أراد بذكرهم أعم من أن يكونوا مجتمعين في حديث واحد ، أو متفرقين في أحاديث ، وفيه إيماء إلى أن أفضل الصحابة بعد الخلفاء الأربعة بقية العشرة على ما صرح به السيوطي في النقابة .
الفصل الأول
6108 - ( عن عمر - رضي الله عنه - ) ، أي : موقوفا ( قال ) ، أي : قرب موته يوم الشورى ( ما أحد أحق بهذا الأمر ) ، أي : أمر الخلافة ( من هؤلاء النفر ) : وهو من ثلاثة إلى عشرة ( الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض ) . أي : في كمال الرضا بحيث إنه كان معلوما لكل أحد بلا شبهة ، أو المراد بالرضا الرضا المخصوص ، وهو الذي يستحقون به الخلافة . قال الطيبي : علل الأحقية بقوله : ورسول الله عنهم راض ، والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - كان راضيا عن الصحابة كلهم ، فيحمل رضاه عنهم على الزيادة لكونهم من العشرة المبشرة بالجنة ، وكلهم من قريش والأئمة منهم . ( فسمى عليا ) ، أي : فعده ( وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعدا ، وعبد الرحمن ) . أي : فهم أفضل الناس في ذلك الزمان ، فلما دفن عمر أجمعوا على خلافة عثمان ، وسيأتي ترجمة الأربعة عند ذكر كل منهم منفردا إن شاء الله تعالى ، ثم اعلم أن اقتصار عمر على الستة من العشرة لا إشكال فيه لأنه منهم ، وكذلك أبو بكر ، ومنهم أبو عبيدة ، وقد مات قبل ذلك ، وأما سعيد بن زيد فهو ابن عم عمر ، فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبريء ، وقد صرح من رواية المدائني بأسانيده أن عمر عد سعيد بن زيد فيمن مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض إلا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه . ( رواه البخاري ) .
وفي الرياض : عن عمرو بن ميمون أنهم قالوا nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب لما طعنه أبو لؤلؤة : أوص يا أمير المؤمنين واستخلف . قال : ما أرى أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض ، فسمى عليا وطلحة وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص . قال : ويشهد عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له ، فإن أصاب الأمر سعدا فهو ذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة ، فلما توفي وفرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط ، فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير : قد جعلت أمري إلى علي ، وقال سعد : قد جعلت أمري إلى [ ص: 3948 ] عبد الرحمن ، وقال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان ، فخلا هؤلاء الثلاثة علي وعثمان وعبد الرحمن ، فقال عبد الرحمن للآخرين : أيكما يتبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه ، والله عليه والإسلام لينظرن إلى أفضلهم في نفسه ، وليحرصن على صلاح الأمة . قال : فأسكت الشيخان علي وعثمان ، فقال عبد الرحمن : أفتجعلونه إلي ، والله علي ألا آلو على أفضلكم . قالا : نعم ، فأخذ بيد علي فقال : إن لك من القدم والإسلام والقرابة ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ، ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن ، ثم خلا بعثمان فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق قال لعثمان : ارفع يدك فبايعه ثم بايعه علي ، ثم ولج أهل الدار فبايعوه أخرجه البخاري وأبو حاتم .
وفي رواية ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في كتاب مناهج أهل الإصابة في محبة الصحابة : أن عبد الرحمن لما قال لعلي وعثمان : أفتجعلونه إلي ؟ قالا : نعم . قال لعلي : أبايعك على سيرة أبي بكر وعمر ، فقال علي : واجتهاد رأيي ، فخاف أن يترخص من المباح ما لا يحتمله من ألف ذلك التشدد من سيرة الشيخين ، فقال لعثمان : أبايعك على سيرة أبي بكر وعمر . فقال : نعم ، فبايعه فسار سيرة أبي بكر وعمر مدة ، ثم ترخص في مباحات ، ولم يتحملوها حتى أنكروا عليه ، وأخرج أبو الخير القزويني الحاكمي عن أسامة بن زيد عن رجل منهم أنه كان يعني nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف كلما دعا رجلا منهم يعني من أهل الشورى تلك الليلة وذكر مناقبه ، وقال : إنك لها أهل فإن أخطأتك فمن ؟ يقول : إن أخطأتني فعثمان اهـ .
والحكمة في ترتيب الأربعة ما قاله بعض العارفين من أنه أراد الله أن يتشرف كل منهم بمنصب الخلافة ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ، وكان ذلك في الكتاب مسطورا ، وقد أجاب nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري لما قيل له : إن العباس مع جلالته وقربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنزلته لم يدخله في الشورى ؟ فقال : إنها لما جعلها في أهل السبق من المهاجرين البدريين ، والعباس لم يكن مهاجرا ولا سابقا ولا بدريا ، وسيأتي أن عثمان وطلحة وسعيدا في حكم أهل بدر حيث أعطي لهم من سهمها وأجرها ، ثم اعلم أن الإمامة تثبت إما بعقدها من أهل العقد والحل لمن عقدت له من أهلها كأبي بكر وإما بنص من الإمام على استخلاف واحد من أهلها كعمر ، ويجوز نصب المفضول من قريش مع وجود من هو أفضل منه بإجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على إمامة بعض من قريش مع وجود أفضل منه منهم ، ولأن عمر جعل الخلافة بين ستة منهم : عثمان وعلي ، وهما أفضل زمانهما بعد عمر ، فلو تعين الأفضل لعين عمر عثمان أو عليا ، فدل عدم تعيينه أنه يجوز نصب غيرهما مع وجودهما ، إذا غير الأفضل قد يكون أقدر منه على القيام بمصالح الدين ، وأعرف بتدبير الملك ، وأوفق لانتظام حال الرعية ، وأوثق في اندفاع الفتنة وأما اشتراط العصمة في الإمام وكونه هاشميا وظهور معجزة على يديه يعلم بها صدقه فمن خرافات الشيعة وجهالاتهم ، وتوطئة وتمهيد لهم على ضلالاتهم من بطلان خلافة غير علي مع انتفاء ذلك في علي - كرم الله وجهه .