294 - والخلف في مبتدع ما كفرا قيل يرد مطلقا واستنكرا 295 - وقيل بل إذا استحل الكذبا
نصرة مذهب له ونسبا 296 - nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي إذ يقول : أقبل
من غير خطابية ما نقلوا 297 - والأكثرون ورآه الأعدلا
ردوا دعاتهم فقط ونقلا 298 - فيه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان اتفاقا ورووا
عن أهل بدع في الصحيح ما دعوا
[
رواية المبتدع ] : الثامن : في المبتدع ،
والبدعة هي ما أحدث على غير مثال متقدم ، فيشمل المحمود والمذموم ، ولذا قسمها
العز بن عبد السلام ، كما أشير إليه إن شاء الله عند التسميع بقراءة اللحان ، إلى الأحكام الخمسة ، وهو واضح ،
[ ص: 62 ] ولكنها خصت شرعا بالمذموم مما هو خلاف المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمبتدع من اعتقد ذلك لا بمعاندة بل بنوع شبهة .
( والخلف ) أي : الاختلاف واقع بين الأئمة ( في ) قبول
رواية ( مبتدع ) معروف بالتحرز من الكذب ، وبالتثبت في الأخذ والأداء مع باقي شروط القبول ( ما كفرا ) أي : لم يكفر ببدعته تكفيرا مقبولا ; كبدع
الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذاك الغلو ، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا ، لكنه مستند إلى تأويل ظاهر سائغ .
( قيل يرد مطلقا ) الداعية وغيره ; لاتفاقهم على رد الفاسق بغير تأويل ، فيلحق به المتأول ، فليس ذلك بعذر ، بل هو فاسق بقوله وبتأويله ، فيضاعف فسقه ، كما استوى الكافر المتأول والمعاند بغير تأويل .
قال غير واحد ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : " إن هذا العلم دين ، فانظر عمن تأخذ دينك " ، بل روي مرفوعا من حديث
أنس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة .
وكذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أنه صلى الله عليه وسلم قال له : ( (
يا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، دينك دينك ، إنما هو [ ص: 63 ] لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ) ) ، ولا يصح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16610علي بن حرب : من قدر أن لا يكتب الحديث إلا عن صاحب سنة ; فإنهم لا يكذبون ، كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي . وهذا القول ، كما قال
الخطيب في الكفاية ، مروي عن طائفة من السلف ، منهم
مالك ، وكذا نقله
الحاكم عنه ، ونصه في المدونة في غير موضع يشهد له ، وتبعه أصحابه ، وكذا جاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبي بكر الباقلاني وأتباعه ، بل نقله
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي عن الأكثرين ، وجزم به
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب .
( واستنكرا ) أي : أنكر هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ; فإنه قال : إنه بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث ; فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة ، كما سيأتي آخر هذه المقالة ، وكذا
[ ص: 64 ] قال شيخنا : إنه بعيد قال : وأكثر ما علل به أن في الرواية عنه ترويجا لأمره ، وتنويها بذكره ، وعلى هذا ينبغي أن لا يروى عن مبتدع شيء يشاركه فيه غير مبتدع .
قلت : وإلى هذا التفصيل مال
ابن دقيق العيد ; حيث قال : إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو ; إخمادا لبدعته ، وإطفاء لناره ، يعني لأنه كان يقال كما قال
رافع بن أشرس : من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر محاسنه . وإن لم يوافقه أحد ، ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده ، مع ما وصفنا من صدقه ، وتحرزه عن الكذب ، واشتهاره بالتدين ، وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته ، فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته .
( وقيل ) : إنه لا يرد المبتدع مطلقا ( بل
إذا استحل الكذبا ) في الرواية أو الشهادة ( نصرة ) أي : لنصرة ( مذهب له ) أو لغيره ممن هو متابع له ، كما كان
محرز أبو رجاء يفعل حسما ، حكاه عن نفسه بعد أن تاب من بدعته ; فإنه كان يضع الأحاديث يدخل بها الناس في القدر ، وكما حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن بعض
الخوارج ممن تاب أنهم كانوا إذا هووا أمرا صيروه حديثا ، فمن لم يستحل الكذب كان مقبولا ; لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنع من الإقدام عليه ، فيحصل صدقه .
( ونسبا ) هذا القول فيما نقله
الخطيب في الكفاية (
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ) رحمه الله ; ( إذ يقول ) أي : لقوله
[ ص: 65 ] ( أقبل من غير
خطابية ) بالمعجمة ثم المهملة المشددة ، طائفة من
الرافضة ، شرحت شيئا من حالهم في الموضوع ( ما نقلوا ) لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ، ونص عليه في الأم والمختصر ، قال : لأنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول : لي على فلان كذا ، فيصدقه بيمينه أو غيرها ، ويشهد له اعتمادا على أنه لا يكذب .
ونحوه قول بعضهم عنهم : كان إذا جاء الرجل للواحد منهم فزعم أن له على فلان كذا أو أقسم بحق الإمام على ذلك يشهد له بمجرد قوله وقسمه ، بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيما رواه
البيهقي في المدخل ،
والخطيب في الكفاية : ما في أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من
الرافضة ، فإما أن يكون أطلق الكل وأراد البعض ، أو أطلق في اللفظ الأول البعض لكونهم أسوأ كذبا وأراد الكل .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف القاضي : أجيز شهادة أصحاب الأهواء أهل الصدق منهم ، إلا
الخطابية والقدرية ، الذين يقولون : إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون . رواه
الخطيب في الكفاية ، على أن بعضهم ادعى أن
الخطابية لا يشهدون بالزور ; فإنهم لا يجوزون الكذب ، بل من كذب عندهم فهو مجروح مقدوح فيه ، خارج عن درجة الاعتبار رواية وشهادة ، فإنه خرج بذلك عن مذهبهم ، فإذا سمع بعضهم بعضا قال شيئا عرف أنه ممن لا يجوز الكذب ، فاعتمد قوله لذلك ، وشهد بشهادته ، فلا يكون شهد بالزور لمعرفته أنه محق .
ونازعه
البلقيني بأن ما بنى عليه شهادته أصل باطل ، فوجب رد شهادته ، لاعتماده
[ ص: 66 ] أصلا باطلا ، وإن زعم أنه حق ، وتبعه
ابن جماعة . ومن هنا نشأ الاختلاف فيما لو شهد خطابي وذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد فيها على قول المدعي ، بأن قال : سمعت فلانا يقر بكذا لفلان ، أو رأيته أقرضه ، في القبول والرد .
وعن
الربيع ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول : كان
nindex.php?page=showalam&ids=12357إبراهيم بن أبي يحيى قدريا ، قيل
للربيع : فما حمل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أن روى عنه ؟ قال : كان يقول : لأن يخر
إبراهيم من بعد أحب إليه من أن يكذب ، وكان ثقة في الحديث .
ولذا قيل كما قاله
الخليلي في الإرشاد : إن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كان يقول : حدثنا الثقة في حديثه ، المتهم في دينه .
قال
الخطيب : وحكي أيضا أن هذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري . ونحوه عن
أبي حنيفة ، بل حكاه
الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي في المحصول : إنه الحق . ورجحه
ابن دقيق العيد . وقيل : يقبل مطلقا ، سواء الداعية وغيره كما سيأتي ; لأن تدينه وصدق لهجته يحجزه عن الكذب ، وخصه بعضهم بما إذا كان المروي يشتمل على ما ترد به بدعته ; لبعده حينئذ عن التهمة جزما ، وكذا خصه بعضهم بالبدعة الصغرى ;
[ ص: 67 ] كالتشيع سوى الغلاة فيه وغيرهم ; فإنه كثر في التابعين وأتباعهم ، فلو رد حديثهم لذهب جملة من الآثار النبوية ، وفي ذلك مفسدة بينة .
أما البدعة الكبرى ; كالرفض الكامل والغلو فيه ، والحط على الشيخين
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فلا ولا كرامة ، لا سيما ولست أستحضر الآن من هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا ، بل الكذب شعارهم ، والنفاق والتقية دثارهم ، فكيف يقبل من هذا حاله ، حاشا وكلا ، قاله
الذهبي .
قال :
والشيعي والغالي في زمن السلف وعرفهم من تكلم في
عثمان والزبير وطلحة وطائفة ممن حارب
عليا ، وتعرض لسبهم . والغالي في زمننا وعرفنا هو الذي كفر هؤلاء السادة وتبرأ من الشيخين أيضا ، فهذا ضال مفتر . ونحوه قول شيخنا في
nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان بن تغلب من تهذيبه :
التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل
علي على
عثمان ، وأن
عليا كان مصيبا في حروبه ، وأن مخالفه مخطئ ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما ، وربما اعتقد بعضهم أن
عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا ، لا سيما إن كان غير داعية . وأما
التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض ، فلا يقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة .
( والأكثرون ) من العلماء ( ورآه )
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ( الأعدلا ) والأولى من الأقوال ( ردوا دعاتهم فقط ) . قال
عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : لم رويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12156أبي معاوية الضرير وكان مرجئا ، ولم ترو عن
[ ص: 68 ] nindex.php?page=showalam&ids=16087شبابة بن سوار وكان قدريا ؟ قال : لأن
أبا معاوية لم يكن يدعو إلى الإرجاء ،
وشبابة كان يدعو إلى القدر .
وحكى
الخطيب هذا القول ، لكن عن كثيرين ، وتردد
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في عزوه بين الكثير أو الأكثر . نعم ، حكاه بعضهم عن الشافعية كلهم ، بل ( ونقلا فيه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان اتفاقا ) حيث قال في ترجمة
nindex.php?page=showalam&ids=15634جعفر بن سليمان الضبعي من ثقاته : وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن
الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز ، فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره .
وليس صريحا في الاتفاق لا مطلقا ولا بخصوص الشافعية ، ولكن الذي اقتصر
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح عليه في العزو له الشق الثاني ، فقال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : "
الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة ، لا أعلم بينهم فيه اختلافا " ، على أنه محتمل أيضا لإرادة الشافعية أو مطلقا .
وعلى الثاني فالمحكي عن
مالك وغيره يخدش فيه ، على أن
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب في الملخص فهم من قول
مالك :
[ ص: 69 ] " لا تأخذ الحديث عن صاحب هوى يدعو إلى هواه " التفصيل ، ونازعه
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض ; فإن المعروف عنه الرد مطلقا ، يعني كما تقدم ، وإن كانت هذه العبارة محتملة ، وبالجملة فقد قال شيخنا : إن
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان أغرب في حكاية الاتفاق ، ولكن يشترط مع هذين ، أعني كونه صدوقا غير داعية ، أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشدها ويزينها ; فإنا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى ، أفاده شيخنا .
وإليه يومئ كلام
ابن دقيق العيد الماضي ، بل قال شيخنا : إنه قد نص على هذا القيد في المسألة الحافظ
أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، فقال في مقدمة كتابه في الجرح والتعديل : ومنهم زائغ عن الحق ، صدوق اللهجة ، قد جرى في الناس حديثه ، لكنه مخذول في بدعته ، مأمون في روايته ، فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ من حديثهم ما يعرف وليس بمنكر ، إذا لم تقو به بدعتهم فيتهمون بذلك .
( و ) قد ( رووا ) أي : الأئمة النقاد
nindex.php?page=showalam&ids=12070كالبخاري ومسلم ، أحاديث ( عن ) جماعة ( أهل بدع ) بسكون الدال ( في الصحيح ) على وجه الاحتجاج ; لأنهم ( ما دعوا ) إلى بدعهم ، ولا استمالوا الناس إليها ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=15801خالد بن مخلد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16527وعبيد الله بن موسى العبسي ، وهما ممن
[ ص: 70 ] اتهم بالغلو في التشيع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق بن همام ،
nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار ، وهما بمجرد التشيع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12514وسعيد بن أبي عروبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16013وسلام بن مسكين ،
nindex.php?page=showalam&ids=16406وعبد الله بن أبي نجيح المكي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16501وعبد الوارث بن سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=17235وهشام الدستوائي ، وهم ممن رمي بالقدر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16589وعلقمة بن مرثد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16718وعمرو بن مرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12156ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17074ومسعر بن كدام ، وهم ممن رمي بالإرجاء .
وكالبخاري وحده
nindex.php?page=showalam&ids=16584لعكرمة مولى ابن عباس ، وهو ممن نسب إلى
الإباضية من آراء
الخوارج ،
وكمسلم وحده
لأبي حسان الأعرج ، ويقال إنه كان يرى رأي
الخوارج .
وكذا أخرجا لجماعة في المتابعات
nindex.php?page=showalam&ids=15855كداود بن الحصين ، وكان متهما برأي
الخوارج ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وحده فيها لجماعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16078كسيف بن سليمان وشبل بن عباد ، مع أنهما كانا ممن يرى القدر في آخرين عندهما اجتماعا ، وانفرادا في الأصول والمتابعات ، يطول سردهم ، بل في ترجمة
nindex.php?page=showalam&ids=12573محمد بن يعقوب بن الأخرم من ( تأريخ
نيسابور )
للحاكم من قوله : إن كتاب
مسلم ملآن من
الشيعة ، مع ما اشتهر من قبول الصحابة رضي الله عنهم أخبار
الخوارج وشهاداتهم ، ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل ، ثم استمرار عمل التابعين والخالفين ، فصار ذلك - كما قال
الخطيب - كالإجماع منهم ، وهو أكبر الحجج في هذا الباب ، وبه يقوى الظن في مقاربة الصواب .
وربما تبرأ بعضهم مما نسب إليه ، أو [ لم يثبت عنه ، أو ] رجع وتاب .
فإن قيل : قد خرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=16689لعمران بن حطان السدوسي الشاعر الذي قال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=15153أبو العباس المبرد : إنه كان رأس العقد من
الصفرية وفقيههم وخطيبهم
[ ص: 71 ] وشاعرهم ، مع كونه كان داعية إلى مذهبه ، فقد مدح
عبد الرحمن بن ملجم قاتل
علي ، وذلك من أكبر الدعوة إلى البدعة .
وأيضا
فالقعدية قوم من الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون بالخروج ، بل يدعون إلى آرائهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه ، وكذا
لعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني ، مع قول
أبي داود فيه : إنه كان داعية إلى الإرجاء . فقد أجيب عن التخريج لأولهما بأجوبة :
أحدها : أنه إنما خرج له ما حمل عنه قبل ابتداعه .
ثانيها : أنه رجع في آخر عمره عن هذا الرأي . وكذا أجيب بهذا عن تخريج الشيخين معا
nindex.php?page=showalam&ids=16087لشبابة بن سوار مع كونه داعية .
ثالثها : وهو المعتمد المعول عليه ، أنه لم يخرج له سوى حديث واحد مع كونه في المتابعات ، ولا يضر فيها التخريج لمثله .
وأجاب شيخنا عن التخريج لثانيهما بأن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يخرج له سوى حديث واحد قد رواه
مسلم من غير طريق
الحماني ، فبان أنه لم يخرج له إلا ما له
[ ص: 72 ] أصل .
هذا كله في البدعة غير المكفرة ، أما المكفرة وفي بعضها ما لا شك في التكفير به كمنكري العلم بالمعدوم ، القائلين ما يعلم الأشياء حتى يخلقها ، أو بالجزئيات ، والمجسمين تجسيما صريحا ، والقائلين بحلول الإلهية في علي أو غيره .
وفي بعضها ما اختلف فيه ، كالقول بخلق القرآن والنافين للرؤية ، فلم يتعرض
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح للتنصيص على حكاية خلاف فيها .
وكذا أطلق القاضي
عبد الوهاب في الملخص ،
وابن برهان في الأوسط عدم القبول ، وقالا : لا خلاف فيه . نعم ، حكى
الخطيب في الكفاية
عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة ، وإن كانوا كفارا أو فساقا بالتأويل .
وقال صاحب ( المحصول ) : الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته ; لأن اعتقاده - كما قدمت - يمنعه من الكذب ، وإلا فلا .
قال شيخنا : والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة ; لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة ، وقد تبالغ فتكفرها ، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف .
فالمعتمد أن
الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع ، معلوما من
[ ص: 73 ] الدين بالضرورة ; أي : إثباتا ونفيا ، فأما من لم يكن بهذه الصفة ، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه ، فلا مانع من قبوله .
وقال أيضا : والذي يظهر أن
الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله ، وكذا من كان لازم قوله ، وعرض عليه فالتزمه ، أما من لم يلتزمه وناضل عنه ; فإنه لا يكون كافرا ، ولو كان اللازم كفرا ، وينبغي حمله على غير القطعي ; ليوافق كلامه الأول .
وسبقه
ابن دقيق العيد فقال : الذي تقرر عندنا أنه لا تعتبر المذاهب في الرواية ; إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة إلا بإنكار قطعي من الشريعة ، فإذا اعتبرنا ذلك انضم إليه الورع والتقوى فقد حصل معتمد الرواية ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حيث يقبل شهادة أهل الأهواء ، قال : وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار ، وقف على شفيرها طائفتان من الناس : المحدثون والحكام ، فأشار بذلك إلى أنهم من أهل القبلة فتقبل روايتهم ، كما نرثهم ونورثهم ، وتجرى عليهم أحكام الإسلام .
وممن صرح بذلك
النووي ، فقال في الشهادات من ( الروضة ) :
جمهور الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة .
وقال في شروط الأئمة منها :
ولم يزل السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة وغيرهم ،
[ ص: 74 ] ومناكحتهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : ذهب الناس في تأويل القرآن والأحاديث إلى أمور تباينوا فيها تباينا شديدا ، واستحل بعضهم من بعض بما تطول حكايته ، وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف وإلى اليوم ، فلم نعلم من سلف الأئمة من يقتدى به ، ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل ، وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله عليه فلا يرد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمل ، وإن بلغ فيه استحلال المال والدم ، انتهى .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رويناه عنه : " لا تظنن بكلمة خرجت من في امرئ مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا " .