161 - عن ربيعة الجرشي - رضي الله عنه - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10355915أتي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له : لتنم عينك ، ولتسمع أذنك ، وليعقل قلبك . قال : ( فنامت عيني ، وسمعت أذناي ، وعقل قلبي ) . قال : فقيل لي : سيد بنى دارا ، فصنع فيها مأدبة وأرسل داعيا ، فمن أجاب الداعي ، دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ورضي عنه السيد ، ومن لم يجب الداعي ، لم يدخل الدار ، ولم يأكل من المأدبة ، وسخط عليه السيد ) . قال : ( فالله السيد ، ومحمد الداعي ، والدار الإسلام ، والمأدبة الجنة ) . رواه الدارمي .
الفصل الثاني
161 - ( عن ربيعة ) : هو ابن عمرو ( الجرشي ) : بضم الجيم وفتح الراء المهملة ناحية من اليمن ، وقد سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر ابن أبي حاتم أنه ليس له صحبة . كذا في الاستيعاب ، وذكره المصنف في الصحابة ( - رضي الله عنه - قال : أتي ) : على صيغة المجهول ( نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، أي : أتاه آت ( فقيل له ) ، أي : للنبي - صلى الله عليه وسلم - ( لتنم عينك ، ولتسمع : بسكون اللام وكسرها ( أذنك ) : بضم الذال وسكونها ( وليعقل قلبك ) . قال المظهر ، أي : أتى ملك إليه وقال له ذلك ، ومعناه لا تنظر بعينك إلى شيء ولا تصغ بأذنك إلى شيء ولا تجر شيئا في قلبك أي كن حاضرا حضورا تاما لتفهم هذا المثل ( قال ( فنامت عيني ) : بالإفراد ، وفي نسخة عيناي ( وسمعت أذناي ، وعقل قلبي ) : يعني فأجابه بأني قد فعلت ذلك ، قيل : الأوامر الثلاثة واردة على الجوارح ظاهرا وهي في الحقيقة له عليه الصلاة والسلام بأن يجمع بين هذه الخلال الثلاث : نوم العين وحضور السمع والقلب ، وعلى هذا جوابه بقوله : فنامت : أي امتثلت لما أمرت به ، ويجوز أن لا يكون ثمة قول ولا جواب كما قال تعالى : ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وقال تعالى : إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين الكشاف : أخطر ببالك النظر في الدلائل المؤدية إلى المعرفة والإسلام فقال : أسلمت فنظر فعرف ، والمعنى في الحديث : إن الله تعالى أراد أن يجمع فيه - صلى الله عليه وسلم - المعاني فاجتمعت فيه ، كذا حرره الطيبي ، ورده ابن حجر بأنه لا مانع من حمله على ظاهره بأن يركب في الجماد عقل ويخاطب ، ويكون معنى أسلم استسلم لأمري استسلاما يليق بخلتك وجعل النوم على حقيقته ، والمراد بالأمر به الإخبار عنه ، أي : أنت نائم سامع واع لأن الملك إنما جاءه وهو نائم فقال له ذلك ، أقول : الأظهر أن الأمر للاستمرار في الكل قال : ويؤخذ منه أن نوم الأنبياء كما لا يستولي على قلوبهم لا يستولي على أسماعهم ، وكان في وجهه أن نومهم إنما يستولي على ظواهر أبدانهم ، ومنها العين دون اللطيفة التي تسمع لأنها في جوف الرأس فهي في حكم الباطن كالقلب اهـ .
والأظهر أن السماع الباطني غير مسلوب عنه بالنوم فإنه من أحوال القلب ، وأما السماع الظاهري فموقوف على السماع لأنه من أحكام الظاهر ، والله أعلم بالسرائر . ( قال ) : عليه الصلاة والسلام ( فقيل لي ) ، أي : بطريق المثل من جهة الملك ( سيد ) ، أي : سيد عظيم الشأن كثير الإحسان ، خبر مبتدأ محذوف يعني هو وقوله : ( بنى دارا ) : صفته أي مثل سيد بنى دارا ويجوز أن يكون مبتدأ وبنى خبره والتنوين للتعظيم أو سوغه كونه فاعلا معنى ( فصنع مأدبة ) : بضم الدال ، وقيل : بالفتح أن طعاما ( وأرسل داعيا ) : يدعو الناس إلى الطعام ( فمن أجاب الداعي ، دخل الدار ) : بالإكرام ( وأكل من المأدبة ) : على وجه الإنعام ( ورضي عنه السيد ) : بسبب الإجابة واللام للعهد [ ص: 245 ] ( ومن لم يجب الداعي ) : تكبرا وعنادا أو جهلا واستبعادا ( لم يدخل الدار ) : بل طرد من الباب ( ولم يأكل من المأدبة ) : بل عذب بالحجاب ( وسخط عليه السيد ) : فيترتب عليه أنواع العذاب ؟ قيل : السخط فوق الغضب والمقت فوق السخط ( قال ) ، أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الملك والأول هو الأظهر ، والتقدير إن أردت بيان هذا المثال ( فالله السيد ) ، أي : الباني المرسل ، وفيه جواز إطلاق السيد عليه تعالى ( ومحمد الداعي ، والدار الإسلام ، والمأدبة الجنة ) : كان مقتضى ظاهر مقام التفسير والتأويل أن يجعل المذكورات في التمثيل كلها مبتدآت ويخبر عنها بالصفات المتميزات ، ولعل وجه تغيير الأسلوب أن الله ومحمدا علمان والعلم لكونه أعرف من المعرف باللام أولى بأن يكون محكوما عليه ، ويقرب منه ما ذكره أهل المعاني في الفرق بين : زيد أخوك ، وعمرو المنطلق ، وعكسهما حيث قالوا والضابط في التقديم أنه إذا كان للشيء صفتان من صفات التعريف وعرف السامع اتصافه بإحداهما دون الأخرى فأيهما كان بحيث يعرف السامع اتصاف الذات به وهو كالطالب بحسب زعمك أن تحكم عليه بالأخرى يجب أن تقدم اللفظ الدال عليه تجعله مبتدأ ، أو أيهما كان بحيث يجهل اتصاف الذات به وهو كالطالب أن تحكم بثبوته للذات أو انتفائه عنه يجب أن يؤخر اللفظ الدال عليه فتجعله خبرا .
فإن قلت : كيف شبه في الحديث السابق الجنة بالدار ، وفي هذا الحديث الإسلام بالدار وجعل الجنة مأدبة ؟ أجيب : بأنه لما كان الإسلام سببا لدخولها اكتفى في ذلك بالمسبب عن السبب ، ولما كان الدعوة إلى الجنة لا تتم إلا بالدعوة إلى الإسلام وضع كل منهما مقام الآخر ، ولما كان نعيم الجنة وبهجتها هو المطلوب الأصلي جعل الجنة نفس المأدبة مبالغة . كذا حققه الطيبي ، قال ابن الملك : وهذا يؤذن بأن الإسلام أوسع من الجنة . قلت : هو كذلك ويشير إليه حديث : ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ( رواه الدارمي ) .