نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
( وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروه ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { لعن الله المحلل والمحلل له }وهذا هو محمله ( فإن طلقها بعدما وطئها حلت للأول ) لوجود الدخول في نكاح صحيح ، إذ النكاح لا يبطل بالشرط وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يفسد النكاح ; لأنه في معنى الموقت فيه ، ولا يحلها على الأول لفساده وعن محمد رحمه الله أنه يصح النكاح لما بينا ، ولا يحلها على الأول ; لأنه استعجل ما أخره الشرع فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث . ( وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين ، وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ، ثم عادت [ ص: 486 ] إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات ، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله : لا يهدم ما دون الثلاث ) ; لأنه غاية للحرمة بالنص فيكون منهيا ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت ، ولهما قوله عليه الصلاة والسلام : { لعن الله المحلل والمحلل له }سماه محللا وهو المثبت للحل .


الحديث الثالث : قال عليه السلام : { لعن الله المحلل والمحلل له }; قلت : روي من [ ص: 486 ] حديث ابن مسعود ; ومن حديث علي ; ومن حديث جابر ; ومن حديث عقبة بن عامر ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث ابن عباس .

فحديث ابن مسعود : أخرجه الترمذي ، والنسائي من غير وجه عن سفيان الثوري عن أبي قيس ، واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي عن عبد الله بن مسعود ، قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له }انتهى .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح ; ورواه أحمد في " مسنده " ، ووهم شيخنا علاء الدين في عزوه لأبي داود ، وله طريق آخر : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا زكريا بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري عن أبي الواصل عن ابن مسعود ، فذكره .

وحديث علي : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن الحارث عن علي ، قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له }انتهى .

وفي لفظ أبي داود فيه شك ، فقال : أراه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معلول بالحارث .

وحديث جابر : أخرجه الترمذي عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله [ ص: 487 ] بنحوه سواء ، قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بقائم ، فإن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل العلم : منهم أحمد بن حنبل انتهى .

وحديث عقبة بن عامر : أخرجه ابن ماجه عن الليث بن سعد ، قال لي أبو مصعب : مشرح بن هاعان ، قال عقبة بن عامر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له }انتهى .

قال عبد الحق في " أحكامه " : إسناده حسن انتهى .

وقال الترمذي في " علله الكبرى " : الليث بن سعد ما أراه سمع من مشرح بن هاعان ، انتهى .

وقال ابن أبي حاتم في " علله " : سألت أبا زرعة عن حديث رواه الليث بن سعد عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر ، فذكره ، فقال : لم يسمع الليث من مشرح شيئا ، ولا روى عنه انتهى .

قلت : قوله : في الإسناد : قال لي أبو مصعب : يرد ذلك ; ورواه الدارقطني في " سننه " معنعنا عن أبي صالح ، كاتب الليث عن الليث عن مشرح به ، وكذلك حسنه عبد الحق ، لأنه ذكره من جهة الدارقطني ، وأبو صالح مختلف فيه . وإلا فالحديث صحيح من عند ابن ماجه ، فإن شيخ ابن ماجه يحيى بن عثمان ذكره ابن يونس في " تاريخ المصريين " ، وأثنى عليه بعلم وضبط ، وأبوه عثمان بن صالح المصري ثقة ، أخرج له البخاري ، وأما مشرح بن هاعان فوثقه ابن القطان ، ونقل عن ابن معين أنه وثقه ; والعلة التي ذكرها ابن أبي حاتم : لم يعرج عليها ابن القطان ، ولا غيره .

وحديث ابن عباس : رواه ابن ماجه أيضا حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس ، بنحوه سواء .

وأما حديث أبي هريرة : فرواه أحمد ، والبزار ، وأبو يعلى الموصلي ، وإسحاق بن راهويه في " مسانيدهم " عن عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة بنحوه ، سواء ; ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، والبيهقي في " سننه " ، وعبد الله بن جعفر ، وثقه أحمد ، وابن المديني ، وابن معين ، وغيرهم ; [ ص: 488 ] وأخرج له مسلم في " صحيحه " ، وعثمان بن محمد الأخنسي وثقه ابن معين ، وسعيد المقبري ، متفق عليه ، فالحديث صحيح .

{ حديث آخر } في الباب : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن سعيد بن أبي مريم ثنا أبو غسان محمد بن مطرف المدني عن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال : { جاء رجل إلى ابن عمر ، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له ليحلها لأخيه ، هل تحل للأول ؟ قال : لا ، إلا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم }. انتهى ، وصححه .

واعلم أن المصنف استدل بهذا الحديث على كراهة النكاح المشروط به التحليل ، وظاهره يقتضي التحريم ، كما هو مذهب أحمد ، ولكن يقال : لما سماه محللا دل على صحة النكاح ، لأن المحلل هو المثبت للحل ، فلو كان فاسدا لما سماه محللا ، ثم أعاده المصنف مستدلا به لأبي حنيفة على أن الزوج الثاني ، يهدم ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث ; وفيه أثر جيد ، رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير ، قال : كنت جالسا عند عبد الله بن عتبة بن مسعود ، إذ جاءه أعرابي فسأله عن رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ، ثم انقضت عدتها فتزوجت زوجا غيره ، فدخل بها ، ثم مات عنها أو طلقها ، ثم انقضت عدتها ; وأراد الأول أن يتزوجها على كم هي عنده ، فالتفت إلى ابن عباس ، وقال : ما تقول في هذا ؟ قال : يهدم الزوج الثاني الواحدة ، والثنتين ، والثلاث ، واسأل ابن عمر ، قال : فلقيت ابن عمر فسألته ، فقال : مثل ما قال ابن عباس انتهى .

أحاديث الخصوم : روى البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي ثنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار أنهم سمعوا أبا هريرة يقول : سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ، ثم انقضت عدتها ، فتزوجها غيره ، ثم فارقها ، ثم تزوجها الأول ، قال : هي عنده على ما بقي انتهى .

وروى من حديث الحكم بن عتيبة عن يزيد بن جابر عن أبيه أنه سمع علي بن أبي طالب يقول : هي على ما بقي ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية