4261 - ( عن الفجيع - رضي الله عنه - ) : بضم الفاء وفتح الجيم وسكون التحتية وبالعين المهملة على ما ذكره المؤلف والمغني ، وفي نسخة بتشديد التحتية المكسورة ( العامري ) : منسوب إلى بني عامر وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قومه وسمع منه ، وروى عنه وهب بن عقبة ( أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما يحل لنا ؟ ) : بفتح الياء وكسر الحاء أي ما يجوز لنا أن نأكل ( من الميتة ؟ ) : ونحن القوم المضطرون . قال التوربشتي : هذا لفظ أبي داود ، وقد وجدت في كتاب الطبراني وغيره : " ما يحل لنا الميتة ؟ " يعني بضم الياء وهذا أشبه بنسق الكلام ; لأن السؤال لم يقع عن المقدار الذي يباح له ، وإنما وقع عن الحالة التي تفضي إلى الإباحة . قال الطيبي في قوله : السؤال لم يقع عن المقدار نظر إذ لا يستقيم المعنى بدونه ، وهل يصح تفسير عقبة : قدح غدوة وقدح عشية إلا على هذا ، وبيانه أن القوم جاءوا يشكون الجوع ، وأن ليس عندهم ما يسد به جوعتهم ، كما ذكر في الحديث الذي يليه : " إنما نكون بأرض فتصيبنا بها المخمصة " ، وكأنهم قالوا : ما عندنا ما نسد به جوعتنا ، فما مقدار ما يحل لنا من الميتة ؟ ولهذا سأل عن مقدار طعامهم ، فأجابوا : قدر لبن غدوة وقدح لبن عشية ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا فور جوعهم وأقسم عليهم بقوله : " ذاك وأبي الجوع " ، فأباح لهم مقدار ما يسد به جوعتهم . ومما يدل على أن السؤال عن المقدار تفسير أبي نعيم قدح غدوة وقدح عشية لقوله : نغتبق ونصطبح . أي قال في تفسيره : هو قدح غدوة ، وجعل اللبن طعاما لأنه يجزي عنه ، كما يدل عليه الحديث التاسع من الفصل الأول في باب الأشربة اهـ .
وقد أغرب في كلامه حيث لم يفهم أن مقصود الشيخ في البحث اللفظي المتعلق بقوله : " يحل " ، فأنكره ، وتبعه في المعنى المراد الذي قال به الشيخ ، فإن المعنى عند الكل أن مقدار الإحلال هو القدحان ، وهو إنما يستقيم على رواية الطبراني : " ما يحل لنا الميتة ؟ " كما هو ظاهر لا على رواية الكتاب ، وهو " ما يحل لنا من الميتة ؟ " ، فإنه يفيد أي مقدار من الميتة يحل لنا ، وليس الكلام فيه اتفاقا ، نعم يمكن أن يتكلف في الجواب عن رواية الكتاب أن المراد بما الاستفهامية هي الحالة ، فالمعنى حالة يحل لنا فيها بعض الميتة على أن " من " تبعيضية ، أو الميتة على أن " من " زائدة على مذهب من يجوز ، ويؤيده الرواية الآتية : " فمتى يحل لنا الميتة ؟ " أي أكلها ، فلما تقرر السؤال على هذا المنوال ( قال ) : في تحقيق الحال ( ما طعامكم ؟ ) : أي ما مقدار مذوقكم الذي تجدونه ، فإن المضطر الذي لا يجد شيئا حكمه معلوم ولا يحتاج إلى السؤال ( قلنا : نغتبق ) : بسكون الغين المعجمة ( ونصطبح ) : بإبدال التاء طاء أحط مرة في العشاء ومرة في الغداء ، ولعله قدم العشاء لأنه الأهم والاهتمام به أتم . وفي النهاية : الصبوح الغداء والغبوق العشاء ، وأصلهما في الشراب ، ثم استعملا في الأكل ذكره الطيبي ، وفيه أنهما مستعملان في هذا المقام على أصلهما ، وكان من حقه أن يقول : ويستعملان في الأكل ، ثم لما كان إطلاق الاغتباق ، والاصطباح مشكلا ، فإن الواحد قد يعيش بهما على وجه الشبع عمرا طويلا ، فكيف تكون حالة الاضطرار ؟ .
( قال أبو نعيم ) : أحد رواة الحديث ( فسره لي ) : أي بين المراد مما ذكر من الفعلين ، وأوله لأجلي ( عقبة ) : يعني شيخه وهو من رواة الحديث أيضا ( قدح ) : أي ملء قدح من اللبن ( غدوة ، وقدح عشية ) : فيصير معنى الحديث نشرب وقت الصباح قدحا ، ووقت العشاء قدحا ( قال ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ذاك وأبي الجوع ) : قيل : [ ص: 2743 ] ولعل هذا الحلف قبل النهي عن القسم بالآباء ، أو كان على سبيل العادة بلا قصد إلى اليمين ، ولا قصد إلى تعظيم الأب ، كما في : لا والله وبلى والله . وقال المظهر : هي كلمة جاء بها على ألسن العرب ، يستعملها كثير في مخاطباتهم يريد بها التوكيد . قلت : وهو في حقه - صلى الله عليه وسلم - بعيد جدا ، فالأول هو المعول . قال الطيبي : و " أبي " جملة قسمية معترضة بين المبتدأ والخبر الدالين على الجواب يعني مجملا ، فكأنه قال : ذلك الشرب الذي تقولون قليل تجوعون فيه وتحتاجون إلى الزيادة عليه ، ثم وقع التصريح بقوله : ( فأحل لهم الميتة على هذه الحال ) . قال التوربشتي : وقد تمسك بهذا الحديث من يرى تناول الميتة مع أدنى شبع ، والتناول منه عند الاضطرار إلى حد الشبع ، وقد خالف على هذا الحديث الذي يليه ، والأمر الذي يبيح له الميتة هو الاضطرار ، ولا يتحقق ذلك مع ما يتبلغ به من الغبوق والصبوح فيمسك الرمق ، فالوجه فيه أن يقال : الاغتباق بقدح والاصطباح بآخر كانا على سبيل الاشتراك بين القوم كلهم ، ومن الدليل عليه قول السائل : ( ما يحل لنا ؟ ) كأنه كان وافد قومه فلم يسأل لنفسه خاصة ، وكذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم : ( ما طعامكم ؟ ) ، فلما تبين له أن القوم مضطرون إلى أكل الميتة لعدم الغنى في إمساك الرمق بما وصفه من الطعام ، أباح لهم تناول الميتة على تلك الحالة . هذا وجه التوفيق بين الحديثين . قال الخطابي : القدح من اللبن بالغدوة والقدح بالعشي يمسك الرمق ويقيم النفس ، وإن كان لا يشبع الشبع التام ، وقد أباح الله تعالى مع ذلك تناول الميتة ، وكان دلالته أن تناول الميتة مباح إلى أن تأخذ من القوت الشبع ، وإلى هذا ذهب مالك وأحمد وهو أحد قولي nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يتناول منه إلا قدر ما يمسك به رمقه وهو القول الآخر nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي اهـ . وأغرب في قوله : وإن كان لا يشبع الشبع التام حيث يشعر بأن أكل الميتة يحل مع الشبع إذا لم يكن تاما ، ولا أظن أحدا قال به . وأما قوله : وقد أباح الله تعالى مع ذلك تناول الميتة ; فإن أراد به أنه مع ما ذكر من الحال فممنوع ، إذ لا دلالة للآية على ذلك ، وإن أراد به أنه مع الحديث المذكور ، فقد علمت أنه معارض بالحديث الذي يليه ومحتمل للتأويل كما سبق ، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال ، لا سيما مع وجود المعارض على أن القاعدة ترجيح المحرم على المباح احتياطا ، وقد خطر بالبال - والله أعلم بالحال - أن الحديث الأول يكون بالنسبة إلى السائرين المسافرين المضطرين إلى سيرهم ، ولا شك أن شرب القدحين لا سيما إذا كانا صغيرين بالنسبة إليهم قليل جدا لا يسد مسد شيء لاحتراقه بحرارة حركة المشي ، والحديث الثاني بالنسبة إلى غيرهم من القاطنين في أماكنهم ، فإنه قد يسد مسد رمقهم على ما هو ظاهر ، ولا شك أن الناس مختلفون في ذلك ; فبعضهم يصومون وصالا ثلاثة أيام وأكثر إلى أربعين فصاعدا لا يشربون إلا ماء ، أو يأكلون لوزة ، وبعضهم لهم قوة الشهية بحيث يأكلون غنما أو بقرا ، ومما يدل على هذا التفصيل أن السائل في الحديث الأول هو الوافد ، وفي الثاني قال سائلهم : إنما نكون بأرض فتصيبنا بها المخمصة ، والله تعالى أعلم . ( رواه أبو داود ) : وكذا الطبراني وغيره .