وفيه دليل على أن لا جائحة يقام بها ، ويحكم بإلزامها البائع في الثمار إذا بيعت قلت الجائحة أو كثرت ; لأنه لم يذكر فيه مقدار النقصان كثيرا كان أم قليلا ، ولو لزمت الجائحة في شيء من الثمار البائع بعد بيعه لبين ذلك [ ص: 151 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولبين المقدار ، وهذا معنى اختلف فيه العلماء ، وقد ذكرنا ما لهم في ذلك من الأقوال ، وما احتجوا به من الآثار في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته هاهنا .
ومن قال بوضع الجوائح على المبتاع في الثمار ، وإلزامها البائع احتج بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ وبحديثه أيضا عليه الصلاة والسلام ; أنه نهى عن بيع السنين ، وأمر بوضع الجوائح ، وقد مضى ما للعلماء في هذه الآثار من التأويل والتخريج ، والوجوه ، والمعاني في باب حميد على ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى حديث عمرة هذا دون لفظه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، وهو حديث صحيح .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=15397أبو عبد الرحمن النسائي يقول : هذا الحديث أصح من حديث سليمان بن عتيق في وضع الجوائح ، وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14614محمد بن علي بن زيد الصائغ ، قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى ( ح ) وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا شبابة قالا جميعا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد عن nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله بن الأشج عن nindex.php?page=showalam&ids=16736عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1013685أصيب رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها بدين فكثر دينه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه ، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغرمائه : [ ص: 153 ] خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلا ذلك . ليس في حديث عبد العزيز بن يحيى " تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه " وهذا الحديث وحديث عمرة يدلان على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقض بوضع الجائحة ( في قليل ولا كثير ) والذين قالوا : معنى هذا الحديث في قوله : ليس لكم إلا ذلك ، يعني في ذلك الوقت حتى الميسرة ( لأنه كان مفلسا ، ويحتمل أن يكون الذي بقي عليه كان دون الثلث ، فقال : ليس لكم غير ذلك ) وخالفهم غيرهم فقالوا : لو كان ذلك لبين في الحديث ، وهذه دعوى ، وقد قال قوم : إن معنى الأمر بوضع الجوائح إنما هو في وضع خراج الأرض وكرائها عمن أصاب زرعه أو ثمره آفة .
ومنهم من قال : إنما هذا قبل القبض فإذا قبض المبتاع ما ابتاعه فلا جائحة فيه ، ومنهم من قال : الأمر بوضع الجوائح إنما كان على الندب إلى الخير بدليل حديث عمرة هذا ( وقوله فيه : تألى ألا يفعل خيرا ) لا أنه شيء يجب القضاء به ; لأن العلماء مجمعون على أن من قبض ما يبتاع بما يجب [ ص: 154 ] به قبضه من كيل أو وزن أو تسليم ، وصار في يد المبتاع كما كان في يد البائع ، أن المصيبة والجائحة فيه من المبتاع إلا الثمار إذا بيعت بعد بدو صلاحها فإنهم اختلفوا في ذلك فواجب رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه من نظير ، وفي هذه المسألة نظر .
وقد ذكرنا مذهب مالك وأهل المدينة فيها ، ومذهب غيرهم أيضا ، وحجة كل فريق منهم في باب nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد الطويل من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا ، وبالله التوفيق .