمع بين الصلاتين في السفر على ما ذهب إليه هؤلاء أيضا لجاز الجمع بين العصر والمغرب على ذلك المذهب ، وبين العشاء والفجر ، وقد أجمع العلماء على أن السنة إنما وردت في الجمع بين صلاتي النهار الظهر والعصر وبين صلاتي الليل المغرب والعشاء للرخصة في اشتراك وقتيهما في السفر لأنه عذر ، وكذلك عذر المطر ، وليس ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه في كيفية الجمع جميعا إذا كانت كل واحدة من الصلاتين يؤتى بها في وقتها .
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث وغيره أنه كان يجمع ( بينهما ) مسافرا في وقت إحداهما .
قال أبو داود : رواه nindex.php?page=showalam&ids=12523ابن أبي فديك عن nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد عن أبي الزبير بإسناده ، هذا عن معنى حديث مالك قال : وروى nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن nindex.php?page=showalam&ids=16845كريب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث المفضل .
ولمالك - رحمه الله - عن أبي الزبير حديث غريب صحيح ليس في الموطأ عند أحد من رواته فيما علمت والله أعلم ، وهو حديث يدخل في هذا الباب ، حدثناه nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أبي مسرة قال : حدثنا يحيى بن محمد المحاربي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16379عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ، عن أبي الزبير ، عن جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=1013507أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غربت له الشمس بمكة فجمع بينهما ، يعني المغرب والعشاء بسرف .
وفي هذا الحديث أيضا تقدم الإمام , إلى أهل العسكر بالنهي عما يريد ، وإن خالفه مخالف كان له معاقبته ( بما ) يكون تأديبا لمثله وردعا عن مثل فعله ، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع حلمه وما كان عليه من الخلق العظيم كيف سب الرجلين ؟ فقال لهما ما شاء الله أن يقول إذ خالفاه وأتيا ما نهى عنه ؟
[ ص: 208 ] وحدثني أحمد بن محمد وسعيد بن نصر وأحمد بن قاسم قالوا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17284وهب بن مسرة قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : أنا رأيت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانا خضرة نضرة .
وفيه إخباره - صلى الله عليه وسلم - بغيب كان بعده ، وهذا غير عجيب منه ، ولا مجهول من شأنه - صلى الله عليه وسلم - وأعلى ذكره .
وأما قوله في الحديث : والعين تبض بشيء من ماء فمعناه أنها كانت تسيل بشيء من ماء ضعيف . قال حميد بن ثور :
منعمة لو يصبح الذر ساريا على جلدها بضت مدارجه دما وتقول العرب للموضع حين يندى : قد بض ، وتقول : ماء بض بقطرة ؛ وهذه الرواية الصحيحة المشهورة في الموطأ " تبض " بالضاد المنقوطة ، ومن رواه بالصاد وضم الباء فمعناه أنه كان يضيء فيها شيء من الماء ويبرق ويرى له بصيص ، أو شيء من بصيص ، وعلى الرواية الأولى الناس .