وقيل : إن زاد المعدلون قدم التعديل ، وإذا قال : حدثني الثقة أو نحوه لم يكتف به على الصحيح ، وقيل : يكتفى ، فإن كان القائل عالما كفى في حق موافقه في المذهب عند بعض المحققين .
وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين ، وهو الصحيح ، وقيل : هو تعديل .
وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ، ليس حكما بصحته ولا مخالفته قدح في صحته ولا في رواته .
( الخامسة : الصحيح أن الجرح والتعديل يثبتان بواحد ) ; لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر ، فلم يشترط في جرح راويه ، وتعديله ، ولأن التزكية بمنزلة الحكم ، وهو أيضا لا يشترط فيه العدد .
( وقيل : لا بد من اثنين ) كما في الشهادة ، وقد تقدم الفرق .
قال شيخ الإسلام : ولو قيل يفصل بين ما إذا كانت التزكية مسندة من المزكي إلى اجتهاده ، أو إلى النقل عن غيره لكان متجها ; لأنه إذا كان الأول فلا يشترط العدد أصلا لأنه بمنزلة الحكم ، وإن كان الثاني ، فيجري فيه الخلاف ، ويتبين [ ص: 364 ] أيضا أنه لا يشترط العدد ; لأن أصل النقل لا يشترط فيه ، فكذا ما تفرع منه . انتهى .
وليس لهذا التفصيل الذي ذكره فائدة إلا نفي الخلاف في القسم الأول ، وشمل الواحد العبد والمرأة ، وسيذكره المصنف من زوائده .
( وإذا اجتمع فيه ) ، أي الراوي ( جرح ) مفسر ، ( وتعديل ، فالجرح مقدم ) ، ولو زاد عدد المعدل ، هذا هو الأصح عند الفقهاء والأصوليين ، ونقله الخطيب عن جمهور العلماء ; لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل ; ولأنه مصدق للمعدل فيما أخبر به ، عن ظاهر حاله ، إلا أنه يخبر ، عن أمر باطن خفي عنه .
وقيد الفقهاء ذلك بما إذا لم يقل المعدل عرفت السبب الذي ذكره الجارح ، ولكنه تاب ، وحسنت حاله ، فإنه حينئذ يقدم المعدل قال البلقيني : ويأتي ذلك أيضا هنا إلا في الكذب ، كما سيأتي .
وقيده ابن دقيق العيد : بأن يبني على أمر مجزوم به لا بطريق اجتهادي ، كما اصطلح عليه أهل الحديث في الاعتماد في الجرح على اعتبار حديث الراوي لحديث غيره ، والنظر إلى كثرة الموافقة والمخالفة .
ورد بأن أهل الحديث لم يعتمدوا ذلك في معرفة العدالة والجرح ، بل في معرفة الضبط والتغفل ، واستثنى أيضا ما إذا عين سببا ، فنفاه المعدل بطريق معتبر ، بأن قال : قتل غلاما ظلما يوم كذا ، فقال المعدل : رأيته حيا بعد ذلك ، أو كان القاتل في ذلك الوقت عندي ، فإنهما يتعارضان وتقييد الجرح بكونه [ ص: 365 ] مفسرا جار على ما صححه المصنف ، وغيره ، كما صرح به ابن دقيق العيد وغيره .
وقيل : يتعارضان ، فلا يترجح أحدهما إلا بمرجح ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب ، وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان من المالكية .
قال العراقي : وكلام الخطيب يقتضي نفي هذا القول ، فإنه قال : اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعدله مثل عدد من جرحه ، فإن الجرح به أولى ، ففي هذه الصورة حكاية الإجماع على تقديم الجرح خلاف ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب .
( وإذا قال حدثني الثقة أو نحوه ) من غير أن يسميه ، ( لم يكتف به ) في التعديل ( على الصحيح ) ، حتى يسميه ; لأنه وإن كان ثقة عنده ، فربما لو سماه لكان ممن جرحه غيره بجرح قادح ، بل إضرابه عن تسميته ريبة توقع ترددا في القلب .
( وقيل : يكتفى ) بذلك مطلقا ، كما لو عينه ; لأنه مأمون في الحالتين معا ، ( فإن كان القائل عالما ) ، أي مجتهدا ، كمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وكثيرا ما يفعلان ذلك ، ( كفى في حق موافقه في المذهب ) ، لا غيره ( عند بعض المحققين ) .
قال ابن الصباغ : لأنه لا يورد ذلك احتجاجا بالخبر على غيره ، بل يذكر لأصحابه قيام الحجة عنده على الحكم ، وقد عرف هو من روى عنه ذلك .
واختاره إمام الحرمين ، ورجحه الرافعي في شرح المسند ، وفرضه في صدور ذلك من أهل التعديل .
وقيل : لا يكفي أيضا ، حتى يقول : كل من أروي لكم عنه ، ولم أسمه ، فهو عدل .
قال الخطيب : وقد يوجد في بعض من أبهموه الضعف لخفاء حاله ، كرواية مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11808عبد الكريم بن أبي المخارق .
وقال الذهبي : ليس بتوثيق ; لأنه نفي للتهمة ، وليس فيه تعرض لإتقانه ، [ ص: 367 ] ولا لأنه حجة .
قال ابن السبكي : وهذا صحيح ، غير أن هذا إذا وقع من nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على مسألة دينية فهي والتوثيق سواء في أصل الحجة ، وإن كان مدلول اللفظ لا يزيد على ما ذكره الذهبي ، فمن ثم خالفناه في مثل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، أما من ليس مثله فالأمر كما قال ، انتهى .
قال الزركشي : والعجب من اقتصاره على نقله ، عن الذهبي مع أن طوائف من فحول أصحابنا صرحوا به ، منهم : الصيرفي ، والماوردي ، nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني .
الثانية : قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : إذا قال مالك : عن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن عبد الله الأشج ، فالثقة مخرمة بن بكير .
وإذا قال : عن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، فهو nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، وقيل : nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : الذي يقول مالك في كتابه : " الثقة ، عن بكير " يشبه أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث .
وقال غيره : قال ابن وهب : كل ما في كتاب مالك ، أخبرني من لا أتهم من أهل العلم ، فهو nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد .
وقال أبو الحسن الأبري : سمعت بعض أهل الحديث ، يقول : إذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أخبرنا الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذؤيب ، فهو nindex.php?page=showalam&ids=12523ابن أبي فديك .
[ ص: 368 ] وإذا قال : أخبرنا الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، فهو nindex.php?page=showalam&ids=17309يحيى بن حسان .
وإذا قال : أخبرنا الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15498الوليد بن كثير ، فهو أبو أسامة .
وإذا قال : أخبرنا الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، فهو nindex.php?page=showalam&ids=16697عمرو بن أبي سلمة .
وإذا قال : أخبرني الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، فهو nindex.php?page=showalam&ids=14429مسلم بن خالد .
وإذا قال : أخبرنا الثقة ، عن صالح مولى التوأمة ، فهو إبراهيم بن يحيى ، انتهى .
ونقله غيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11970أبي حاتم الرازي .
وقال : ابن حجر في رجال الأربعة : إذا قال مالك : عن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب فقيل : هو nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث ، أو nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة .
وعن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج قيل : هو مخرمة بن بكير .
وعن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، هو نافع ، كما في موطأ ابن القاسم .
وإذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ، عن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15124ليث بن سعد ، قال الربيع : هو nindex.php?page=showalam&ids=17309يحيى بن حسان .
وعن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، هو إبراهيم بن يحيى .
وعن الثقة ، عن حميد ، هو nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية .
وعن الثقة ، عن معمر ، هو مطرف بن مازن .
وعن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15498الوليد بن كثير ، هو أبو أسامة .
وعن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، لعله ابنه عبد الله بن يحيى .
وعن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد ، عن الحسن ، هو nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية .
وعن الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، هو nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة . انتهى .
[ ص: 369 ] وروينا في مسند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن الأصم قال : سمعت الربيع ، يقول : كان nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا قال : أخبرني من لا أتهم يريد به إبراهيم بن يحيى ، وإذا قال : أخبرني الثقة ، يريد به nindex.php?page=showalam&ids=17309يحيى بن حسان .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال : أخبرنا الثقة ، عن عبد الله بن الحارث إن لم أكن سمعته من عبد الله بن الحارث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17368يزيد بن قسيط ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة .
قال الحافظ أبو الفضل الفلكي : الرجل الذي لم يسم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، هو nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل .
وفي " تاريخ nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر " قال عبد الله بن أحمد : كل شيء في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، أخبرنا الثقة ، عن أبي .
وقال شيخ الإسلام : يوجد في كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أخبرني الثقة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لم يأخذ عن أحد ممن أدرك nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، فيحتمل أنه أراد بسنده ، عن يحيى .
قال : وذكر عبد الله بن أحمد أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا قال : أخبرنا الثقة ، وذكر أحدا من العراقيين ، فهو يعني أباه .
( وإذا روى العدل عمن سماه ، لم يكن تعديلا عند الأكثرين ) من أهل الحديث وغيرهم ، ( وهو الصحيح ) ، لجواز رواية العدل ، عن غير العدل فلم تتضمن روايته عنه تعديله .
وقد روينا ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، أنه قال : حدثنا الحارث ، وأشهد بالله أنه كان كذابا .
[ ص: 370 ] ، وروى الحاكم ، وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، أنه رأى nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين ، وهو يكتب صحيفة معمر ، عن أبان ، عن أنس ، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه ، فقال له أحمد : تكتب صحيفة معمر ، عن أبان ، عن أنس ، وتعلم أنها موضوعة ؟ فلو قال لك قائل : أنت تتكلم في أبان ، ثم تكتب حديثه ، فقال : يا أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة ، فأحفظها كلها ، وأعلم أنها موضوعة ، حتى لا يجيء إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا ، ويرويها عن معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، فأقول له : كذبت ، إنما هي ، عن معمر ، عن أبان ، لا عن ثابت .
( وقيل : هو تعديل ) ، إذ لو علم فيه جرحا ، لذكره ولو لم يذكره لكان غاشا في الدين .
قال الصيرفي : وهذا خطأ ; لأن الرواية تعريف له ، والعدالة بالخبرة .
وأجاب الخطيب بأنه قد لا يعرف عدالته ولا جرحه .
وقيل : إن كان العدل الذي روى عنه ، لا يروي إلا عن عدل ، كانت روايته تعديلا ، وإلا فلا ، واختاره الأصوليون ، nindex.php?page=showalam&ids=14552كالآمدي ، وابن الحاجب ، وغيرهما .
( وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما ) منه ( بصحته ) ، ولا بتعديل رواته ، لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا ، أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر .
وصحح nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي وغيره من الأصوليين أنه حكم بذلك .
[ ص: 371 ] وقال إمام الحرمين : إن لم يكن في مسالك الاحتياط .
وفرق ابن تيمية بين أن يعمل به في الترغيب وغيره .
( ولا مخالفته ) له ( قدح ) منه ( في صحته ، ولا في رواته ) ، لإمكانه أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره ، وقد روى مالك حديث الخيار ، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه ، ولم يكن ذلك قدحا في نافع راويه .
وقال ابن كثير : في القسم الأول نظر ، إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث ، وتعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه ، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه .
قال العراقي : والجواب : وفي هذا النظر نظر ; لأنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث ، أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس ، أو إجماع ، ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته ، بل ولا بعضها ، ولعل له دليلا آخر ، واستأنس بالحديث الوارد في الباب ، وربما كان يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس كما تقدم .
تنبيه
مما لا يدل على صحة الحديث أيضا كما ذكره أهل الأصول موافقة الإجماع له [ ص: 371 ] على الأصح ، لجواز أن يكون المستند غيره ، وقيل : يدل وكذلك بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله .
وقال الزيدية : يدل وافتراق العلماء بين متأول للحديث ، ومحتج به .
قال ابن السمعاني ، وقوم : يدل ، لتضمنه تلقيهم له بالقبول .
وأجيب باحتمال أنه تأوله على تقدير صحته وفرضا ، لا على ثبوتها عنده .