نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

صفحة جزء
[ ص: 513 ] قال : ( وإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما ) وقال زفر : تقع بتلاعنهما ; لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث . ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف فيلزمه التسريح بالإحسان فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم ، دل عليه { قول ذلك الملاعن عند النبي عليه الصلاة والسلام كذبت عليها يا رسول الله ، إن أمسكتها ، فهي طالق ثلاثا قاله بعد اللعان }.


قوله : وقال زفر : تقع الفرقة بتلاعنهما ، لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث ، كأنه يشير إلى حديث : { المتلاعنان لا يجتمعان أبدا } ، وسيأتي ، وهو قول مالك .

الحديث الثاني : حديث : { كذبت عليها إن أمسكتها }; قلت : رواه البخاري ، ومسلم من حديث ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي { أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي ، فقال له : يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره عليه السلام المسائل ، وعابها ، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر ، فقال : يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ [ ص: 514 ] فقال عاصم : لم تأتني بخير ، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل التي سألته عنها ، فقال عويمر : والله لا أنتهي حتى أسأله عنها ، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وسط الناس ، فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ فقال عليه السلام : قد أنزل الله فيك ، وفي صاحبتك قرآنا ، فاذهب فأت بها ، قال سهل : فتلاعنا ، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا ، قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ، فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب : فكانت تلك سنة المتلاعنين }. انتهى .

ورواه أبو داود ، وقال فيه : { فطلقها ثلاث تطليقات ، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ، قال سهل : حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ، ثم لا يجتمعان أبدا }انتهى . وفي هذه الألفاظ كلها دليل على أن الفرقة لم تقع باللعان ، وكذا في حديث ابن عمر { أن رجلا لاعن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق عليه السلام بينهما ، وألحق الولد بأمه } ، أخرجاه في " الصحيحين " دليل على ذلك ، وإلا لم يكن لتفريقه عليه السلام فائدة ; قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : إن الفرقة تقع بنفس اللعان ، وعويمر حين طلقها ثلاثا كان جاهلا بأن اللعان فرقة ، فصار كمن شرط الضمان في السلف ، وهو يلزمه ، شرط أو لم يشترط ، وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر تفريق حكم لا لفرقة الزوج ، وقول سهل بن سعد ، والزهري في الحديث : { فكانت تلك سنة المتلاعنين } ، أي الفرقة ، قال البيهقي : والذي يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود في " سننه " عن عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس { في قصة هلال بن أمية ، ولعانه ، قال : وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ليس لها عليه قوت ، ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها }انتهى .

وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : وقوله عليه السلام : { لا سبيل لك عليها } ، ليس معناه الفرقة ، ولكنه ظن أن له المطالبة بالمهر ، ولهذا في تمام الحديث قال : { يا رسول الله مالي ؟ قال : لا مال لك ، إن كنت صدقت عليها ، فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها ، فذلك أبعد لك منها }انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية