[
حكم من رأى سماعه في الكتاب ] :
( وإذا رأى ) المحدث ( سماعه ) في كتاب بخطه ، أو بخط من يثق به - سواء الشيخ أو غيره - فلا يخلو ، إما أن يتذكره أو لا ، فإن تذكره - وهو أرفع الأقسام - جازت له روايته على المعتمد إن لم يكن حافظا له ، وبلا خلاف إن كان له حافظا ، وإن لم يتذكره بل تذكر أنه غير سماعه فقد تعارضا ، والظاهر اعتماد ما في ذكره ، وقد حكى لنا شيخنا عن بعض المحدثين ممن أخذ عن شيخنا ، بل وأخذ شيخنا أيضا عنه ، وثنا عنه غير واحد أنه كان
يكتب الطبقة قبل سماعه قصدا للإسراع ، لكن يؤخر تعيين التاريخ ، وطعن فيه بسبب ذلك ونحوه ، وفيه متمسك للمانعين .
( و ) إن ( لم يذكر ) سماعه له ، يعني : ولا عدمه ( فعن )
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ( نعمان ) أي :
النعمان أيضا ( المنع ) من روايته ، يعني : وإن كان حافظا لما في الكتاب فضلا عما لم يعرفه ، كما جاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=16349ابن مهدي أنه قال : وجدت في كتبي بخطي عن
شعبة ما لم أعرفه فطرحته . وعن
شعبة قال : وجدت بخطي في كتاب عندي ، عن
منصور ، عن
مجاهد قال :
لم يحتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم . ما أدري كيف كتبته ، ولا أذكر أني سمعته .
وهو مقتضى ما ذهب إليه
مالك والصيدلاني أيضا في المسألة الأولى ، إذ ضبط أصل السماع كضبط المسموع ، ولعل
الصيدلاني هو المقرون عند
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح تبعا
لعياض بأبي حنيفة حيث قال :
[ ص: 128 ] فعن
أبي حنيفة وبعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عدم الجواز . وهو قول
الجويني كما قال
عياض ، بل قال
القاضي حسين في ( فتاواه ) : إنه كذلك من طريق الفقه .
واختاره
ابن دقيق العيد فقال
القطب الحلبي : أتيته بجزء سمعه من
ابن رواج الطبقة بخطه ، فقال : حتى أنظر فيه . ثم عدت إليه فقال : هو بخطي لكن ما أحقق سماعه ولا أذكره . ولم يحدث به .
( وقال ) صاحب
أبي حنيفة (
ابن الحسن ) هو محمد ( مع ) شيخه ورفيقه القاضي (
أبي يوسف ثم ) إمامنا (
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأكثرين ) من أصحابه ( بالجواز الواسع ) الذي لم يقل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأكثر أصحابه بمثله في الشهادة ; لأن باب الرواية أوسع ، والأولان ممن سوى بين البابين .
على أن الإمام من أصحابنا قال : كان شيخي يتردد فيمن
شهد شهادة ووضعها عنده في صندوق بحيث كان يتحقق أن أحدا لم يصل إليه ، ثم دعي إلى تلك الشهادة فلم يتذكر ، هل يجوز له أن يشهد ؟
[ ص: 129 ] ولكن الجواز قد حكاه القاضي
حسين في " فتاواه " عن المحدثين ، ولم يحك عنهم خلافه ; إما بالنظر لما استقر عليه عملهم - كما نقله
ابن دقيق العيد - أو لكونه مذهب أكثرهم كما اقتضاه تقرير
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في كونه لا فرق بين مسألتنا والأولى التي الأكثر فيها على الجواز .
وعلى هذا المذهب مشى شيخنا ، بل وجد في ( صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ) بلاغا بخطه عند موضع منه ، وفي أوله أثبت ما يدل لأزيد منه ، فحكى حين إيراد سنده صورة الحال مع غلبة الظن بصحة كل منهما ، وعدم منافاة أحدهما للآخر ، ولذا أقول : إنه يحسن الإفصاح بالواقع ، بل قال
العز بن جماعة : إنه يتعين .
ثم إنه لكون المعتمد أن نسيانه غير مؤثر يجوز للفرع رواية ما سمعه من شيخه مع تصريح الشيخ بعد تحديثه إياه بما يقتضي نسيانه ، ولذا قال
ابن كثير هنا : وهذا يشبه ما إذا
نسي الراوي سماعه ، فإنه يجوز لمن سمعه منه روايته عنه ، ولا يضره نسيان شيخه . انتهى .
على أن
ابن الصباغ قد حكى في ( العدة ) في هذه الصورة إسقاط المروي عن أصحاب
أبي حنيفة كما تقدم في الفصل العاشر من معرفة من تقبل روايته ، مع الإشارة للتوقف فيه ، فإما أن يخص بالمتأخرين منهم كما صرح به
الخطيب ، أو يستثنى
أبو يوسف ومحمد من أصحابه ، أو يفرق بين البابين .
وبقيت مسألة أخرى عكس التي قبلها ، وهي ما إذا كان ذاكرا لسماعه ، ولكن لم يجد بذلك خطا ، وقد قال القاضي
حسين في " فتاواه " : إن مقتضى الفقه
[ ص: 130 ] الجواز . ونقل المنع عن المحدثين .
وقال
الفرغاني : الديانة لا توجب روايته ، والعقل لا يجيز إذاعته ; لأنه في صورة كذاب وإن كان صادقا في نفس الأمر . قال : وللراوي أن يقلده فيه إذا احتاج إليه وعلم حفظه لما فيه ، إلا أنه لا يجوز له أن يكتب سماعه على كتابه لئلا يوهم الجزم بصحته . انتهى . والمعتمد الجواز .
ثم إن محل الجواز كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح - يعني في مسألتي
اعتماد الكتاب في المسموع وأصل السماع - إذا سكنت نفسه إلى صحته ، ولم يتشكك فيه ، فإن تشكك - يعني في تطرق التزوير ونحوه إليه ، بحيث لم تسكن نفسه إلى صحته ، أو كان كل من الطرفين على حد سواء ، فلا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين : ( من لم يكن سمحا في الحديث - بمعنى أنه إذا شك في شيء تركه - كان كذابا ) .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن
مالكا كان إذا شك في شيء من الحديث تركه كله .
ونحوه تقييد غيره بما إذا لم تظهر فيه قرينة التغيير ; لأن الضرورة دعت لاعتماد الكتاب المتقن من جهة انتشار الأحاديث والرواية انتشارا يتعذر معه الحفظ لكله عادة ، فلو لم نعتمد غلبة الظن في ذلك لأبطلنا جملة من السنة أو أكثرها .
وكذا خص بعض المتشددين الجواز بما إذا لم يخرج الكتاب عن يده بعارية أو غيرها ، قال بعضهم : ( وهو احتياط حسن . يقرب منه صنيع المتقدمين أو جلهم في المكاتبة حيث يختمون الكتاب كما تقدم في محله ) .
وممن امتنع من رواية ما غاب عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13748محمد بن عبد الله الأنصاري ،
وإسماعيل بن العباس جد
أبي بكر الإسماعيلي ، وهو مقتضى صنيع
nindex.php?page=showalam&ids=16349ابن مهدي حيث جلس مع من رام استعارة كتابه حتى نسخ منه ، وقال : خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن ;
[ ص: 131 ] الحكم والحديث .
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ورواه نازلا عن الذي أخذ منه الكتاب من رفقائه عن ذاك الشيخ فإنه قال : سمعت أنا
وغندر حديثا من
شعبة ، فباتت الرقعة عند
nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر ، فحدثت به عن
nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر ، عن
شعبة . وهو شبيه بمن كان يروي عن تلميذه عن نفسه ما نسي أنه حدث التلميذ به في آخرين .
والأصح أنه ( إن يغب ) الكتاب عنه غيبة طويلة فضلا عن يسيرة ، بإعارة أو ضياع أو سرقة ، ( وغلبت ) على الظن ( سلامته ) من التغيير والتبديل ( جازت لدى ) ; أي : عند ( جمهورهم )
nindex.php?page=showalam&ids=17293كيحيى بن سعيد القطان وفضيل بن ميسرة وغيرهما من المحدثين كما حكاه
الخطيب وجنح إليه .
( روايته ) لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب إذا غير ذلك أو شيء منه ; لأن
باب الرواية مبني على غلبة الظن ، فإذا حصل أجزأ ، ولم يشترط مزيد عليه .
قال
الخطيب : ( وهكذا الحكم في
الرجل يجد سماعه في كتاب غيره ) ، وقد قال
أحمد : إنه لا بأس به إذا عرف الخط .
وقيده القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب الطبري بأن يعرف الشيخ ، وذلك أن
الخطيب سأله عمن
وجد سماعه في كتاب من شيخ قد سمي ونسب في الكتاب غير أنه لا يعرفه ; أي : الشيخ ، فقال : لا تجوز له رواية ذلك الكتاب .