ما لي شغل سواه ما لي شغل ما يصرف عن هواه قلبي عذل ما أصنع إن جفا وخاب الأمل
مني بدل وما لي منه بدل
اطلبوا لأنفسكم مثل ما وجدت أنا قد وجدت لي سكنا
ليس في هواه عنا إن بعدت قربني أو قربت منه دنا
من فاته أن يراك يوما فكل أوقاته فوات وحيثما كنت في بلاد فلي إلى وجهك التفات
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنكم ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم
وكن لربك ذا حب لتخدمه إن المحبين للأحباب خدام
ما للمحب سوى إرادة حبه إن المحب بكل بر يضرع
إن كنت تزعم حبي فلم جفوت كتابي أما تأملت ما فيــ ــه من لطيف عتابي
ومن ذلك كثرة ذكر الله الذي يتواطأ عليه القلب واللسان . وفي " مسند البزار " عن معاذ ، قال : قلت يا رسول الله أخبرني بأفضل الأعمال وأقربها إلى الله تعالى ؟ قال : أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله تعالى . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ، ذكرته في ملإ خير منهم . وفي حديث آخر : [ ص: 344 ] ما ذكرني وتحركت بي شفتاه أنا مع عبدي . وقال عز وجل : فاذكروني أذكركم [ البقرة : 152 ] . ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم الذين يرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل وهم معه في سفر ، قال لهم : إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم . وفي رواية : وهو أقرب إليكم من أعناق رواحلكم . ومن ذلك محبة أولياء الله وأحبائه فيه ، ومعاداة أعدائه فيه ، وفي " سنن أبي داود " عن عمر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله عز وجل قالوا : يا رسول الله : من هم ؟ قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى نور ، ولا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ، ثم تلا هذه الآية : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ يونس : 62 ] . ويروى نحوه من حديث أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي حديثه : يغبطهم النبيون بقربهم ومقعدهم من الله عز وجل . [ ص: 345 ] وفي " المسند " عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : عمرو بن الجموح لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ، فإذا أحب لله ، وأبغض لله ، فقد استحق ولاية من الله ، إن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم . وسئل المرتعش : بم تنال المحبة ؟ قال : بموالاة أولياء الله ، ومعادة أعدائه ، وأصله الموافقة . وفي " الزهد " عن للإمام أحمد ، قال : عطاء بن يسار قال موسى عليه السلام : يا رب ، من هم أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك ؟ قال : يا موسى ، هم البريئة أيديهم ، الطاهرة قلوبهم ، الذين يتحابون بجلالي ، الذين إذا ذكرت ذكروا بي ، وإذا ذكروا ذكرت بذكرهم ، الذين يسبغون الوضوء في المكاره ، وينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها ، ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس ، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حرب . قوله : فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وفي بعض الروايات : وقلبه الذي يعقل به ، ولسانه الذي ينطق به . المراد بهذا الكلام : أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ، ثم بالنوافل ، قربه إليه ، ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان ، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه ، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ، ومحبته ، [ ص: 346 ] وعظمته ، وخوفه ، ومهابته ، وإجلاله ، والأنس به ، والشوق إليه ، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهدا له بعين البصيرة كما قيل :ساكن في القلب يعمره لست أنساه فأذكره
غاب عن سمعي وعن بصري فسويدا القلب يبصره
ليس للناس موضع في فؤادي زاد فيه هواك حتى امتلا
قد صيغ قلبي على مقدار حبهم فما لحب سواهم فيه متسع
قالوا تشاغل عنا واصطفى بدلا منا وذلك فعل الخائن السالي
وكيف أشغل قلبي عن محبتكم بغير ذكركم يا كل أشغالي . .