فروع .
105 - قول الصحابي " من السنة " أو نحو " أمرنا " حكمه الرفع ولو 106 - بعد النبي قاله بأعصر
على الصحيح وهو قول الأكثر 107 - وقوله " كنا نرى " إن كان مع
عصر النبي من قبيل ما رفع 108 - وقيل لا ، أو لا فلا ، كذاك له
وللخطيب قلت لكن جعله 109 - مرفوعا الحاكم والرازي
ابن الخطيب وهو القوي
.
[ ص: 141 ] فروع سبعة حسن إيرادها بعد الانتهاء من كل من المرفوع والموقوف : أحدها - وقدم على غيره ، مما يصدر عن الصحابي لقربه إلى الصراحة - (
قول الصحابي ) - رضي الله عنه - ( من السنة ) كذا ; كقول
علي - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929728ومن السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة . ( أو نحو أمرنا ) بالبناء للمفعول ، كأمر فلان .
وكنا نؤمر ، وأمر بلا إضافة ، ونهينا ; كقول
nindex.php?page=showalam&ids=62أم عطية - رضي الله عنها - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929729أمرنا أن نخرج إلى العيدين العواتق وذوات الخدور و
nindex.php?page=hadith&LINKID=929730أمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين ، و
nindex.php?page=hadith&LINKID=929731نهينا عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا وأبيح أو رخص لنا ، أو حرم أو أوجب علينا ، كل ذلك مع كونه موقوفا لفظا ( حكمه الرفع ولو بعد ) وفاة ( النبي ) - صلى الله عليه وسلم - ( قاله ) الصحابي ( بأعصر ) فضلا عن كونه بعده بيسير ، أو في زمنه - صلى الله عليه وسلم - لكنه في الزمن النبوي في " أمرنا " أبعد عن الاحتمال فيما يظهر .
ويساعده تصريح بعض أئمة الأصول بقوة الاحتمال " في السنة " ; لكثرة استعمالها في الطريقة ، وسواء قاله في محل الاحتجاج أم لا ، تأمر عليه غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا ، كبيرا كان أو صغيرا .
وإن لم أر تصريحهم به في الصغير ، فهو محتمل ، ويمكن إخراجه من تقييد الحاكم الصحابي بالمعروف الصحبة ، وكذا من التفرقة بين المجتهد وغيره ، كما سيأتي ، وما تقدم في المسألتين هو ( على الصحيح ) عند المحدثين والفقهاء والأصوليين .
ونص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم في " باب عدد كفن الميت " بعد أن ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس [ ص: 142 ] nindex.php?page=showalam&ids=190والضحاك بن قيس :
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس والضحاك رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقولان السنة إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن
البيهقي قد جزم بنفي الخلاف عن أهل النقل فيهما ، وأنه مسند ، يعني مرفوع .
وكذا شيخه
الحاكم ; حيث قال في الجنائز من ( مستدركه ) أجمعوا على أن
قول الصحابي : من السنة كذا ، حديث مسند ، وقال في موضع آخر : إذا
قال الصحابي أمرنا بكذا ، أو نهينا عن كذا ، أو كنا نفعل كذا ، أو كنا نتحدث - فإني لا أعلم بين أهل النقل خلافا فيه أنه مسند .
وممن حكى الاتفاق أيضا لكن في السنة
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، والحق ثبوت الخلاف فيهما ، نعم قيد
ابن دقيق العيد محل الخلاف بما إذا كان المأمور به يحتمل التردد بين شيئين ، أما إذا كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ; كحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929732 " أمر بلال أن يشفع الأذان ، فهو محمول على الرفع قطعا .
وممن ذهب إلى خلاف ما حكيناه فيهما من الشافعية
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي صاحب الدلائل ، ومن الحنفية
nindex.php?page=showalam&ids=15071أبو الحسن الكرخي ، وفي السنة فقط
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أحد قوليه من الجديد ، كما جزم
الرافعي بحكايتهما عنه ، ورجحه جماعة ، بل
[ ص: 143 ] حكاه إمام الحرمين في البرهان عن المحققين .
ومن الحنفية
أبو بكر الرازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم من الظاهرية ، وبالغ في إنكار الرفع ; مستدلا بقول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929733أليس حسبكم سنة نبيكم ; إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم حل من كل شيء ، حتى يحج عاما قابلا فيهدي ; أو يصوم إن لم يجد هديا .
قال : لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقع منه إذ صد ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، بل حل حيث كان
بالحديبية . وكذا من أدلتهم لمنع الرفع استلزامه ثبوت سنة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر محتمل ; إذ يحتمل إرادة سنة غيره من الخلفاء ، فقد سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929734 " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين أو سنة البلد ، وهي الطريقة ، أو نحو ذلك .
ونحوه تعليل
الكرخي لـ " أمرنا " بأنه متردد بين كونه مضافا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو إلى أمر القرآن ، أو الأمة ، أو بعض الأئمة ، أو القياس والاستنباط ، وسوغ إضافته إلى صاحب الشرع - يعني لكونه صاحب الأمر حقيقة - بناء على أن القياس مأمور باتباعه من الشارع .
قال : وهذه احتمالات تمنع كونه مرفوعا ، وفي " أمرنا " فقط - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح - فريق منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13783أبو بكر الإسماعيلي .
وخص
ابن الأثير - كما في مقدمة جامع الأصول له - نفي الخلاف فيها
nindex.php?page=showalam&ids=1بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - خاصة ; إذ لم
[ ص: 144 ] يتأمر عليه أحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف غيره ، فقد تأمر عليهم
أبو بكر وغيره من الأمراء في زمنه - صلى الله عليه وسلم - ، ووجب عليهم امتثال أمره ، فطرقه الاحتمال الناشئ عنه الاختلاف .
ونحوه قول غيره في
nindex.php?page=hadith&LINKID=929732أمر بلال أن يشفع الأذان أنه نظر ، فلم يجد أحدا تأمر عليه في الأذان غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فتمحض أن يكون هو الآمر .
ويتأيد بالرواية المصرحة بذلك ، وكذا قال آخر : ينبغي أن يقيد الاختلاف فيهما ، بما إذا كان في غير محل الاحتجاج ، أما في محل الاحتجاج فإن المجتهد لا يقلد مثله ، فلا يريد بالسنة وبالأمر والنهي إلا من له ذلك حقيقة ، لكن الأول هو الصحيح فيهما كما تقدم .
( وهو قول الأكثر ) من العلماء ; إذ هو المتبادر إلى الذهن من الإطلاق ; لأن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل ، وسنة غيره تبع لسنته ، وكذلك الأمر والنهي لا ينصرف بظاهره إلا لمن هو إليه ، وهو الشارع - صلى الله عليه وسلم - ، وأمر غيره تبع ، فحمل كلامهم على الأصل أولى ، خصوصا والظاهر أن مقصود الصحابة بيان الشرع .
وقال
ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول في " أبيح " وما بعدها يقوى في جانبه ألا يكون مضافا إلا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن هذه الأمور له دون غيره ، قال : ولا يقال : أوجب الإمام إلا على تأويل .
واستدلال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم الماضي للمنع بقول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - ممنوع بأنه لا انحصار لمستنده في الفعل ، حتى يمنع إرادة
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بالسنة الرفع فيمن صد عن الحج ممن هو
بمكة بقصة
الحديبية التي صد فيها عن دخولها ، بل الدائرة أوسع من القول أو الفعل أو غيرهما ، ويتأيد بإضافته السنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 145 ] وكذا ما أبداه
الكرخي من الاحتمالات في المنع أيضا بعيد - كما قاله شيخنا - " فإن أمر الكتاب ظاهر للكل ، فلا يختص بمعرفته الواحد دون غيره ، وعلى تقدير التنزل فهو مرفوع ; لأن الصحابي وغيره إنما تلقوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر الأمة لا يمكن الحمل عليه ; لأن الصحابي من الأمة ، وهو لا يأمر نفسه .
وأمر بعض الأئمة إن أراد من الصحابة مطلقا فبعيد ; لأن قوله ليس حجة على غيره منهم ، وإن أراد من الخلفاء فكذلك ; لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع بهذا الكلام والفتوى ، فيجب حمله على من صدر منه الشرع ، وبالجملة فهم من حيث إنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر ، إلا أن يكون القائل ليس من مجتهدي الصحابة ، فيحتمل أنه يريد بالآمر أحد المجتهدين منهم .
وحمله على القياس والاستنباط بعيد أيضا ; لأن قوله : " أمرنا بكذا " يفهم منه حقيقة الأمر والنهي ، لا خصوص الأمر باتباع القياس ، وما قاله
ابن الأثير في
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق فهو - كما قال شيخنا وغيره - مقبول ، وإن تأمر
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص في غزوة " ذات السلاسل " على جيش فيه الشيخان ، أرسل بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مدد ، وأمر عليه
nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة الجراح ، فلما قدم بهم على
عمرو صار الأمير ، بل كان
أبو عبيدة أمير سرية " الخبط " على ثلاثمائة من
المهاجرين والأنصار ، فيهم
عمر ، وأظن
أبا بكر أيضا .
وكذا
تأمر nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد على جيش هما فيه ، وأبو عبيدة وخلق من المهاجرين والأنصار ، وتوفي - صلى الله عليه وسلم - قبل خروجه ، فأنفذه أبو بكر بعد أن استخلف ; امتثالا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقيل : إن
أبا بكر سأل
أسامة أن يأذن
لعمر في الإقامة ، فأذن له ، وفي شرحها طول .
[ ص: 146 ] وبالجملة فقد ثبت أن كلا من
أبي عبيدة وعمرو وأسامة تأمر عليهما ، وصار ذلك أحد الأدلة في
ولاية المفضول على الفاضل أو بحضرته ، فطروق الاحتمال فيه بعيد جدا .
وما قيل في
بلال ليس بمتفق عليه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508فلابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر أنه أذن
لأبي بكر مدة خلافته ، ولم يؤذن
لعمر ، [ نعم عند
أبي داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ; أن
بلالا لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يخرج إلى
الشام ، فقال له
أبو بكر : تكون عندي ، قال : إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني ، وإن كنت أعتقتني لله فذرني ، فذهب إلى
الشام ، فكان بها حتى مات - رضي الله عنه - ، وهو أصح مما قبله ، وهو ] مقتضى قول
مالك : لم يؤذن لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى مرة
لعمر حين دخل
الشام ، فبكى الناس بكاء شديدا .
ومن أدلة الأكثرين سوى ما تقدم ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=929735أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله - يعني ابن عمر رضي الله عنهما - كيف نصنع في الموقف يوم عرفة ؟ فقال سالم : إن كنت تريد السنة ، فهجر بالصلاة يوم عرفة .
فقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : صدق ، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : فقلت لسالم : أفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : وهل يتبعون في ذلك إلا سنته . انتهى .
وكل ما سلف فيما إذا لم
يضف السنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلو أضافها - كقول
عمر للصبي بن معبد : هديت لسنة نبيك - فمقتضى كلام الجمهور السابق
[ ص: 147 ] الرفع ، بل أولى ،
nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم يخالف فيه كما تقدم ، بل نقل
nindex.php?page=showalam&ids=12855أبو الحسين بن القطان عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : قد يجوز أن يراد بذلك ما هو الحق من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وجزم
البلقيني في محاسنه بأنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا ، فأرفعها مثل قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " الله أكبر سنة
أبي القاسم صلى الله عليه وسلم " ، ودونها قول
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص : " لا تلبسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد كذا " ، ودونها قول
عمر nindex.php?page=showalam&ids=27لعقبة بن عامر : " أصبت السنة " ; إذ الأول أبعد احتمالا ، والثاني أقرب احتمالا ، والثالث لا إضافة فيه . انتهى .
وقال غيره في قول
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : الصواب فيه : لا تلبسوا علينا ديننا . موقوف ; فدل قوله هذا على أن الأول مرفوع ، أما إذا صرح بالآمر ; كقوله : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ، أو سمعته يأمر بكذا ، فهو مرفوع بلا خلاف ; لانتفاء الاحتمال السابق .
لكن حكى
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب الطبري ، وتلميذه
ابن الصباغ في " العدة " عن
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري وبعض المتكلمين - : أنه لا يكون حجة حتى ينقل لفظه ; لاختلاف الناس في صيغ الأمر والنهي فيحتمل أن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا ، وليست كذلك في نفس الأمر .
وقال الشارح : إنه ضعيف مردود ، ثم وجهه بما له وجه في الجملة ،
[ ص: 148 ] ووجهه غيره بجواز أن نحو هذا من الرواية بالمعنى ، وهم ممن لا يجوزها .
وأما شيخنا فرده أصلا فيما نقله عن غيره ; حيث قال : وأجيب بأن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة - أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي ، من غير شك ، نفيا للتلبيس عنه ، لنقل ما يوجب على سامعه اعتقاد الأمر والنهي فيما ليس أمرا ولا نهيا .
تتمة :
قول الصحابي : إني لأشبهكم صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وما أشبه كـ " لأقربن لكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " - كله مرفوع . وهل يلتحق التابعي بالصحابي في " من السنة " أو " أمرنا " ؟ سيأتي في خامس الفروع .
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أمرت " هو كقوله : " أمرني الله " ; لأنه لا آمر له إلا الله ، كما سيأتي نظيره في " يرفعه " ، و " يرويه " ، وأمثلته كثيرة .
فمن المتفق عليه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929736أمرت بقرية تأكل القرى ، يقولون :
يثرب " ومن غيره :
أمرنا أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة .
والحاصل أن من اشتهر بطاعة كبير إذا قال ذلك ، فهم منه أن الآمر له هو ذلك الكبير ، والله أعلم .